عواطف الدالي تحوّل التلفزة التونسية إلى بوق دعاية للرئيس سعيد
''قناة سبعة''، '' بوق الإستشارة'' ، هكذا باتت تُلقب التلفزة التونسية في الآونة الأخيرة وتحديدا بعد أن قرّر رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 28 جويلية 2021، إعفاء محمّد لسعد الداهش، من مهامه رئيسا مديرا عاما للتلفزة الوطنية وتكليف عواطف الدالي بتسيير مؤسسة التلفزة الوطنية مؤقتا.
منذ ذلك التاريخ، دخلت مؤسسة التلفزة التونسية في سياسة الإنبطاح والإنصياع للسلطة وأصبحت كلمة رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال مجالسه الوزارية مبجّلة وتمرّ قبل نشرة الثامنة للأنباء، حتى يُصبح تقرير الصحفي حول المجلس الوزاري عديم الفائدة خلال نشرة الأخبار. وبهذا، عادت سياسة تسيّير هذه المؤسسة من قبل عواطف الدالي بالإعلام العمومي إلى العهد النوفمبري والإعلام البنفسجي.
ليس هذا فقط، المكلفة بتسيّير التلفزة التونسية التي تمثّل الإعلام العمومي، جعلت من البرامج التلفزية في المؤسسة فاقدة لآلية الرأي المخالف وذلك من خلال وضعها لبرمجة تخلو من كلّ البرامج السياسية واقتصرت على البرامج الإجتماعية التي لا تعكس حقيقة الواقع المعيشي التونسي.
وهذا ما استنكرته العديد من الأحزاب على غرار حركة الشعب والأحزاب الديمقراطية الذين نددوا بتغييب ممثلي الاحزاب السياسية في مجمل البرامج التلفزية الحوارية التي تقدمها التلفزة الوطنية ، منذ يوم 25 جويلية 2021. كما حذّروا من تدخل رئيس الجمهورية في تسيير المؤسسة.
كما أصبحت التلفزة التونسية بوق دعاية ومنبر إشهار مجاني لللإستشارة الإلكترونية التي أطلقها قيس سعيد وباتت كلّ البرامج التي تبثّها الوطنية الأولى لا تخلو من الحديث عن هذه الإستشارة حتى في البرامج الدينية.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر، خصّصت القناة الوطنية الأولى يوم الجمعة 3 مارس 2022 في برنامج ديني بعنوان "الدين القيم"، فقرة بعنوان "مشاركة الشباب في الحياة العامة"، تواصلت على مدى نصف ساعة، وتمحورت على الترويج لـ"الاستشارة الإلكترونية".
ولم تنتهي مهازل التلفزة التونسية، حيث كانت آخر الفضائح كما وصفها رواد الفيسبوك، إقدام القناة الوطنية الأولى على تمرير آذان المغرب يوم الأحد 6 مارس 2022، قبل موعده بساعة وفور التفطن للخطأ تمّ قطع الآذان والمرور إلى برنامج يُعنى بالحديث عن الإستشارة الإلكترونية.
لم تقدّم مؤسسة التلفزة التونسية أيّ اعتذار عن هذا الخطأ الفادح الذي انتقده الكثيرون وزاد من ضرب ثقة المواطنين في هذا المرفق العمومي. كثيرون اعتبروا أنّ ذلك الخطأ كان من الممكن أن يُسبب كارثة لو كنا في شهر رمضان، وبطبيعة الحال، التلفزة التونسية تتحمل مسؤولية إفطار الكثيرين قبل موعد الإفطار بسبب هذه المهازل.
أبناء مؤسسة التلفزة التونسية وأهل القطاع ، استنكروا تركيع هذا المرفق العمومي وإخضاعه للسلطة الحاكمة والدعاية لمشروع سياسي باعتماد خلط برنامج ديني بمشروع سياسي.
أبناء المؤسسة في حديثهم لـ بيزنس نيوز، عبّروا عن مخاوفهم من مآل هذا المرفق العمومي الذي من المفترض كان يجب أن يكون مرآة تعكس حقيقة الواقع التونسي وأن تكون رائدة في المشهد المرئي.
كما علمنا من بعض الزملاء الصحفيين داخل التلفزة التونسية أنّ المكلفة بتسيّير المؤسسة باتت تُمارس في سياسة الضغط وإثارة البلبلة بين الصحفيين وخاصّة في قسم الأخبار وهو القسم الوحيد الذي لم تتمكّن من وضع يدها عليه ولم تستطع التحكم في خطّه التحريري كما تسعى لذلك.
هدى ورد رئيسة فرع النقابة بالتلفزة التونسية، في تصريحها لـ بيزنس نيوز اليوم الإثنين 7 مارس 2022، أكّدت أنّ صحفيي قسم الأخبار نفذوا تحرك احتجاجي للمطالبة بهيكلة قسم الأخبار بعد أن أصبح القسم يكاد يخلو من أصحاب الخطط الوظيفية ، وأوضحت أنّ التلفزة التونسية لها رئيسي تحرير مساعدين فقط في قسم الأخبار. بالإضافة إلى مطالبتهم بتوضيح ما يتعلق بالأعمال الإضافية.
وأكّدت أنّ الدالي باتت تمارس في سياسة الهرسلة على صحفيي قسم الأخبار وتعدّت ذلك إلى ضرب الحقّ النقابي وذلك من خلال قرار إحالة إحدى الصُحفيات على مجلس التأديب على خلفية التحرّك الاحتجاجي المذكور والذي كان تحت مظلة نقابية ومحلّ تفاوض، على خلفية عدم بثّ إحدى نشرات الواحدة ظهرا للأنباء. واعتبرت رئيسة الفرع أنّ عواطف الدالي كان بإمكانها تلافي ذلك عبر تعيّين رئيس نشرة يتمتّع بالخطة الوظيفية لتأمين تلك النشرة.
وأضافت هدى ورد أنّ عواطف الدالي منذ توليها منصبها كمكلفة بتسيّير التلفزة التونسية لم تقم بواجبها لإصلاح هذه المرفق العمومي ولم تسعى لتأمين برمجة متنوّعة تحترم تطلّعات المشاهد واقتصرت فقط على تقديم بعض البرامج التي تخلو من الطابع السياسي، مما أحال العديد من الزملاء على البطالة الوجوبية.
''المادة الإعلامية والإخبارية التي تقدّمها التلفزة التونسية لا ترتقي لمادّة يقدّمها مرفق عمومي، لم يعُد هناك برامج سياسية بتعلة أنّه لم يعُد هناك إمكانيات ، أصبحنا نواجه في الميدان مشاكل صعبة في الحصول على التصاريح الإعلامية وإن تحصّلنا عليها فهذا إحتراما لشخصنا وليس للمؤسسة''.
هكذا حدّثتنا إحدى بنات مؤسسة التلفزة التونسية التي عبّرت عن استيائها من الحالة الكارثية التي وصلت لها التلفزة والتي باتت تقدّم في مغالطات للرأي العام وهذا لم يحدث حتى في عهد بن علي.
أميرة محمد ، نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، حذّرت مما يقع داخل التلفزة التونسية واعتبرته '' خطير جدا''. وبصريح العبارة ، اعتبرت أنّ المكلفة بتسيير التلفزة ، عواطف الدالي ، تحاول القيام بأيّ شيء في سبيل تدجين القناة الوطنية وجعلها '' ناطقة رسمية باسم السلطة ''.
وأفادت في تصريحها لـ بيزنس نيوز اليوم الإثنين 7 مارس 2022، قائلة ''في وضع سياسي حرج تمرّ به تونس، نجد التلفزة التونسية غائبة عن النقاش العام وتحرم مشاهديها من الإستماع لكلّ الآراء المخالفة ، أصبح للتلفزة التونسية توجّه واحد يتماهى مع توجه قيس سعيد، عدنا إلى ما قبل 14 جانفي، إنجازات سيادته يجب أن تُفتح بها نشرات الأنباء ويجب أن يكون كلّ من في البرامج تابعين لسياسته''.
وكشفت أميرة محمد، أنّ نقابة الصحفيين قد بلغها أنّ عواطف الدالي في نقاشها مع عدد من الزملاء داخل التلفزة التونسية، طالبت منهم إعداد برامج اجتماعية لا تعكس حقيقة الواقع التونسي أو أي برامج أخرى لا تُعنى بالشأن السياسي. وأضافت أنّ عدّة زملاء من التلفزة التونسية قد أكدوا أنّ الدالي هي من تتحكم في دليل الحصة وهي من توافق على الضيوف بالإضافة إلى إشرافها على اختيار من يقدّم البرامج.
''لم يدخل ممثل أي حزب أو محلل سياسي لمؤسسة التلفزة التونسية له رؤية مخالفة لرؤية الرئيس قيس سعيد وهذا ضرب للتعددية وحتى على مستوى المجتمع المدني كانت الدالي تعتمد سياسة انتقائية ، من هم مع خيارات الرئيس يتم استضافتهم ومن هم ضده، هم من المغضوب عليهم''.
واعتبرت أميرة محمد أنّ عواطف الدالي تعمّدت ضرب السلم الإجتماعي داخل المؤسسة ''وعملت على توتير الأجواء داخل كل الأقسام، وهي مورّطة في شبهة إهدار المال العام وذلك من خلال منح رواتب وامتيازات لعدد من العاملين في المؤسسة سواء من مقدمي البرامج أو الصحفيين الذين تمّ استبعادهم من تقديم البرامج دون أيّ عمل منجز''.
كما أكّدت نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، أنّ وفدا من النقابة في نقاشه مع المكلفّة بتسيّير مؤسسة التلفزة التونسية عواطف الدالي حول التوجّه الذي تسلُكه التلفزة، قالت لهم بصريح العبارة ''هذي مصلحة الوطن ، تريدون أن نُشعل النيران '' . وفي حديثهم لها عن ضرورة بلورة رؤية إصلاحية أجابت الدالي قائلة '' أنا دوري يقتصر على التسيّير فقط لا الإصلاح''.
وكشفت أميرة محمد، أنّ عواطف الدالي رفضت الإستجابة لطلب الهايكا لعقد اجتماع ثنائي بتعلّة أنّه لم يتمّ تعيّينها على رأس مؤسسة التلفزة التونسية من قبل الهيئة وإنّما من قبل مؤسسة رئاسة الجمهورية.
ورجّحت أميرة محمد أنّ السياسة التي تعتمدها عواطف الدالي في تسيّير مؤسسة التلفزة التونسية من الممكن أن تكون خيار فردي للحفاظ على مكانتها وديمومتها في ترأسها للتلفزة التونسية، ''يبدو أنّ عواطف الدالي ليست مكلفة بتسيّير التلفزة التونسية وإنّما هي مكلفة بتوظيف المرفق العمومي لخدمة السلطة وأجندة معينة''.
التلفزة التونسية هي مرآة الإعلام العمومي في تونس، كذلك نفس الأمر بالنسبة لللإذاعة التونسية، و تعمّد رئيس الدولة التحكم في هذا المرفق العمومي بتعيّينه لمكلّفين بالتسيّير للمؤسّستين جعل من هذا المرفق الإعلامي العمومي بوق دعاية للسلطة. المكلفة بتسيّير التلفزة التونسية حاولنا الإتصال بها لمعرفة موقفها مما يحصل داخل التلفزة لكنها لم تُجب. وتبقى التلفزة التونسية منبر إعلامي يعكس تحركات وخطابات الرئيس قيس سعيد منذ 25 جويلية 2021، ويطمس الآراء المخالفة له.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires