البرامج الإجتماعية وجحيم العنف المسلط على النساء !

"والدي متحرّش" هكذا عبرت الشابة العشرينية مقدمة للإعلامي عبد الرزاق الشابي تفاصيل حادثة مُرعبة تعرضت لها وهي نائمة حيث قدم والدها للغرفة وحاول لمسها. الاعلامي لم يصدقّها، ولم يبدي أي ردة فعل، وحاول طيلة 30 دقيقة الضغط عليها لتعود لمنزل والدها، وانتهت الحلقة بإنهيار الفتاة مع تصفيق الجمهور وإعلان مقدم البرنامج أنه أنقذ عائلة وقام الليلة بعمل بطوليّ. 

''أنا عندي مشكلة مع بابا وبابا اتحرش بيا'' أفادت الفتاة خلال استضافتها في برنامج ''عندي ما نقلك'' مع عبد الرزاق الشابي وأكّدت أنّ والدها دمّر حياتها الزوجية وحطّم نفسيتها أثناء محاولته لمس جسدها في العديد من المرات وعلى الرّغم من أنّها أفصحت عن ذلك لعائلتها إلاّ أنّه لا أحد صدّقها وطلبوا منها السكوت كما انّ والدها هدّدها مستعملا سكينا مرّتين، في حين أنّ مقدّم البرنامج أبدى عدم تصديقه لكلامها وشكّك في أقوالها. واستضاف عبد الرزاق والد الفتاة كي يُعيدها  وتغفر له وقام والدها بتكذيب كلّ أقوالها وحاول المنشط التأثير عليها تحت الضغط ببرّ الوالدين كي تفتح الستار وتعود لأحضان والدها الذي تحرّش بها ولم يُصدّقها أحد ودعاها إلى أن تغفر لوالديها تحت غطاء الدين بأنّ ما رضاء الله إلاّ برضاء الوالدين ولم يترك لها المجال لتتكلم وانتهت الحلقة بانهيار والدتها مغما عليها لتعود الفتاة منكسرة ورغما عنها لهما. 

تعدّدت البرامج الإجتماعية التي تُبرّر العنف ضدّ المرأة، ''مع علاء'' برنامج يُبث على قناة الحوار التونسي استضاف فتاة محجبة بلباس شرعي على امتداد الحلقة كانت تُبرّر العنف الذي يُمارسه عليها زوجها وجعلت من الرجل إلاها يجب أن تغفر له المرأة وهي تُحصي وتُعِد التضحيات التي قدّمتها له على حساب راحتها وللفت الإنتباه هذه الحلقة شاهدها أكثر من اثنين مليون تونسي وتونسية وأمام هذا الكم من المشاهدين  أفادت المرأة قائلة '' انحب ميساج انوصلو للنساء الكل إلي الراجل راجل والمرأة امرأة وأنا للاّتهم وعندي سيدهم..كان النساء باهية راو الرجال باهين'' ونزّهت الرجال عن الخطأ واعتبرت أنّ النساء اللاتي يتذمّرن من سوء تصرّف رجالهم معهن هم مخطأت. وأمام ذلك، عبّر علاء الشابي عن ترحابه بهذا النوع من العلاقات الزوجية واعتبر أنّ تلك المرأة استثنائية وكانت هي تُبرّر العنف الذي تعرّضت له من قبل والدها وزوجها.  

''أخذت صغاري وهربت من زوجي ومن ضربه والكثير من الأشياء الأخرى..يضرب برشا ويشرب'' بهذه العبارات عبّرت إمرأة تونسية في مقتبل العمر في برنامج ''صفي قلبك'' مع المنشط جعفر القاسمي على استحالة مواصلة حياتها الزوجية مع رجل يُهينها ويُعنّفها. وأكّدت أنّ زوجها قام بخيانتها وممارسة الزنا في منزلهما وبحضور أبنائهم ويهدّدها بتعنيفها إذا تكلّمت، وشدّدت على انّها تعرّضت لكلّ أبشع أنواع العنف مع زوجها الذي أفقدها الوعي أثناء الحمل، كما أنّ والد زوجها تعرّض للعنف أيضا. وفتح المنشط المجال لزوجها الذي قام باستدعائها لمصالحتها كي يُبرّر العنف الذي مارسه عليها وبمجرّد أن تأثر وانهمرت دموعه تدخّل جعفر القاسمي قائلا ''دموع الرجال صعيبة'' وطلب منها العودة لزوجها ولكنّها رفضت ذلك باكية والخوف يتملّكها من العنف الذي مارسه عليها وكلّ الإهانات التي تلقّتها منه وعلى الرغم من رفضها و خروجها من البرنامج التحق بها جعفر القاسمي وأصرّ على أن يقنعها بأن تقدّم فرصة لزوجها كي يُصلح ما قام به. 

على إثر هذه الحلقة التي تعمّد فيها المنشط الضغط على الفتاة للعودة إلى زوجها ندّدت مجموعة ''أنا زادة'' بذلك، واستنكرت عدم مناقشة جعفر القاسمي أطروحة "الاغتصاب" وتعمّدهالضغط على المرأة  ومحاولة إقناعها  كي تتنازل وتُسامح زوجها وقام بتميّيع المشاكل والعنف بأسلوب رديء في تقديم الحلقة. وأشارت ''أنا زادة'' إلى أنّ مثل هذه البرامج تشجّع وتُكرّس ثقافة الاغتصاب وذلك بنشر كلّ أنواع العنف الجنسي المسلط على النساء واعتبرت انّ الإعلام يجب أن يقوم بتوعية الشعب والشباب وليس هدم المجتمع ودعم الذكورية والعنف. ودعت "أنا زادة" الهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السّمعي البصري كي تتحمل مسؤوليتها وتستعمل كافة صلاحياتها الدستورية وكل الوسائل القانونية المتوفرة لها للحد من هذه الظواهر الإعلامية التي تشجع على العنف ضد النساء.

 وكان مجلس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري قد لفت النظر لهذه البرامج في العديد من المناسبات على غرار قناة التاسعة التي وجّهت له تنبيه بخصوص الخرق المسجل في حلقة برنامج "عندي مانقلك" ليوم 1 مارس 2019، حيث  تمت استضافة أمّ عزباء ذكرت أنّها تعرّضت لاعتداء جنسي من قبل والدها، انتقاما من أمّها بعد طلاقه منها، وهو ما أدّى إلى تدمير حياتها وخلّف لديها أزمة نفسية حادّة. وكانت الهايكا قد أشارت إلى أنّ ما تضمنه البرنامج من وصف دقيق لوقائع الاعتداءات الجنسية يعتبر من قبيل الصور الصادمة التي من  شأنها التأثير على الفئات الحساسة من المشاهدين وخاصة منهم الأطفال بالنظر لما يلحقه بهم مثل هذا النوع من البرامج من أذى نفسي بما يمس من مصلحتهم الفضلى وكان يفترض أن يتم التنبيه لذلك من خلال وضع العلامة التي تفيد بأن البرنامج ممنوع على الأطفال دون سن 12 سنة (-12) وتأخير البثّ إلى ما بعد الساعة العاشرة مساء. ودعا أنذاك مجلس الهيئة، القناة إلى ضرورة الالتزام بالقوانين والتراتيب الجاري بها العمل مراعاة لمصلحة الطفل الفضلى كما دعا إلى سحب الجزء من الحلقة موضوع لفت النظر من الموقع الإلكتروني الرسمي للقناة ومن صفحات التواصل الاجتماعي التابعة لها وعدم إعادة بثه نظرا لما يحتويه من مضامين صادمة تمس من المصلحة الفضلى للأطفال وتهدد سلامتهم النفسية.

هذه بعض الحالات  من الكم الهائل من الحالات الأخرى التي يتمّ تمريرها في  آلاف الحلقات من البرامج الاجتماعية التي تعمل على تطبيع العنف ضد المرأة وتتفيه الاعتداءات، على غرار برنامج ''عندي ما نقلك''، وبرنامج ''صفي قلبك'' وبرنامج ''مع علاء''. هاته البرامج تُتابعها الملايين من العائلات التونسية وتحصل على نسب مشاهدة عالية وذلك من خلال الإستهزاء بآلام المرأة التونسية التي تتعرَّ لكلّ أنواع العنف الشديد من قبل زوجها في حين يُصرّ  دائما مقدّم هذه البرامج على تبسيط مشاكلها ويجعل من الضحية تتراجع عن موقفها وتغفر لزوجها الذي عنّفها أو والدها وتعود منكسرة.