alexametrics
الأولى

رمضان والتونسي: الابتسامة والانتاجية...

مدّة القراءة : 4 دقيقة
رمضان والتونسي: الابتسامة والانتاجية...

 

من عادات التونسي أنه لا يفرغ من دوائر الانتظار، الموعد القادم دائما هو هاجسه ومركز اهتمامه لفترة، حتى يأتي الحدث الكبير الموالي. ينتظر الغد، ينتظر عطلة نهاية الاسبوع منذ يوم الاثنين، ينتظر عطلة الأول من ماي منذ عطلة عيد الاستقلال وهكذا السنة- والحياة عند التونسي دورة من الانتظارات المتواصلة.

منذ شهر والتونسي -بقدرته الكبيرة على السكن في كل التناقضات-  ينتظر رمضان، ويعد لذلك العتاد، ويؤجل مواعيده، ويبدأ في الاستغفار، وينقطع (نوعا ما)  مع دخول "العواشر" عن مفسدات العقل ومذهباته استعدادا لمناسك روحية وموعد ديني. تبدأ اذن الأغلبية المسلمة بضبط نفسها عن الشرور اليومية، لتؤدي شعائر قوامها الخير. تنتظر رمضان كل سنة، كي تلتزم (وتلزم غيرها أيضا) بفضائل الأخلاق- وبقواعد عيش مشتركة عمادها الاحترام المتبادل (جدا).

 

الاعتدال والتوازن

72 مليون بيضة هي الكمية التي تعدها وزارة التجارة لشهر رمضان سنويا، اذ يزيد استهلاك التونسي للبيض بنسبة 58 بالمائة. أما  استهلاك الخبز فيرتفع بنسبة 58 بالمائة- وترمى لاحقا نصف هذه الكمية لتتلف. مصبرات التن تشهد زيادة في الاستهلاك بنسبة 111بالمائة والمشروبات الغازية بنسبة 115 بالمائة والجبن المبشور 100 بالمائة واللبن 680 بالمائة، حسب أرقام رسمية أعدها المعهد الوطني للاستهلاك. ثلث ما يتم اعداده من اكلات مطبوخة يتم القائه في القمامة، قد يلجأ المواطن إلى الاقتراض من البنوك أو من أصدقائه، المهم أن يمر الشهر في أحسن الظروف، بميزانية يذهب 100 بالمائة منها حصرا للاستهلاك الغذائي. إقبال التونسي المبالغ فيه على الاستهلاك خلال رمضان يكشف عن تناقضات جوهرية، حيث  يتذمر المواطن من ارتفاع الأسعار طيلة السنة وينتظر شهرا واحدا لينفق خلاله ثلاثة أضعاف ماينفقه في شهر عادي. سلوك عكسي يمكن تفسيره بميل التونسي الى مقاربة الاحتفال "بالوليمة"، انها طريقته الوحيدة للتعبير عن فرحه بقدوم مناسبة- شخص ما، خاصة مع غياب ثقافة استهلاكية معتدلة، ومع انتشار عدوى ''اللهفة" التي تترجم من خلال التسابق الى المحلات التجارية الكبرى واكتظاظ الأسواق والصف الطويل أمام المخابز.. في انتظار العيد، وتلك قصة-ميزانية أخرى.

 

الابتسامة والانتاجية

"مرمضن" .. "مش في صحنو" .. "حشيشه رمضان" هذه العبارات هي الشماعة التي يلقي عليها الصائم-الغاضب أخطائه ويبرر بها  كل خرق لأسس العيش المشترك والمواطنة. رغم أن فترة المساء بعد الافطار تكون فترة هدوء وتفاهم، الا ان العاصفة تبدأ مع فجر كل يوم، لتقذف "اللهم اني صائم" في جو عام نهاري مشحون بحدة الطباع، يهدد بمناوشات تصل الى حد تبادل العنف بين مواطنين صائمين. سلوك اجتماعي عكسي له أساس بسيط من الشرعية العلمية، التي تؤكد أن مرد هذه السلوكيات نقص النيكوتين أو الكافيين أو انخفاض مستوى السكر في الدم والجوع وعدم القدرة على التركيز لكن الأصل في الأمر أنه عرف اجتماعي لاغير. وينضاف لذلك تراجع مستوى الانتاجية مع دخول "الزمن" الديني الذي تصبح خلاله البلاد خلال ساعات الصبح صحراء قاحلة، وتغلق أبوب المحلات وحتى الادارات باكرا، ويتم الاقتطاع من ساعات الدراسة والعمل لملانمتها مع نمط عيش التونسي خلال هذا الشهر اذ تعود الحياة ليلا للشوارع والمحلات وتقل الحركية في الشوارع نهارا خاصة مع تزامن رمضان منذ سنوات مع الفترة الصيفية. الإنتاجية في الإدارات والوظيفة العمومية تنزل إلى أدنى مستوياتها، إذ  تتراجع الخدمات الإدارية  كل سنة مسببة تشنج المواطنين بسبب الغياب المتكرر للموظفين الذي اما يغادرون باكرا أو يعمدون لاخذ اجاواتهم السنوية خلال هذا الشهر مما  يعيق السير العادي للخدمات الإدارية ويعطل المصالح.

 

لكم دينكم .. ولي ديني

2014، اتجهت أعين العالم الى بلد صغير جنوب المتوسط شرع في ارساء جمهوريته الثانية عبر دستور جديد يضمن حرياته. الفصل 6 من الدستور نص على حرية الضمير اذ تعتبر الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية. ومع ذلك يعود جدل الافطار العلني للواجهة خلال هذه الفترة كل سنة لما تعتبره الأغلبية المسلمة مجاهرة بالفحش واستفزازا لمشاعر الصائمين، مطالبة باغلاق المقاهي والمطاعم. "فاطر" هو وصم اجتماعي يدعو لازدراء واحتقرا كل من يفطر خلال هذا الشهر لكنه تحول السنة الفارطة الى حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو لحرية الضمير، وتنشر قائمات المطاعم والمقاهي المفتوحة خلال النهار. "مش بالسيف" هي أيضا  حملة أطلقها ائتلاف جمعيات حقوقية، طالب بحرية الافطار العلني خلال هذا الشهر. أطل علينا هلال لطفي براهم  وزير الداخلية السابق كذلك، من جهة أخرى،  قائلا أن وزارته ستقوم بحماية شعائر الأغلبية المسلمة في تونس خلال شهر رمضان، وستُطبق القانون وتغلق المقاهي كافة في نهار رمضان. وتبع تصريحه هذا حملات أمنية لمحاسبة ضمائر المواطنين المجاهرين بفحشاء فظيعة كقارورة ماء أو قطعة "كرواسون". تبقى أحداث العام المنقضي في الذهن، فيما صرح روني الطرابلسي وزير السياحة أن المقاهي والمطاعم السياحية ستكون مفتوحة. النائبة بالمجلس بشرى بالحاج حميدة طالبت أيضا بالغاء منشور غلق المقاهي خلال رمضان الصادر في 1981.. أما نور الدين البحيري القيادي في حركة النهضة فقد صرح أنه ضد فتح المقاهي "احتراما للذوق والأمن العام و مشاعر الناس". طبعا البحيري وغيره من الاسلاميون ينتهجون الفصل الاول من الدستور كحجة على رفضهم حرية الضمير. الفصل الذي ينص أن تونس دولة دينها الاسلام. في انتظار أن نفهم ماذا يعني أن يكون للدولة (كيان سياسي ومؤسسات).. دين.

 

الاعتكاف.. أمام التلفاز

عقود من سيطرة الاعلام العمومي على التلفاز التونسي، جعلت الجلوس لساعات أمام الشاشة الصغيرة- البلازما ضمن عادات التونسي كل رمضان. لكن في السنوات الأخيرة اتجه اهتمام التونسيين الى القنوات الخاصة التي تعرض منتوجا دراميا "كوول" مختلفا عما عودتهم به التلفزة الوطنية. ولا يختلف اثنان أن شح الانتاج خلال بقية السنة جعل الفنانين والتقنيين والكتاب والمخرجين وغيرهم في انتظار هذا الشهر الذي ترتفع فيه وتيرة الانتاج التلفزي. لكن مواضيع الاعمال لسنوات لم تخرج من متلازمة "الحي الشعبي ضد قصور الأغنياء"  في الدراما وتقليد لهجات الشمال الغربي او مشاهد التعنيف والحوار المتدني  في الكوميديا، أزمة نص وضمور في الخيال جعلت المنتوج المقدم نمطيا ومكررا من سنة الى أخرى لتصبح المسألة مجرد حرب "اشهار" بين القنوات. الومضات الاشهارية لبعض الأعمال الدرامية هذه السنة تبشر بقفزة نوعية على مستوى الصورة والنص، لحضور مخرجين شبان  وحضور أهل السرد. في انتظار اكتشاف هذه الأعمال التي سترصدها بيزنس نيوز في الايام القادمة.

 

المفارقة أن في انتظار هذا الشهر ضرب من التوق والحنين الى السلام والمحبة والأمن.. فيصطدم هذا الانتظار من سنة الى اخرى  بسلوكيات سلبية  تتسرب الينا  وتزداد حدة دون سبب واضح غير، فيما من المفترض أن يخصص هذا الشهر لاتقان الأعمال ونشر قيم التسامح والتعاون والخير، سلوكيات تطغى على اليومي التونسي، فتكاد تجرده من روحانية رمضان، فيكاد انتظارنا للفضيلة والالتزام المنشودين يشبه انتظار غودو في مسرحية بيكيت، لولا فسحة الأمل التي يهبنا اياها الجو العائلي ومظاهر الفرح في الشارع التونسي الذي يستحق، فرحا ما.

 

 عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter