الادارة التونسية تتخلّى عن حيادها خدمة للاستفتاء !

بتعلّة المصلحة العامة والأمن القومي، نجح  قيس سعيد في التخلص شيئًا فشيئًا من أي مؤسسة يمكن أن تمنعه من تحقيق هدفه النهائي: مشروعهُ السياسي الشهير، البناء القاعدي. اختار قيس سعيد أسهل الحلول، السلطة المطلقة وتفكيك ما تبقى من الدولة والخطوة المقبلة هي تبنّي نظام رئاسي يمنحهُ جميع السلطات والصلاحيات دون رقيب- مثلما يشير باب السلطة التنفيذية في دستوره المعروض على الاستفتاء.

أقام رئيس الدولة حصناً سياسياً من خلال إعادة هيكلة الإدارة ومؤسسات الدولة. تمثلت الخطوة الأولى في تشكيل حكومة  لا سلطة لها تعل فقط على تطبيق تعليمات رئيس الجمهورية حرفياً. وكانت نجلاء بودن أفضل مرشحة على رأس هذا الهيكل المفرغ من أيّ مهام حقيقة. وقد أظهرت الأخيرة موهبتها في 'الطاعة' إلى حد كبير. حتى أنها تجنبت الظهور في وسائل الإعلام حتى لا تسيء إلى الرئيس أو تثير الشكوك بين التونسيين حول أهليتها للحكم. وجدت نفسها في القصبة لغرض واحد: بذل كل ما في وسعها لتسهيل تنفيذ المشروع السياسي لرئيس الجمهورية.

 لم تقدم بودن رأيها حول استغلال موارد الدولة وموظفيها من أجل انتصار "نعم" في استفتاء 25 جويلية 2022.  تم تعديل قانون الانتخابات من أجل التنصيص أن الإدارات والهيئات العامة ملزمة بإتاحة كل ما تطلبه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من بيانات وموارد مادية وبشرية. يُلزم القانون أيضًا مصالح رئاسة الحكومة بتسهيل تعاون جميع الإدارات العامة مع الهيئة. وبالتالي فإن الأولوية هي نجاح الاستفتاء، بمعنى أن "نعم" يجب أن تفوز بأي ثمن.

وجدت نجلاء بودن نفسها في صحبة وزراء لهم نفس الدور، مثل توفيق شرف الدين ، أحد أعضاء الحملة التفسيرية لرئيس الدولة والمعين على رأس وزارة الداخلية. هذا الأخير معروف للجميع بأنه أحد المدافعين المتحمسين عن مشروع قيس سعيد ولم يحاول إخفاء هذا أو انكاره بل انه بارك تعيينات الرئيس في سلك الولاة والمعتمدين من أنصار مشروعه، المساهمين بنشاط في تحقيق النصر في الاستفتاء ضاربين عرض الحائط مبدأ حياد الإدارة.

أعطى رئيس الدولة نفسه سيطرة مطلقة على هيئة الانتخابات. أقال رئيسها نبيل بفون وغير تركيبتها بالكامل. أنشأ هيئة أظهرت خلال الأيام القليلة الماضية أنها ليست مستقلة ولا 'عليا'. لا يبدو أن السلطة منزعجة من كثرة الانتهاكات للقانون. ولم ترد ردود فعل على اللوحات الإعلانية الداعية للتصويت لصالح مشروع الدستور الجديد واستخدام علم الجمهورية. ولم تتحدث عن هذا الموضوع إلا بعد حملة إعلامية استنكرت الأمر. وفي الوقت نفسه ، قررت الهيئة المطالبة بإقالة أحد أعضائها لاستنكاره عدم تجاوب السلطات. اعتبر سامي بن سلامة أنه يجب إزالة الملصقات واللوحات الإعلانية. عقد رئيسها فاروق بوعسكر اجتماعا طارئا وجه فيه 55 اتهاما إلى زميله. أمر آخر يدل على تواطؤ الهيئة في تنفيذ مشروع رئيس الجمهورية ، سكوتها عن موضوع تعديل مشروع الدستور الجديد في منتصف الحملة الاستفتاء.

باختصار، وضع رئيس الدولة نظامًا يسهل عليه التحكم في قواعد اللعبة. ينادي بالديمقراطية وسيادة الشعب لكنه يخفي التعطش للسلطة وتفكيك منجزات الثورة. لدى قيس سعيد إدارة تهدف فقط إلى فرض انتصار "نعم" في الاستفتاء. إدارة في خدمة الرئيس وليس الجمهورية. تعد مسودة الدستور الجديد محور هذه العملية لأنها ستجعل من الممكن إضفاء الشرعية على عهد قيس سعيد ومنحه سلطات كاملة دستوريًا. ستكون حالة الاستثناء التي كانت جزءًا من حياتنا اليومية منذ 25 جويلية هي مصيرنا وهدفنا.

 ترجمة عن النص الفرنسي