حمادي الجبالي.. إبنُ النهضة الــعاق!
حمادي الجبالي: سأقترح على المواطنين دعمي بـ 10 أو 20 دينار في حملتي الانتخابية
حمادي الجبالي: بن علي صغير في مهمّة قاطع طريق
عشر سنواتٍ في السّجن الإنفرادي لمْ ير خلالها الشّمس، انقطع فيها عن العالم، وعن عائلته، قضاها حمادي الجبالِي عِقابا بتهمة محاولة قلب نظام الحكم وانتماءه لحركة النهضة ( حركة الاتجاه الاسلامي) في 1990 بعد محاكمة عسكرية أدانته بالعصيان. 40 سنة جمعته بإخوتهِ في الحركة الإسلامية، يخططون للدولةِ الشرعيّة التي كانوا مستعدين للشهادة- في سبيلها وتفجيرِ الكفارِ والطغاة -كتفجيرات سوسة 1987. فلمَ قد يتخلّى الجبالي عن بني جلدته، حركتهِ الأم، ويحيد عن طريقها الذي سار فيه أكثر من نصف عمره، وخسر جراءه الكثير؟ ولم قد يتحول التزامه بمشروع أسلمة المجتمع والإقتصاد الى ماضٍ يتجنب الحديث عنه؟
"كل الأحزاب تتلقى أموال خارجية ومشبوهة بما فيها حركة النهــضة". كان الرأي العام يتوقع أن تصدر هذه الجملة من أحد اليساريين، او نشطاء المجتمع المدني او في اقصى الحالات من شخصية من خارج دائرة السياسة. لكنها، في غفلة من الاسلاميين- انطلقت من احد الخناجر التي هتفت لسنوات بنظافة يد النهضة، تصريح أدلى به حمادي الجبالي رئيس الحكومة الأسبق، والرئيس السابق للحركة الاسلامية، وأحد المرشحين لرئاسية 2019. الرجل الذي يقبع في قلب الدائرة السياسية التي يلقي صوبها التهم.
أطروحة الجبالي، الجميع فاسدون
لسان حاله، كان يقول بثقة غريبة "الجميع فاسدون، ولا أستثني أحدا". يبدو أن تراكمات 40 سنة من السياسة جنبت الرجل التلعثم عند هذا الادلاء المصيري، مع أنه تلعثم كثيرا حين كان رئيس حكومتنا، في أشد فترات الانفتاح على العالم، ولما كانت الصحافة الدولية تراقب التجربة التونسية بتلهف لخطأ ما، زلة ما تثبت أننا- مثل جيراننا سنفشل.
فماذا يعني أن يكون الجميع فاسدين؟
أولا، يعني هذا التصريح الخطير، في مستوى بدائي لا يتطلب تحليل خطاب، أن السلطة التشريعية والتنفيذية والحكومة ثلاث سلطات فاسدة، تلقت- تتلقى وسوف تتلقى تمويلات خارجية مشبوهة. ذلك أن السلطات السالف ذكرها متكونة أساسا من أحزاب أنتجتها الانتخابات الفارطة بأغلبية نهضاوية، أما الشخصيات المستقلة فان تعيينها هو وليد تحالفات ونقاشات الأحزاب ذاتها، حسب أطروحة الجبالي فان المال الفاسد في هذه المرحلة قد طال الجميع ولوث أيديهم، ولا يمكن لأحد انكار ذلك. تبعا لذلك، فان 217 نائبا ونائبة يمثلون الشعب ويقررون الأطر التشريعية والقانونية هم نتاج فساد سياسي واستقواء بالخارج وتمويلات أجنبية مجهولة المصدر، اذن لا شرعية سياسية لهم لأن مسار توليهم مناصبهم هو مسار مستراب ومشبوه. أطروحة الجبالي تعني في جزء كبير منها أن نوابنا صامتون منذ 5 سنوات عن أكبر عملية تحيل معاصرة، هم جزء منها متواطئون فيها ولو عبر- صمتهم. توقيت التصريح كذلك له رمزية، اذ أن التمويلات تكون عموما للحملات الانتخابية من قبل أطراف خارجية لها مصالح في تونس. قد تكون تلك المصالح اقتصادية بالأساس، ولذلك فان السيطرة على مفاصل الدولة ومجلس النواب عبر احزاب المزاد العلني، سيمكن الجهات الخارجية من السيطرة من الداخل دون عناء أو مشقة، ويمكن لمجلس النواب أن يتحول لغطاء سياسي لتمرير أجندات خارجية، العملية شبيهة بتمويلات المجتمع المدني من قبل منظمات عالمية او شخصيات دولية بتعلة خدمة المجتمع والثقافة. الجميع للبيع ولكل ثمنه حسب الجبالي. ومن قد يمول النهضة في هذه الحالة؟ لاشك أنه سيكون طرفا يمينيا اسلاميا، وربما حاملا لنوايا ارهابية او مشروع مجتمعي أفغاني، فحركة النهضة تتبنى هذه المعايير وان كانت علنا تنكر ذلك وتتدعي الفصل بين السياسي والدعوي. ويمكن –حسب الجبالي- لجهة واحدة أن تمول أكثر من طرف لتضمن هيمنتها في حالة خسارة رهانها على حزب ما، ومن أجل تشكيل ملامح الساحة السياسية القادمة بأريحية تامة. أكد الجبالي مواصلة لاتهاماته أن" نفس الممول عادة مايراهن على أربعة جهات سياسية او ثلاث مثلما هو معمول به في التجربة الأمريكية". ولم يتوقف رئيس الحكومة الأسبق عند هذا الحد بل تابع مفسرا أن الحصول على التمويل يستلزم مساومات، وقد تكون من اطراف داخلية او خارجية، وقد ينسى التونسيون أن الجبالي سيق وأعلن صراحة أن الامارات تعتبر من أكبر الممولين للاحزاب التونسية، مشددا في أكثر من فرصة أن دولة الامارات ترصد أموالا مهولة لتخريب الديمقراطية التونسية. " الامارات تستهدف تونس لأن تونس وحدها بقت صامدة وانتصرت للحرية والديمقراطية" هكذا، يشخص الجبالي مرد التمويلات الخليجية التي لا تسعى لتمرير أجنداتها بل تسعى لتدمير كل ديمقراطية في المنطقة.
حمادي الجبالي ختم تصريحه المثير للجدل بقوله انه يعيش ازمة تمويل لحملته الانتخابية. أي أن الرجل بريئ من المال الفاسد الذي كان يحدثكم عنه بلسان الخبير، ويعتزم الدخول الى "لعبة الفاسدين" التي تتضمن اخوانه القدامى، بأيد نظيفة. وأضاف رئيس النهضة السابق :"لو أن الاحزاب تقول لا للمال الفاسد، ولا للمال المهين، ولا للمال الأجنبي.. سوف تعيش أزمة، بما في ذلك حركة النهضة".
تقرير لدائرة المحاسبات المالية من جهته لم يدل على وجود تمويلات اجنبية لكنه حصر التمويلات في تمويلات الموتى للحركة الاسلامية، التي عللت الأمر بكون الحركة لها داعمون عدة مؤمنون بها. المخاوف من تمويلات اجنبية في انتخابات 2019 تعود الى حادثة تقرير اللجنة عقب انتخابات 2014 عن تمويل مقنع عبر الجمعيات للحملات الانتخابية حيث ان إحدى الجمعيات التي يترأسها أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية تلقت تمويلا أجنبيا عبر سفارة بلد أجنبي بتونس ووكالة تعاون دولي لبلد ثان.
بين التقرير أن عمليات الاستقصاء كشفت عن عمليات مالية غير اعتيادية للجمعية ولا تتناسب مع طبيعة نشاطها من بينها تسديد نفقات لمؤسسات إنتاج إعلامي ونفقات ترويج واتصال وتنظيم تظاهرات وكراء سيارات. وأشار التقرير أيضا إلى أن الحساب الشخصي لأحد المترشحين للانتخابات الرئاسية تضمن تحويلات أجنبية هامة بلغت 4.6 مليون دينار. قانون تنظيم ومراقبة التمويلات يجمع بين هيئة الانتخابات والبنك المركزي ووزارة المالية، ودائرة المحاسبات. تجهيزا للاستحقاق القادم، اجتمعت هذه الاطراف من أجل حصر طرق تمويل الحملات الانتخابية والالتزامات المالية للقائمات والمترشحين والأحزاب السياسية ووسائل الرقابة على تمويل تلك الحملات والمخالفات المالية والانتخابية. وكذلك موضوع إرجاع قيمة التمويل العمومي وخلاص الخطايا المسلطة بموجب أحكام قضائية باتة بالنسبة لمن سبق له الترشح للانتخابات في سنة 2011 أو 2014 والذين تخلدت بذمتهم إلى الآن مستحقات بعنوان أحكام التمويل العمومي.
أجمعت الاطراف على وجود صعوبات في فتح الحساب البنكي الوحيد المخصص للحملة الانتخابية وخصوصية فتح ذلك الحساب بالنسبة للمترشحين والقائمات المترشحة بالخارج. وضرورة التنسيق بين مختلف الهياكل العمومية وخاصة البنك المركزي ووزارة المالية والديوانة التونسية والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد للحيلولة دون التمويل الأجنبي للحملات الانتخابية أو التمويل بواسطة مصادر مجهولة المصدر أو غير مشروعة بما في ذلك إمكانية الرقابة على الحسابات البنكية للأحزاب السياسية والجمعيات وبعض الشخصيات المعرضة لمخاطر سياسية. في الاستحقاق القادم، سيتم الحرص على مشاركة الجهات المعنية برقابة تمويل الحملات الانتخابية و تكوين أعوان رقابة الحملة الذين سوف تنتدبهم الهيئة. وتشريك القضاء العدلي ممثلا في جهاز النيابة العمومية والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري والجمعية المهنية للبنوك والإدارة العامة لشؤون الأحزاب والجمعيات برئاسة الحكومة في الاجتماعات القادمة لمزيد التنسيق بين مختلف الجهات المتداخلة.
حمادي الجبالي.. الابن الضال
هو ابنهم، ابن الاسلاميين ولايزال منهم وعلى سنتهم في فكره وحديثه، وحتى في طريقة اتهامه جزافا للخصوم وادعاء الفضيلة.. هو اسلامي دون شك. لكنه ينكر ذلك، فقد اختار الجبالي قطع علاقته بالنهضة والاستقالة من مهامه في 2014 بعد أن كان انضم لحركة الاتجاه الاسلامي سابق في مطلع السبعينات.
بعد موجة الاغتيالات والهجمات الارهابية، وفي الذكرى 33 لتأسيس النهضة، نشر حمادي الجبالي بيان استقالته على صفحته الرسمية، مبررا الاستقالة المفاجئة بقوله "قد آليت على نفسي أن أكون ضمن المناضلين المنتصرين لمنهج الثورة السلمي المتدرج.. وهذا الموقف والموقع.. أجد صعوبة بالغة في الوفاء به ضمن إطار تنظيم حركة النهضة ولم اعد اجد نفسي في الخيارات التنظيمية والسياسية والاستراتيجية." يبدو أن الوضع العام المتوتر للبلاد انذاك والتوافق مع الدساترة وبعض الخلافات السياسية قد سبب استقالة أحد زعماء النهضة الذي سيصبح لاحقا ذئبا منفردا ينافسها بصفة مستقلة في الانتخابات الرئاسية. النهضة اليوم، أضحت غريبة عن الجبالي، لا يألفها، ولا يجد فيها ملامح الحركة الاسلامية الثورية التي ساهم في تكوينها بحماس شبابي ثم رصانة الكهول، وحين صار شيخا، خرج منها لأنها لم تعد تسع اصحاب المقارابات الكلاسكية مثله، الذين يريدون للنهضة ان تجعل من مرجعها الاسلامي أنموذج حكم، بيد أنها تخلت عن منهجها واختارت التطور والاندماج في المشهد المدني الديمقراطي عبر التخلي عن الجانب الدعوي في مؤتمرها الأخير. النهضة كما عرفها الجبالي شابا كانت اتجاها اسلاميا، ثوريا، منشرا في الجامعة وبعض مساجد العاصمة ينشط في السرية وكان راديكاليا في مواقفهه. ثم تحولت الحركة الى حزب سياسي، تأقلم معها الجبالي، ووضع أسسها مع رفقاءه ونال منها منصب رئيس حكومة، وما ان بدأت ملامح الطور الثالث الما-بعد اسلاموي تتشكل حتى غادر الجبالي الحركة التي لم يعد يعرفها حيث أعلنت حركة النهضة في 2016 التخصص في العمل السياسي وترك النشاط الدعوي للمنظمات المدنية، والفصل التام بين جهازها السياسي وأذرعها الدعوية. وحينذاك قال رئيسها، راشد الغنوشي: “نريد أن يكون النشاط الديني مستقلاً تماما ًعن النشاط السياسي. هذا أمر جيد للسياسيين لأنهم لن يكونوا مستقبلاً متهمين بتوظيف الدين لغايات سياسية. وهو جيد أيضاً للدين حتى لا يكون رهين السياسة وموظفاً من السياسيين". من جهة أخرى، لا يمكن انكار السياق السياسي الذي أثبت أن الجبالي فشل في مهمة رئاسة الحكومة وهو الامر الذي قد يبرر المغادرة على مستوى سياسي.
الجبالي كان في قلب الذراع التنظيمي للنهضة، التصريحات المفاجئة بوجود تمويلات خارجية لايمكن ان يكون مردها الفراغ ولايمكن أن ان تكون تصريحات عفوية غير مدروسة، انه يعي ان خروج احد ابناء الحركة الاسلامية عن السكة سيجعله عدوا غير معلنا "يفسد لعبتهم" على حد تعليقه. فاما ان الجبالي يعرف أن النهضة تتلقى تمويلات مشبوهة ويريد فضحها قبيل الانتخابات، واما أنه يخوض مناورة سياسية ربما يستعمل فيها الهجوم من أجل جذب الانتباه واثارة الجدل حوله للعودة الى المنابر الاعلامية، التي تعرفه –من جديد- للناخب المحتمل وربما .. للممول المحتمل..
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires