alexametrics
الأولى

الطبيب الشاب بدر الدين العلوي قتلته سياسة الإهمال واللاّمبالاة

مدّة القراءة : 5 دقيقة
الطبيب الشاب بدر الدين العلوي قتلته سياسة الإهمال واللاّمبالاة

هو طبيب شاب في مقتبل العُمر، 26 سنة، بدرالدين العلوي، فقيد الأب وابن لعائلة تضمّ أربعة أولاد وثلاثة فتيات، هذا الطبيب الذي كرّس أيام عُمره لدراسة مهنة نبيلة أحبّها وتكفّل بإعالة عائلته راح ضحيّة اللاّمسؤولية واستهتار الدولة بمنشآتها الصحية لتُزهق روحه في مصعد معطّل منذ أربعة سنوات بمستشفى جندوبة الجهوي ليلة البارحة.

 

الطبيب الجراح الشاب الذي يُشهد له بالكفاءة ودماثة الأخلاق والجدّ في العمل ''قُتل'' في تونس فداءا لأداء واجبه، أُزهقت روحه وهو متوجّها لعلاج أحد المرضى بقسم الإستعجالي بمستشفى جندوبة ونظرا لإستهتار  المسؤولين  بقطاع الصحة أوّلا والحكومة والبلاد ثانيا يسقط بدرالدين العلوي في مِصعد المستشفى من الطابق الخامس إلى الطابق الأرضي قتيلا، مِصعد معطّل منذ أربعة سنوات ولم تُكلّف إدارة المستشفى نفسها عناء إصلاحه لتخسر تونس كفاء طبيّة عالية وكان من الممكن أن تُزهق في ذلك المِصعد أرواح المرضى والإطارات الطبيّة وشبه الطبية أيضا. 

 

هذا المِصعد المُعطّل تمّت التنبيه إليه منذ سنة 2016، وكان اتّحاد أصحاب الشهادات المعطّلين قد نشر تدوينة أشار فيها أنّ المصعد مُعطّل منذ زمن طويل والمُتعهّد بصيانته رفض مواصلة عملية الصيانة لأنّ المستشفى أخلّ بتعهّداته ورفض تسديد الديون المُتخلّدة بذمّته نظرا للعجز في ميزانيته ليبقى فقط مصعديْن صالحيْن للإستعمال، كما نبّه الإتحاد للحالة الكارثية التي يُعاني منها مُستشفى جندوبة. كاتب عام نقابة الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة بجندوبة بشير السعيدي أكّد أنّ المستشفى الجهوي بجندوبة به ستة مصاعد وكلّها معطّبة وكشف أنّه في جلسة وزارية بتاريخ 3 أكتوبر الفارط مع وزير الصحة فوزي مهدي تمّ إعلام الوزير بحالة المصاعد الخمسة ووعدهم بإصلاحها في بداية شهر نوفمبر وحمّل المسؤولية لقسم الصيانة بالمستشفى ولسلطة الإشراف. كما أنّ وزير الصحة الحالي فوزي مهدي كان قد أدى زيارة لمستشفى جندوبة بتاريخ 3 أكتوبر الفارط وعاين أهم المشاكل والمسائل العالقة التي يُعاني منها المستشفى وكافة الإداريين والإطارات الطبية وشبه الطبيّة وتعهّد بإصلاح كلّ الإخلالات وتوفير ظروف عمل تليق بالإطارات الطبية، ولكن هذه الوعود ظلّت حبرا على ورق كالمُعتاد ليعُود اليوم بدر الدين العلوي في صندوق إلى عائلته بالقصرين.

 

وزارة الصحة بعد حصول الكارثة وخسارة كفاءة مهنية عالية بالبلاد وخسارة العائلة لإبنها الطبيب الشاب، تُصدر بكلّ بساطة بلاغ نعِي، تُشير فيه إلى وفاة بدر الدين العلوي في مِصعد معبّرة عن عميق ألمها بحدوث تلك الفاجعة وضمانا منها لأداء دورها أعلنت عن فتح تحقيق إداري فوري بالتوازي مع البحث الجنائي وذلك بهدف تحديد المسؤوليّات وكشف الاخلالات وتفادي تكرارها، وزارة الصحة تُريد تحديد المسؤوليات متناسية بذلك أنّها المسؤول الأوّل عن تلك الحادثة بعد أن تجاهل وزير الصحة كافّة الإخلالات بالمستشفى الجهوي بجندوبة والتي عاينها بنفسه. وزارة الصحة هي الجهة المسؤولة عن كلّ الخسائر البشرية في صفوف الإطارات الطبية وشبه الطبية والعملة والإداريين  والمواطنين بالمستشفيات العمومية والمنشآت الطبية عامة وذلك نظرا لعدم إيلاء إصلاح قطاع الصحة أولوية مُطلقة خاصّة في زمن أزمة كورونا. إضافة إلى وزارة الصحة، إنّ الحكومات المتتالية تتحمّل المسؤولية الكاملة في عدم الإشراف على إعطاء الأهمية المُطلقة لإصلاح المنظومة الصحية التي تلعب دورا بارزا في الحفاظ على حياة المواطنين وقد كشفت أزمة كوفيد-19 مدى فضاعة وبشاعة الحالة المترديّة التي تُعاني منها المستشفيات العمومية من نقص في المعدات اللازمة ومن النقص في الإطارات الطبية وشبه طبية مع عدم توفير الوسائل الوقائية لحمايتهم، بالإضافة إلى البنية التحتية المتردية للمنشآت الطبية وكلّ هذه المشاكل أدّت إلى فقدان الكثيرين من جنود الجيش الأبيض والمواطنين بسبب كورونا وبسبب تِعلاّت أخرى تُحصى ولا تُعدّ. 

انتفض اليوم جنود الجيش الأبيض واتّحد كلّ الأطباء بمختلف رُتبِهم وانضموا للوقفة الإحتجاجية بكلية الطب بتونس التي نظّمتها المنظمة التونسية للأطباء الشبان والتي أعلنت الدخول في حداد على روح زميلهم الطبيب الشاب بدر الدين العلوي مع تنفيذ إضراب وإيقاف كلّ الأنشطة الإستشفائية. في هذه الوقفة خرج الكلّ عن صمته وعبّر الأطباء عن عُمق سُخطهم وغضبهم من الحالة الكارثية التي يُعاني منها قطاع الصحة واعتبروا أنّ زميلهم الراحل لم يتوفى وفاة عادية وإنّما تمّ ''قتلهُ'' من قبل سلطة الإشراف، واعتبر الأطباء أنفسهم جميعهم ''مشروع وفاة مع تأجيل التنفيذ'' في ظلّ ظروف العمل المتردية التي يعانون منها  ''ظروف لا يمكن  أن تؤدي بنا إلاّ للموت'' بالإضافة إلى التهديدات والمضايقات والإعتداءات اليومية التي يتعرّضون لها من قبل المواطنين. منظمّة الأطباء الشبان أكّدت أنّه  ''لا يجب أن تضيع دماء بدر الدين الذي راح ضحية الإهمال والإستهتار، هدرا وكلّ المسؤولين يجب أن يحاسبوا''.

رئيس المنظمة التونسية للأطباء الشبان جاد الهنشيري، أكّد أنّ المنظمة لن تتراجع في خوض كلّ أشكال النضال من أجل استرجاع حقوق الأطباء الشبان وبقية كلّ الأطباء وشدّد على ضرورة محاسبة وزير الصحة فوزي مهدي ''أوّل واحد مسؤول عن الصحة سنقول له إيجا اتحاسب'' مُشدّدا على أنّ العمل لن يتواصل إلا بعد محاسبة المسؤولين وعزلهم من وظائفهم على غرار مدير المستشفى الجهوي بجندوبة ووزير الصحة الحالي. رئيس جمعية طب الأطفال الدكتور محمد الدوعاجي أكّد أنّ قطاع الصحة ''مريض منذ سنوات'' محمّلا المسؤولية للحكومات المتتالية ودعا كلّ الأطباء إلى الإتّحاد يد واحدة وفي صف واحد للدّفاع عن حقوقهم وضمان ظروف عمل ملائمة تليق بالمهنة التي يقدّمونها والعمل الذي يبذلونه وتوجّه للسلط قائلا ''فيقوا لتونس''. عميد الأطباء سليم بن صالح بدوره عبّر عن تضامنه مع كلّ الأطباء الشبّان ''هذه المُصيبة مسّت كلّ قطاع الصحة'' ودعا إلى ضرورة تحديد المسؤولين عن تلك الكارثة التي أودت بحياة العلوي، واعتبر أنّ المسؤول الأوّل عنها هو ''استهتار الإدارة بالمستشفيات'' لأنّها غير مهتمّة بصيانة المؤسسة الإستشفائية مذكّرا أنّ المِصعد منذ سنة 2016 مُعطّل ''كان من الممكن أن تحدُث عشرون مصيبة''. وأكّد أن ما حصل هو كارثة كُبرى مشيرا أنّ نسبة 80 بالمائة من الأطباء المسجلين في العمادة غادروا تونس منهم قرابة 3500 طبيب هاجروا إلى فرنسا وقرابة أكثر من 2000 طبيب بألمانيا ''وين ماشين وهذا ليس معقولا والأسباب لا تعود للأجور وإنّما مسألة كرامة، قالوا ثورة الحرية والكرامة وهي ثورة سواد الوجه''.  

 

تِسعُ سنوات مرّت على الثورة ولم تقم أيّ حكومة من الحكومات المتعاقبة بلفت النظر للمرفق الرئيسي في البلاد وهو قطاع الصحة حتى في جائحة كورونا لم تتحرّك أي حكومة لإعادة هيكلة المنظومة الصحية وتهيّئة المنشآت الإستشفائية وتأمين العمل للإطارات الطبية وشبه الطبية وكلّ الإداريين والعملة. سياسة الإهمال واللامبالاة بالمرافق الحياتية المفصلية في حياة التونسيين من قبل الحكومة أصبحت سياسة يومية وحين تحصل الكارثة وتُزهق الأرواح يتسارع المسؤولين لتقديم ''كبش فداء'' وتتهافت الزيارات الرسمية المُنمّقة لعائلات الضحايا وتُقدّم الوعود الزائفة وفي ظرف يوميْن تموت القضية مع صاحبها. وكان رئيس الحكومة هشام المشيشي قد تحوّل إلى منزل الراحل وصرّح قائلا "سيتم اتخاذ عدة قرارات لفائدة جنود الجيش الابيض بعد هذه الحادثة المؤسفة التي عليها أن تكون بداية مسار إصلاح القطاع الصحي الذي تأثر سلبا نتيجة سياسات متراكمة حوّلت المستشفيات إلى مقابر للمرضى و الأطباء''، وسننتظر إن كان وعده بالإصلاح جدّي وقابل للتنفيذ العاجل أو أنّه سيُسجّل في خانة الوعود الأخرى وليدة لحظات التأثر. 

 

الطبيب الشاب بدر الدين العلوي ''قتلته سياسة الإهمال'' من قبل الدولة التي قُتِل فيها  العشرات من المواطنين بطرق مختلفة مثل السقوط في البالوعات أو انقلاب الحافلات والشاحنات الفلاحية أو عن طريق الأودية أو عن طريق جريمة أخرى وإن لم تُحدِث فاجعة وفاته نُقلة مفصلية ونوعية في قطاع الصحة بردّ الإعتبار لكلّ المرافق الصحية وتهيّئتها وتوفير ظروف العمل الملائمة للجيش الأبيض فإنّ كلّ المواطنين والأطباء هم بمثابة ''مشروع وفاة مع تأجيل التنفيذ''.

يسرى رياحي


تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter