الإرهابيون والهدية المسمومة
مدّة القراءة : 4 دقيقة
شخصيات سياسية وإعلامية ونقابية تم استهدافهم من خلال عمل إرهابي وذلك عبر رسائل مسمومة وجّهت إليهم .. الأسلوب المعتمد غير معهود في تونس .. يبدو أن الإرهابيين بصدد تغيير سلاحهم لكن الهدف واحد .. حادثة غريبة لكنها محيّرة وتبعث على القلق والإنشغال.
وزير الداخلية، هشام الفوراتي، أقرّ اليوم الجمعة في تصريح إعلامي بأن المسألة غير مسبوقة وتبعث على الإنشغال وهو ما أكده الناطق باسم الداخلية، سفيان الزعق حين قال عبر إذاعة موزاييك إن الإرهابيين غيّروا من أسلوب عملهم مضيفا "نحن في حرب مستمرة ضد الإرهاب وهذه المجموعات المتطرفة تجدد في أساليب عملها".
الحذر الذي تتوخاه الوزارة من خلال الكشف عن معلومات قليلة ولئن كان مفهوما حتى لا تشوّش على سير التحقيقات، فإن ذلك يوضّح لنا بعض الخطوط العريضة في هذه القضية. ما نعلمه إلى غاية الساعة هو أنها عملية أمنية استباقية على نطاق واسع تتمثل تفاصيلها في تمكّن وحدات أمنية مختصّة بالتنسيق مع النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، من حجز 19 رسالة مسمومة بمادة خطيرة قاتلة، كانت موجّهة لشخصيات تونسية عامة وقد تم حجز الرسائل وهي في مصالح البريد التونسي أي قبل أن تصل إلى الأشخاص المستهدفين.
وقد تبيّن من خلال التحقيقات التقنية الأولية أن هذه الرسائل كانت تتضمن مادة سامة قاتلة بمجرد لمسها .. بعض المصادر الأمنية المطلعة تتحدث عن مادة "الأنتراكس" أو ما يعرف أيضا ب "الجمرة الخبيثة".. وبالتنسيق مع القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، تم الإذن بفتح تحقيق لمعرفة كل الحقيقة حول هذه القضية والأطراف الضالعة فيها واتخاذ الإجراءات اللازمة على ضوء ذلك.
ما زالت قائمة الشخصيات السياسية المستهدفة سرية ولم يكشف عنها بعد لكن "بيزنيس نيوز" تمكنت من الحصول على قائمة الصحفيين والشخصيات الإعلامية التي كانت مستهدفة ومن بينهم عديد الصحفيين العاملين في قناتي التاسعة والحوار التونسي وإذاعة شمس آف آم، وهم محمد بوغلاب ونوفل الورتاني وحمزة البلومي ومايا القصوري ولطفي العماري ومختار الخلفاوي وكذلك نقيب الصحفيين، ناجي البغوري.
كما توجد على القائمة، القاضية روضة العبيدي والقيادات النقابية، نور الدين الطبوبي وبوعلي المباركي وسامي الطاهري .. الرابط الوحيد بين هؤلاء هو دعواتهم من أجل إغلاق المدرسة القرآنية بالرقاب، وهي قضية تم الكشف عنها في برنامج الحقائق الأربع الذي يقدمه حمزة البلومي على قناة الحوار التونسي وأثارت جدلا واسعا وساندت تلك الحلقة عديد الشخصيات العامة التي نددت بوجود تلك المؤسسة واستنكرت الظروف المآساوية التي كان يعيش فيها الأطفال الذين كانوا يرتادونها.. هذا الطرح دافعت عنه إحدى الشخصيات المستهدفة من قبل باعث تلك الرسائل المسمومة.
الناطق باسم وزارة الداخلية حذّر الشخصيات الوطنية في تونس من كل رسالة يتم الإشتباه فيها مطالبا إياهم بإبلاغ المصالح الأمنية المختصة قبل فتح أي رسالة غير منتظرة مسبقا، بالنظر إلى وجود احتمال أن يكون قد تم توجيه رسائل أخرى .. على صعيد آخر تم تعزيز التواجد الأمني في محيط مقرات بعض المؤسسات الصحفية والإعلامية خلال هذين اليومين، على إثر معلومات حول إمكانية وجود رسائل أخرى مسمومة.
يذكر أن صحف مثل "حقائق أون لاين" و"آخر خبر" و"بيزنيس نيوز" كان تم استهدافها مباشرة في 2015 بتهديدات إرهابية من تنظيم "داعش" .. كان ذلك يوم 30 أوت بالتحديد، عبر الموقع المختص في التدوين المصغّر "تويتر" إذ تم وصف هذه المؤسسات بالذراع الإعلامية غير المباشرة التي تبث الأكاذيب والإشاعات كما وصفت بكونها "عدوّة الله".
قضية الرسائل المسمومة تعيد للأذهان الحادثة المأساوية الشهيرة المتعلقة بفضيحة "الأنتراكس" والتي خلفت 5 قتلى في الولايات المتحدة الأمريكية .. جرت الأحداث بعد أسبوع من اعتداء 11 سبتمبر 2011 لما تم توجيه رسائل مسمومة إلى كثير من الشخصيات السياسية ولا سيما أعضاء الكنغرس بمقر الكابيتول وكانت تحتوي على مادة الجمرة الخبيثة التي ذهب ضحيتها آنذاك خمسة أشخاص من بينهم موظفان.
يبدو أن الإرهابيين التونسيين استلهموا من تلك العملية، بعد 18 سنة من الحادثة التي روعت الولايات المتحدة .. لكن التفطن للعملية وإحباطها قبل وقوعها دون تسجيل أي خسائر في الأرواح يجب أن لا يجعلنا نخفض من مستوى اليقظة.
صحيح أن الوضع الأمني مستقر في تونس إلا أن درجة الخطر والتهديد مرتفعة وهو ما جعل الإستعداد الأمني في أوجه منذ أشهر، حسب الوزير هشام الفوراتي الذي أضاف اليوم أن إحباط هذه العملية مكن من تجنيب البلاد كارثة حقيقة.
بدوره أشاد رئيس الحكومة يوسف الشاهد، في تعليقه على الحادثة، بهذه العملية الإستباقية التي اعتبر أنها تعكس مدى استعداد رجال الأمن وجديتهم، مؤكدا أن "تونس نجحت في حربها ضد الإرهاب" .. رغم أننا نعتقد أنه من المبكر جدا التصريح بمثل هذه الإستنتاجات ...
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires