الأطباء يكشفون المستور ويسقطون ورقة التوت
هي حملة اكتسحت مواقع التواصل الإجتماعي وبعض وسائل الإعلام التونسية وحتى الأجنبية. الكثير من الأطباء وأغلبيتهم من الشبان كشفوا على الشبكة العنكبوتية، تردي الأوضاع في المستشفيات إلى مستوى مفزع. بعض الحقائق التي كشف عنها أهل المهنة تكاد لا تُصدّق من شدة غرابته في تونس اليوم.
صفحة (Balance ton hôpital) تم إطلاقها أمس الإثنين، على موقع الفايسبوك للتنديد بالإخلالات والأخطاء الواقعة في المستشفيات التونسية منذ عدة سنوات .. في وقت وجيز فاق عدد متتبعي هذه الصفحة 22 ألف عضو .. يبدو أن فاجعة وفاة 12 رضيعا بمركز التوليد وطب الرضيع بمستشفى الرابطة، ساهمت في إطلاق ألسنة الأطباء الذين كانوا كشفوا في السابق عن بعض مظاهر الإخلال في المستشفيات كما عبروا عن غضبهم إزاء الوضع الراهن لكن لا حياة لمن تنادي .. كان علينا أن ننتظر فاجعة كهذه حتى يتحرّك المسؤولون في محاولة لتغيير الأوضاع وإنقاذ مؤسسات الصحة العمومية التي أصبحت غير صحية وتشكل في حد ذاتها خطرا على حياة المرضى الذين يقصدونها للعلاج.
من بين التدوينات والتعاليق المنشورة على هذه الصفحة، بعضها لا يحمل هويّة أصحابها، يصف فيها أطباء حالة مستشفيات اكتسحتها الجرذان والعناكب والقطط .. حيوانات تتجوّل بكل حرية وتقتات من مشيمة بعض النساء التي تم وضعها في أوعية (سطول)، بعد أن وضعن صغارهن.
أطباء داخليون ومقيمون، تحت التكوين، يجدون أنفسهم مجبرين على تغيير حفّاظات الولدان والرُضّع وقضاء الليل كاملا في توفير التهوئة اليدوية للمريض، ليتم بعد ذلك رفض تربصات البعض منهم، بسبب أخطاء كان يفترض أن يتحمل مسؤوليتها المشرفون عليهم.
نشر أحد الأطباء في تلك الصفحة أن عملية تسريب دواء لعلاج بعض الأمراض النفسية Olanzapine تسببت في حالة من الهلع في القسم المختص بهذه الأمراض، إذ تم في مارس 2017 اكتشاف أن الحصة السنوية من ذلك الدواء (بعنوان 2017) قد نفدت .. السبب يعود إلى وجود شبكة من الأشخاص يُوجّهون أناسا لاقتناء الدواء من أعوان المستشفى عوضا عن الصيدليات.. عملية التسريب كانت ضخمة إلى درجة أن المخبر سجّل تراجعا حادا في مبيعاته في الصيدليات، ليجد المرضى أنفسهم بين عشية وضحايا محرومين من هذا الدواء الضروري بالنسبة إليهم وهو ما تسبب في انتكاسة العديد منهم، بعضهم مُصاب بانفصام الشخصية وغيرها من الأعراض النفسية وهي انتكاسة قد تؤدي بهم إلى الوفاة .. دخل الأطباء في حالة من الفوضى لأنهم كانوا يعلمون أنهم سيُكملون تلك السنة بحلول ترقيعية مخجلة انتهى الأمر ببعض ضحاياها في الأقسام الإستعجالية .. على إثر ذلك تكونت لجنة من دكاترة المستشفى وكان القرار الذي اتخذوه هو تحجير وصف ذلك الدواء على غير كبار الأطباء .. لكن ماذا عن المتورطين في ذلك التسريب ؟ لا شيء يُذكر للأسف الشديد ("تونس بخير" كما يقال).
عديد الصور المنشورة تكشف المستور وتسقط ورقة التوت عن الحالية المتردية جدا لمستشفيات انعدمت فيها أدنى شروط السلامة والنظافة .. سيارات إسعاف مُهلهلة أبوابها لا تُغلق .. دورات مياه خارج نطاق الخدمة وفي حالة يرثى لها .. تجهيزات قسم العمليات نخرها الصدأ .. دراجات نارية مركونة وسط القسم ...
أحداث وحكايات تعكس حالة الإهمال المفزعة التي أضحى عليها قطاع الصحة العمومية .. من بين ما جاء في شهادات الأطباء أن مستشفى قابس يفتقد لأطبا مختصين في التخدير وفي التصوير بالأشعة وفي جراحة المخ والأعصاب وفي أمراض الجهاز الهضمي .. كما نقرأ في جانب آخر من تلك التعاليق، شهادات حول التلاعب بالأدوية وسرعة المعدات الطبية .. أحد الأطباء تحدث عن الوضع في قسم التوليد بالمستشفى الجامعي "فطومة بورقيبة" بالمنستير حيث ترقد أمهات فوق الأرض مباشرة، لمراقبة أو إرضاع صغارهن، حتى لا يتركنهم في تلك الحال.
حادثة أخرى مماثلة رواها طبيب بمستشفى الأطفال بتونس تقول تفاصيلها إنه تم قبول مريضة (طفلة عمرها 9 سنوات) في حدود الساعة الخامسة صباحا .. لم يكن هناك مكان لها إلى جانب طفل آخر في الغرفة المخصصة للأطفال لأن كل صغير كانت أمه بجواره وجميعهن رفضن التخلي عن مكانهن للمريضة الجديدة (إيناس) مما أجبرها على البقاء مستلقية وممددة فوق الطاولة المخصصة للفحص في وضعية غير مريحة البتة .. يقول الطبيب الذي أدلى بهذه الشهادة إنه قرر بأن لا يتركها وحيدة وأمضى هو تلك الليلة بين كرسيين لمؤانستها.
في بعض الأقسام تنقطع الكهرباء لفترات قد تصل إلى 30 دقيقة، مما يضطر الأطباء إلى استعمال أضواء هواتفهم المحمولة لمواصلة بعض العمليات الجراحية .. في 2014 شهد قسم الإستعجالي فرحات حشاد انقطاعا للكهرباء شمل 5 قاعات للعمليات، حيث أُجبر الأطباء على إكمال عملية ولادة قيصرية تحت الأضواء الصادرة عن فلاشات هواتفهم المنقولة.
هذه الحكايات وغيرها كثير بصدد الإنتشار على شبكة الأنترنات مثل النار في الهشيم .. كلها شهادات مفزعة بعضها مجهول الهوية، خشية التعرض للمضايقات من رؤساء أقسامهم إلا أنهم يذكرون المستشفيات العمومية المعنية، على أمل أن يتحسن الوضع فيها يوما من الأيام .. لكن غيرهم كثير ممن نفد صبرهم وفضلوا مغادرة البلاد .. أما من خيّروا البقاء فهم مصرّون على الدفاع عن مهنتهم ورسالتهم.
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires