غياب المراقبة الاقتصادية: مجال مفتوح للتجارة الموازية والتهريب
ارتفعت في الفترة الأخيرة وخاصة مع حلول شهر رمضان وتيرة الاعتداءات على أعوان المراقبة الاقتصادية، وهذه الاعتداءات حلقة من سلسلة متواصلة من أحداث العنف ضدّ أعوان جهاز الرقابة الاقتصادية أثناء قيامهم بأعمالهم. حيث يجد أعوان الرقابة أنفسهم كلمّا توجهوا الى الأسواق للقيام بأعمالهم في مواجهة عدد من التجار وأصحاب المحلات ممن يخالفون القانون ويمارسون شتى أنواع المضاربة والاحتكار والبيع المشروط والغش.
ومثلت حادثة الاعتداء بالعنف الشديد على ثلاثة عناصر مراقبة بجهة بومهل من ولاية بن عروس يوم 7 ماي 2019 توجها غير مسبوق نحو العنف وهو ما يؤكده وصف مدير عام الأبحاث الاقتصادية بوزارة التجارة حسام التويتي، الذي اعتبر أن الحادثة الأخيرة تمثل نقلة نوعيّة في الاعتداءات على فرق المراقبة.
وتعود الحادثة الى إقدام تاجر وجزار على تعنيف امرأتين إثر تدوينهما لمحضر مخالفة لهما بسبب مخالفتهما للشروط القانونية وبيعهما لمنتوجات مجهولة المصدر، ودون أدنى الشروط الصحيّة.كما عمد نجل الجزار الى تكسير سيارة عون آخر بعد اكتشاف أمره وهو بصدد توثيق الحادثة وتصوريها، في مشهد عنيف كاد أن يؤدي بمقتل العون، علاوة على حوادث أخرى مماثلة، بلغ فيها العنف مشاهدا درامية وصلت حدّ الاحتجاز والتهديد، ففي جانفي 2019 عمد جزار بجهة حي الخضراء الى حجز امرأتين من أعوان المراقبة داخل محله، وقام بتعنيفهن، كما حاول الاعتداء عليهن بسكين أثناء قيامهن بمهمة رقابية وتنفيذ اذن رسمي بمأمورية نظرا لتورط صاحب المجزرة في شبهات فساد وتلاعب بأسعار اللحوم الموردة.
وقاطع عدد من أعوان المراقبة الاقتصادية في ولاية قبلي أنشطتهم على خلفية حادثة الاعتداء على زملائهم ببومهل ونددوا بالظروف السيئة لعملهم.
ولعّل كثيرون لا يعلمون عمق خطورة غياب الرقابة الاقتصادية، فماذا يعني غياب الرقابة الاقتصادية؟
يعني سلع مجهولة المصدر، يعني غياب شروط الصحة، افتقاد المواد الأساسية، ضرب المواد المدعمّة بالاحتكار والمضاربة في الأسعار، مما يعني ارتفاع الأسعار وبالتالي تدهور المقدرة الشرائية أكثر فأكثر وإعطاء صك على بياض للتجارة الموازية والتهريب وتقديم مساحة حرّة للمخالفين للقانون وللتجارة الموازية لضرب المقدرة الشرائية للمواطن وضرب المنتوجات الوطنية.
فمنذ أعلنت وزارة التجارة عن استراتيجية مراقبة شاملة خلال شهر رمضان لمحاربة الاحتكار والمضاربة في الأسعار والبيع المشّط، حتى تجنّد التجار المخالفون للقوانين بمواجهة أعوان المراقبة بالعنف وتفننوا في طرق الغش، كما قاموا بتطوير طرق تهربهم من التتبع القانوني من خلال تعبئة السلع بمستودعات بعيدة عن المحل المعلوم، وبإخفاء المواد المدعمة في المنازل، وهو ما أكده كاتب عام منظمة الدفاع عن المستهلك محمد الصالح البرقاوي، الذي أكد أن حملات المراقبة الاقتصادية لم تعد كافية لمحاربة الاحتكار لأن المخالفين للقانون يستعدون لها.
وقد سبق لأعوان المراقبة الاقتصادية أن قرروا مقاطعة العمل الرقابي، خارج التوقيت الاداري وأيام العطل والاحاد ومع الفرق المشتركة في أفريل الماضي على خلفية عدم الالتزام الحكومة بمحاضر اتفاق مبرمة منذ السنة الفارطة، وعدم توفر الحماية القانونية والاجرائية وضعف عدد الأعوان والامكانيات.
وقد طالبت النقابة الأساسية لأعوان وزارة التجارة والصناعات التقليدية منذ سنة 2013 تفعيل القانون الأساسي الذي يميزهم مثل سلك الديوانة والامن وعلى ضرورة تضمنه فصولا تحمي العون الاقتصادي مع اتفاقيات مع شركات التأمين والترفيع في منحة الخطر السنوية. وفيما يتعلق بالقوانين التي تحمي الأعوان أثناء انجازهم للمهام المنوطة بعهدتهم، أقر الأمر 3112 لسنة 2013 المتعلق بضبط النظام الأساسي الخاص بأعوان سلك المراقبة الاقتصادية بتمتع أعوان الرقابة الاقتصادية بالحماية طبقا لأحكام المجلة الجزائية، والإدارة ملزمة بحماية أعوانها من التهديدات والاعتداءات مهما كان نوعها في حال مباشرة أو بمناسبة مباشرة وظائفهم أو من أجل صفتهم وبجبر الضرر الناتج عن ذلك.
ويمثّل جهاز المراقبة الاقتصادية هيكلا إداريا تابعا لوزارة التجارة والصناعات التقليدية، يعمل على تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وضمان التوازنات العامة للسوق وحماية مصالح كافة المتعاملين فيها خاصة من خلال تدخلّه لضمان التوازن بين العرض والطلب لمختلف المنتجات، والتحكم في مستويات الأسعار ولضمان انتظامية التزويد وتنوعه (المنتجات والمواد الأساسية والحساسة) كما يسهّل النفاذ إلى السوق وحفز المنافسة فيها (المنتجات والخدمات الأخرى)، وعقلنة أسعار المنتجات الحرة.
وهو يقوم بالتوازي مع مهامه الرقابية كذلك بمهام تتعلق بالحماية الاقتصادية للمستهلك، حيث يوكل إليه دور المحافظة على المقدرة الشرائية للمواطن، وضمان الإعلام الكافي والصحيح حول المنتج أو الخدمة، وتأمين حقوق ومصالح المستهلك خلال جميع مراحل عملية الشراء والتدخل لمعالجة الشكاوى وفض النزاعات المتعلقة بها.
بالنظر لمختلف هذه المهام نتبين الوظائف الثنائية لعون المراقبة الاقتصادية وأهمية دوره الذي إذا غاب، غرق السوق في بحر التجارة الموازية وفُتح المجال أمام بارونات التهريب لضرب المنتوجات الوطنية وارتفعت الأسعار بفعل الربح المشط والاحتكار والمضاربة بما يضرب الاقتصاد بصفة خاصة. ولا يعّي المخالفون للقانون بالعقوبات التي قد يتعرضون لها، والتي لا تقتصر على الخطايا وإنما تصل حد العقوبات بالسجن، غيّر أن الاستهتار بالقوانين والتبجح بمخالفتها أضحى أمرا متداولا ومدعاة للفخر. وفي خضم ذلك نظلّ في انتظار تطبيق جديّ للقانون والضرب على أيادي المخالفين دون هوادة، فالمصلحة العامة تقتضي حلاّ جذريا للقضاء على كل أنواع مخالفة القوانين والشروط الصحية بما يهدد الحق في الصحة.
إن عدم احترام القوانين لدى عدد من التجار وبائعي المواد الاستهلاكية واعتدائهم على أعوان المراقبة الاقتصادية، لا يهدد فقط العون المكلّف بحماية المستهلك وضمان التوازنات المالية والاقتصادية وإنما المسألة أعمق فهو يهدد الصحة كحق إنساني دستوري ويهدد الاقتصاد الوطني ويفتح المجال للتجارة الموازية والتهريب، فضرب جهاز المراقبة الاقتصادية الذي يمثل صمام الأمان الاقتصادي هو ضرب للاقتصاد الوطني ولصحة المواطن.
تعليقك
Commentaires