الترويكا مسؤولة عن تفشي ظاهرة الإرهاب
عديد الاسباب و العوامل جعلت تونس من بين أكثر الدول تصديرا للإرهابيين الى سوريا و العراق و من ابرزها عدم الاستقرار السياسي و الامني بعد فترة الرئيس الاسبق بن علي بالإضافة إلى الدور الذي لعبته الترويكا .
يوم 10 ديسمبر 2018 تناول مؤتمر معهد واشنطن ظاهرة المقاتلين الأجانب من تونس ، وكان من بين أعضاء اللجنة جاكوب والاس الذي تحدث عن الفترة التي كان خلالها سفيراً للولايات المتحدة في تونس بين عامي 2012 و 2013 ، عندما كان مقر السفارة في البحيرة بتونس العاصمة و التي تعرضت لهجوم من قبل تنظيم انصار الشريعة و الذي صنف اثرها تنظيما ارهابيا.
آرون زلين صاحب دراسة " المقاتلون الاجانب التونسيون في العراق و سوريا " إعتبر أن التعبئة الكثيفة للتونسيين في العراق و سوريا تنبع من عدد من العوامل المحلية والأجنبية ، فعلى الصعيد المحلي فضّلت الحكومة التونسية الحوار على القمع لمدة عامين بعد ثورة 2011 مما سمح للإرهابيين بالعمل العلني دون الكثير من المضايقات ، غير أنه في ظل تنامي التهديد الذي يطرحه الارهابيون بدأت الحكومة بقمع تنظيم «أنصار الشريعة» سنة 2013 ثم لتتوّج تحركها بتصنيف التنظيم كجماعة إرهابية في شهر أوت من نفس السنة ، وأدت حملة القمع إلى تدفق الارهابيين، بالتزامن مع توسّع تنظيم «داعش» في العراق وانتشاره في سوريا، وبذلك أصبحت هذه الجماعة الارهابية تُعرف باسم تنظيم «الدولة الإسلامية».
كما اضاف آرون زلين أن بعض الافتراضات اثبتت عدم صحتها فيما يتعلق بالارهابيين التونسيين. فمن ناحية، كان عدد الذين انخرطوا في الحرب في العراق وسوريا أقل مما كان يُعتقد عموماً إذ حاول نحو 27 ألفاً الانضمام إلى المعارك لكن لم يصل سوى 2900 مقاتل إلى منطقة النزاع أي أقل من نصف التقديرات فضلاً عن ذلك تفشت ظاهرة التعبئة والانتشار في مختلف أنحاء تونس وليس في مدينة أو منطقة محددة وفي حين انضم بعض الإرهابيين إلى «جبهة النصرة االارهابية» التي كانت تابعة لـ تنظيم «القاعدة الارهابي» في البداية، إلا أنه انتهى المطاف بالكثيرين إلى الانضمام إلى تنظيم «داعش» بمجرد إعلان هذه الجماعة صراحة عن وجودها في سوريا في افريل سنة 2013.
من جهته عاد جاكوب والاس السفير الامريكي السابق في التونس على الوضع الذي شهدته البلاد بعد ثورة 2011 معتبرا ان التطورات السياسية أدت إلى تمهيد الأرضية لبروز ارهابيين أجانب من تونس بعد أعلان الحكومة عفواً عن جميع السجناء السياسيين في خطوة انتهت بإطلاق سراح العديد من الارهابيين الخطرين.
وفي الوقت نفسه أدّت التغيرات ضمن قوات الأمن عقب الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي إلى تقليص قدرة الدولة على التعامل مع هؤلاء الإرهابيين مما ساهم في بروز المشاكل اللاحقة.
ولاس اعتبر ان حكومة "الترويكا" التي حكمت بين عامي 2012 و2013 تسامحت في بادئ الأمر مع الأنشطة التكفيرية مما سمح بتشكيل الجماعات المتطرفة وقيام هذه الأخيرة بتجنيد أفراد جدد وتسهيلها السفر إلى ليبيا وسوريا والعراق وتنظيمها في النهاية هجمات داخل تونس.
و تألف ردّ الحكومة من أربع مراحل وفق ولاس، فخلال المرحلة الأولى من 2011 إلى سبتمبر 2012 سُمح عموماً لـ «أنصار الشريعة» وغيرها من الجماعات المتطرفة بتنظيم صفوفها وإرسال ارهابيين للانضمام إلى ما كان يُعتبر آنذاك ثورة ضدّ نظام الأسد في سوريا.
وفي المرحلة الثانية 2012-2014 أدركت الحكومة أنها تواجه مشكلة، حيث بدأت الجماعات الارهابية بتنفيذ عمليات إرهابية داخل تونس بدءاً بهجوم سبتمبر على السفارة الأمريكية الذي تلته عمليتي اغتيال سياسي سنة 2013.
وخلال المرحلة الثالثة 2014-2015 بدأت حكومة المهدي جمعة بتعزيز تعاونها مع الولايات المتحدة وشركاء أجانب آخرين وتمّ تمرير قانون جديد لمكافحة الإرهاب سنة 2015 كما تحسّنت قدرة الأمن في مواجهة الإرهاب لتدفع هذه القيود الإرهابيين الى تحويل عملياتهم للخارج، كما أن التدفق المتنامي للإرهابيين الأجانب إلى ليبيا وسوريا والعراق خلال هذه الفترة تزامن مع صعود تنظيم «داعش».
أما المرحلة الرابعة من 2014 حتى الوقت الحاضر فقد شهدت تحوّل التركيز نحو الارهابيين العائدين مع بروز جدال علني بين التونسيين حول كيفية التعامل معهم ، وتدرك الحكومة أن نهج قائم على الأمن غير كافي ولكنها في الوقت نفسه لم تحرز تقدماً ملحوظاً باتجاه اعتماد مقاربة أكثر شمولية رغم تحسّن الوضع بشكل كبير مقارنةً بالفترة 2012-2013 فضلاً عن عدم تعرُّض تونس لهجوم كبير منذ نوفمبر 2015 إلّا أنه لم يتمّ تحقيق الكثير لمعالجة المحرّكات الكامنة للتعبئة والانتشار.
ولاس اعتبر ان الحكومة قادرة الآن على التعرّف على العائدين عند المعابر الحدودية الرسمية لكنها لا تملك خطة للتعامل معهم حالما يتم تحديد هويتهم كما تفتقر قواتها الأمنية إلى الوسائل اللازمة لمراقبتهم ،وكذلك لا تزال السجون مكتظة في البلاد مما يجعلها أرضاً خصبة للإرهابيين رغم حصول تونس على مساعدة من الولايات المتحدة في إدارة السجون إلّا أن مشاكل التطرف والأمن متداخلة بشكل وثيق مع القضايا السياسية والاقتصادية مما يجعل حلها صعباً بشكل خاص.
عندما نعود إلى فترة حكم الترويكا بين 2012 و 2013 عديد التقارير نبهت الترويكا عن تحركات مشبوهة في المرتفعات الغربية و نفت ذلك في كل المنابر الاعلامية و تأخرت في قرار حظر نشاط هذه الجماعات مما ادى الى اغتيال الشهيد انيس الجلاصي الوكيل بالحرس الوطني في أواخر 2012 ثم ما عرفته البلاد في مفتتح 2013 بعد التحريض على الشهيد شكري بلعيد و تكفيره علنا مما ادى الى اغتياله يوم 6 فيفري ليتواصل العنف و يطال مسيرة 9 افريل الشهيرة بشارع الحبيب بورقيبة عندما اعتدت ميليشيات حركة النهضة و رابطات حماية الثورة و السلفيين على الصحفيين و المواطنين و التضييق على حرية الاعلام و انتشار الخيم الدعوية التي تكفر المطالبين بمدنية الدولة وصولا الى اغتيال الشهيد محمد البراهمي في عيد الجمهوية مما يحملها المسؤولية كاملة في تفشي الارهاب والارهابيين.
أحمد زرقي
تعليقك
Commentaires