الحرب على الرئاسيّة .. مناظرة تقيّيميّة وليتنافس المتنافسون
تعيش تونس هذه الأيام على وقع حدث ديمقراطي تاريخي لم تعشه سابقا، حدث شكّل منعرجا في الحياة السياسية التونسية، إذ أنّه وضع المتسابقين لرئاسة الجمهوريّة وجها لوجه في نفس المكان، مناظرة رئاسيّة 2019، مناظرة تقيّيميّة لـ 26 مترشّحا للإنتخابات الرئاسيّة السابقة لأوانها، مناظرة تضع هؤلاء في اختبار أمام الشعب الذّي سيختار من بينهم رئيسا مناسبا وجديرا بإدارة بلادنا.
تمّ توزيع المرشّحين الستّة والعشرين على ثلاث مجموعات، حيث انطلقت أولى حلقات هذه المناظرة التلفزيونيّة الأولى من نوعها في تونس يوم أمس السبت 7 سبتمبر 2019، وتضمّنت المجموعة الأولى كلّ من مرشّح حركة النهضة عبد الفتاح مورو، والمرشح المستقل عمر منصور، والمرشح عن التيار الديمقراطي محمد عبو، والمترشّحة عن الحزب الدستوري الحر عبير موسي، والمستقل ناجي جلول، وعن حزب البديل مهدي جمعة، وقلب تونس نبيل القروي، وحراك تونس الإرادة منصف المرزوقي، وعن حركة تونس إلى الأمام عْبيد البريكي.
أشرف على إدارة هذه المناظرة الفريدة من نوعها لمدّة ساعتين ونصف، الإعلامية بقناة التلفزة الوطنيّة أسماء بالطّيب، والإعلامي بإذاعة موزاييك إلياس الغربي، الذّان قاما بتوجيه الأسئلة للمترشّحين مع التحكّم في الوقت أثناء إجابة المتسابقين على أن لا تتجاوز مدّة الإجابة دقيقة ونصف، هذه المناظرة تنتجها التلفزة التونسيّة بالإشتراك مع القطاع الخاصّ السمعي البصري ومبادرة مناظرة وتحت إشراف الهيئة العليا المستقلّة للإنتخابات والهيئة العليا المستقلّة للإتّصال السمعي البصري، وتنقسم المناظرة إلى ثلاثة محاور رئيسيّة تتعلّق بصلاحيّات رئيس الجمهوريّة كما نصّ عليها الدستور، تضمّن المحور الأوّل أسئلة تخصّ الدفاع والأمن القومي والمحور الثاني اهتمّ بالسياسة الخارجية والمحور الثالث، تعلّق بالحقوق العامة والفردية والمجالات الحيوية لتونس، وسنمدّكم في هذا المقال بإجابات بعض المترشّحين.
المرشّح عن حراك تونس الإرادة منصف المرزوقي
تعليقا منه على آليات مقاومة التطرّف والقضاء على الإرهاب، استهلّ المرزوقي إجابته بالترحّم على أرواح الشهداء، مفيدا أنّ لولاهم لما وصلت تونس إلى هذه اللّحظة التاريخيّة من الديمقراطيّة، وأفاد أنّ لديه برنامج وطني لمحاربة التطرّف مبني على المجال الأمني، العسكري، الإقتصادي الإجتماعي، التربوي، والعمل الديني، ولم يقم بذكر الإجراءات المتّخذة في هذه المجالات، مفنّدا في إجابته دور الإعلام في إنجاح هذه المجالات، كما لم يفت المرزوقي التذكير بأيام حكمه معتبرا انّه قام بتسليح الجيش وتركيزه على التنمية التي اعتبرها أساس مقاومة التطرّف، معلّلا إدخاله للسّلفين إلى قصر قرطاج بأنّها تندرج ضمن خطّة مقاومة التطرّف، وأكّد أنّ هذه الإستراتيجيّة يجب العودة إليها.
في ما يخصّ الأمن الطاقي، كعادته استحضر ما قاله في عهد حكمه سنة 2012، وأنّ له برنامج وطني في مجال الطّاقة على امتداد 50 سنة المقبلة وسيعمل على تكريسه في صورة اختاره الشعب هذه المرّة، وأكّد المرزوقي أنّ الغاية من الأمن القومي هي جعل المجتمع ينبذ العنف والتطرّف، مفيدا أنّ العنف الداخلي الذّي يعيشه المواطن التونسي هو ناتج عن الوضع الذي تعيشه البلاد، وقال أنّ المجتمع التونسي اليوم يعاني من التفكّك والإحباط وغياب الثقة في الدّولة، وحمّل المرزوقي المسؤوليّة إلى حكومة الشاهد التي لم تفي بوعودها الكاذبة للشعب، الذّي جعله فقيرا أكثر من أيّ وقت مضى، وأكّد أنّ قضيّة الأمن القومي تعنى بالتفكير في الأجيال المقبلة.
''رئيس الجمهوريّة يفعل ما يجب ولا يفعل ما يحبّ''، هكذا كانت إجابة المرزوقي في إمكانية تغيير السياسة الخارجيّة للبلاد، مشدّدا على أنّه ضدّ هذا الإجراء، وأكّد أنّ دور رئيس تونس هو الحفاظ على إستقلاليّة البلاد وكرامتها،وقال إنّ لتونس موضعا مهما بين الدّول وهي قادرة على الدفاع عن العديد من القضايا مثل القضيّة الفلسطينيّة التي اعتبرها القضيّة الأم، وقضيّة عودة السّلم إلى اليمن وسوريا وليبيا.
المرشح عن التيار الديمقراطي محمد عبو
قال محمد عبو أنّ تحسين أجهزة المخابرات له دور في مقاومة الإرهاب الرقمي، وحسب رأيه فإنّ مفهوم الأمن القومي وفقا للدستور، يتعلّق بسلامة التراب التونسي من الإعتداءات الداخليّة والخارجيّة وإنّ الأمن المتعلّق بحوادث الطرقات لا علاقة له بالأمن القومي، وهي من صلاحيات وزير الداخليّة وليس رئيس الجمهوريّة، وإنّ الأمن القومي يتجسّد بتخليص البلاد من طبقة سياسيّة فاسدة، وبيّن عبو أنّ الدولة اللّيبيّة حين تستقرّ الأوضاع بها ستزدهر العلاقة بين تونس وليبيا، مشيرا إلى ضرورة عدم التدخّل في شؤون الغير، وقال عبو في حال فوزه في الإنتخابات الرئاسيّة فهو لن يعيّن أي أحد من حزبه بل إنّه سيعيّن أصحاب الخبرة، وأفاد أنّه لن يعد يمثّل حزبه بل إنّه سيكون ممثّل الشعب، وتعهّد محمد عبو بالقضاء على حالة التسيّب في البلاد، والفساد السياسي في السلطة.
مرشّح حركة النهضة عبد الفتاح مورو
أشاد عبد الفتاح مورو بنجاح تونس في مقاومة الإرهاب، وقال أنّ بعث الجيش الرابع الرقمي الذّي دعا إليه هو ضرورة لمقاومة الإرهاب، وأشار مورو إلى ضرورة إصلاح الإدارة التونسيّة ورقمنتها، ورسكلة المسؤولين فيها، وأكّد مورو أنّ رئيس الجمهوريّة من صلاحياته حفظ الأمن داخل البلاد، وأكّد على ضرورة فتح الآفاق للديبلوماسيّة التونسيّة التي ستساعد على تنمية تفيد الشباب التونسي، خاصّة تحسين العلاقات مع فرنسا، وقال مورو في حالة أصبح رئيسا للجمهوريّة، فإنّه سيعيّن مندوبا ساميا يأخذ بيده الملفّ الليبي ليعالجه، كما أشار إلى ضرورة أن يحترم الشعب الدولة والقانون، واحترام السلطة القضائيّة لكي لا يقع استعمالها لأغراض سياسيّة، أيضا تعهّد مرشّح النهضة بردّ الإعتبار إلى عائلات شهداء الثورة وجرحاها، كما تعهّد بتحرير تونس من الإرهاب، وتوفير الأمن للتونسيين.
المترشّحة عن الحزب الدستوري الحر عبير موسي
قالت عبير موسي إنّ العنصر الاستخباراتي هو جوهر العمليّة الأمنيّة، والدفاعيّة ولا بدّ من تقويتها وخطّتها تنص على إدراج المركز الوطني للمخابرات الذي تشرف عليه رئاسة الحكومة ليكون تحت إشراف رئاسة الجمهوريّة، وأكّدت أنّ صلاحيات رئيس الجمهوريّة تضطلع بضبط السياسات العامّة، وحماية السيادة الوطنيّة، وقالت أنّ الأمن القومي يشمل الأمن الغذائي والأمن الطاقي، والإقتصادي والثقافي، ويجب على رئيس الجمهورية الإشراف على هذه المجالات وتحضير وثيقة شاملة للأمن القومي، ورئيس الحكومة يشرف على تنفيذها، كما أكّدت على توفير كل الأجهزة للمنظومة الأمنيّة والعسكريّة لمقاومة الإرهاب، ومن الناحية الإقتصادية أفادت موسي أنّ مشروعها الإنتخابي يتضمّن إحداث مجلس أعلى للديبلوماسيّة الإقتصاديّة، مهامه رسم خارطة طريق لتلميع صورة تونس في الخارج، وجذب الإستثمارات الخارجيّة، وإحداث لجنة مختصّة في مراجعة التداين الخارجي،
تباينت آراء السياسيين ونشطاء المجتمع المدني بخصوص هذه المناظرة التاريخيّة، فقال الناشط السياسي نورالدين ختال، إنّ المناظرة بين المترشّحين للرئاسيّة هي خيبة أمل كبيرة وليست بمناظرة، وقال وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية السابق، مبروك كرشيد، إنّ المناظرة التي سهرت عليها التلفزة الوطنية الأولى عربيا ولكن استنكر وقوف المرشحين أمام صحفيين جالسين واعتبره أمرا خاطئا شكليا يجعل من الصورة أقرب إلى الامتحان من التناظر، وعلّق كرشيد على نوعية الأسئلة، مفيدا أنّها موجهة بطريقة غير متلائمة مع المدارس الفكرية والسياسية للمترشحين، كما أشار إلى إنعدام الروح في المناظرات أدّى الى عدم الجاذبية والضبابية في الجواب ولم ينفع المترشحين، كما قال القيادي بحركة تحيا تونس كريم الهلالي أنّ المناظرة الأولى أثبتت انّ هناك حظوظ لمترشّحين أو ثلاثة في الإنتخابات الرئاسيّة، والباقية خارجين عن الموضوع، وبالتالي ستفضي هذه المناظرة على خمسة أو أربعة مترشّحين من مجموع 26 مترشّحا يستحقون المشاركة في هذا السباق الإنتخابي، معتبرا أنّ البقية موجودين فقط لمجرّد تسجيل الحضور و خاصة تشتيت الأصوات، كما دعا إلى ضرورة وجود حدّ أدنى من الوقت ليتناقش المترشّحين في ما بينهم حتى يكون النقاش أكثر حيوية و إفادة، وعبّر عن فخره بهذه الديمقراطيةّ.
واعتبر القيادي السابق بحركة نداء تونس، والإعلامي، برهان بسيّس، هذه المناظرة بالوهم الذي لا حدود له، قائلا''معناها انتخابات 2014 كانت خايبة خاطر ما فيهاش هاذي المناظرة الي كنا نشوفو فيها..... الله يرحمك يا سي الباجي كي ما قبلتش هالحكاية....قال شنوة بعد هالمناظرة بش نوليو رافعين روسنا بين الأمم!!!!الأوهام لا حدود له''، أيضا وجّه القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري رسالة إلى أنصار الإنتقال الديمقراطي تحمل عنوان ''الدعم المفيد''، وتهدف إلى جمع أكبر عدد ممكن من الناخبين ليصوّتوا لمصلحة مرشّح النهضة عبد الفتاح مورو، وأفاد البحيري بعد متابعته لأولى أمسيات المناظرة الرئاسيّة، أنّ الصورة اتّضحت ليلة البارحة، مفيدا أنّ المرشّح للرئاسيّة عن حركة النهضة، عبد الفتاح مورو، هو الأقدر والأكثر خبرة وتجربة مقارنة بباقي المترشّحين، واعتبر أنّ مورو هو صاحب أكثر حظوظ في الفوز، قائلا ''مورو الأقدر والاكفأ والأكثر خبرة وتجربة وحظوظه في الفوزأوفر من كل الذين تفكرون في انتخابهم بعد ان قررتم دعمهم''، وأكّد في تدوينته أنّ أيّ دعم لأيّ مترشّح آخر للرئاسيّة هو إهدار للجهد وخدمة مجانية لمنظومة عبير موسي ولمرشحي المصالح الدولية والإقليمية واللوبيات وعصابات الإجرام التي دمرت البلاد على مدى عقود، قائلا ''أعتقد والله أعلم أنّ مثل استمرار البعض في الأمتار الاخيرة من السباق في دعم غير الاستاذ مورو كمثل الحرث في البحر''.
ودعا أنصار الإنتقال الديمقراطي إلى ضرورة الإلتفاف حول عبد الفتاح مورو ونبذ بقيّة المترشّحين وذلك حسب رأيه ضمانا لمصلحة البلاد وحفاظا على الثورة وقيمها وخيارا جيّدا للقطع مع المنظومة القديمة ورموزها المكشوفة، وتعمّد في تدوينته التحريض على نبذ التصويت لعبير موسي ممثّلة الحزب الدستوري الحرّ، قائلا ''لا مصلحة لمحب لتونس ومشفق عليها من عودة عبير وأمثالها وهم كثر في تشتيت الجهود وبذلها في مالا ينفع بل يضر ويفتح الطريق أمام من يمثلون خطرا وتهديدا للثورة والدستور والوحدة الوطنية وكل قيم الخير التي بذلنا الغالي والنفيس من أجلها''، ودعا إلى ضرورة إغلاق الأبواب أمامها لضمان عدم عودة منظومة الإستبداد حسب قوله، مشدّدا على العمل لإقناع الناخبين بالتصويت لعبد الفتاح مورو، معلنا عن إطلاق حملة الدّعم المفيد لمساندة مورو بداية من الأسبوع المقبل لجمع العديد من الناخبين لمصلحة مرشّحهم.
تضاربت الآراء والمواقف في اليوم الأول من المناظرة للرئاسيّة، وتغيّرت نظرة بعض الناخبين في المترشّحين وبرامجهم، كما خاب ظنّ البعض الآخر في مترشّحين لم يتقنوا حتى إيصال المعلومة والإجابة عن الأسئلة، كما ساهم جانب المواجهة والظهور الجماعي للمترشّحين في التلفزة حالة ارباك، حتى أنّ البعض منهم صرّح ببعض المغالطات مثل عبد الفتاح مورو الذي قال أنّ عدد التونسيين المقيمين في فرنسا هو مليون و مائتي ألف تونسي، في حين تثبّتت بيزنيس نيوز شاك، من هذا الرقم واتضح انه حسب احصائيات ديوان التونسيين بالخارج لسنة 2018 يوجد 800 ألف تونسي مقيم بفرنسا و مليون و300 تونسي مقيمين بالخارج بصفة عامة، كما ادّعى المترشح عن حراك الارادة المنصف المرزوقي أنه خلال عهدته لم يكن هناك تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية لتونس، رصدت بيزنس نيوز شاك أن هذا التصريح خاطئ، فإنّه خلال توليه رئاسة الجمهورية خلال حكم الترويكا أظهر المرزقي انحيازا واضحا لقطر، لنذكر بتصريحه في 2013 أن كل من يتطاول على قطر سيحاسب، كما مثّلت إيجابات عمر منصور محلّ سخريّة الكثير من نشطاء موقع التواصل الإجتماعي، خاصّة في عدم إحترامه للوقت وتعمّده الإيجاز في الإجابة.
تنوّعت أجوبة المترشّحين في اليوم الأوّل لهذه المناظرة، واختلفت برامجهم الإنتخابيّة، ونظرتهم لمهام رئيس الجمهوريّة ومكانة الشعب ومطالبه في برامجهم، ومع كلّ النقد الذّي طال هذه التجربة الديمقراطيّة، تبقى هذه المبادرة خطوة تاريخيّة تقيّم المترشّحين أمام كافّة الشعب ليدركوا نوعا ما حقيقة من سيختارون ليقود مسار بلادنا نحو الأفضل.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires