الدبلوماسية التونسية أمام الرهانات الأممية
تمّ اليوم الجمعة 7 جوان 2019 بنيويورك انتخاب تونس عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو حدث بارز وفي غاية الأهمية للدبلوماسية التونسية، بالنظر إلى الرهانات والتحديات الهامة التي فرضها الظروف الجيوسياسية الراهنة.
وهذه المرة الرابعة عبر التاريخ التي التحقت فيها تونس بمجلس الأمن الدولي كبلد غير دائم ابتداء من غرة جانفي 2020 لفترة تدوم عامين، وذلك بعد سنوات (1959-1960) و(1980-1981) و(2000-2001) وذلك بعد تصويت 193 دولة عضوا في المنتظم الأممي.
فمجلس الأمن الذي يتكوّن من 15 عضوا، من بينهم 5 دائمين يتمتعون بحق النقض "الفيتو" وهم الصين والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة وروسيا، إلى جانب 10 أعضاء غير دائمين لفترة عامين، يُعد الهيكل الأممي الأبرز وتتمثل مهمته في حفظ السلام والأمن الدولي والتدخل العسكري وتسليط العقوبات الدولية.
لذلك فإن الحصول على مقعد في هذا الجهاز التنفيذي صلب الأمم المتحدة يشكل رهانا في غاية الأهمية بالنسبة إلى تونس التي ستمثّل المجموعات الإفريقية والعربية صلب المنتظم الأممي وهي مسؤولية كبرى ستتحملها بلادنا، نظرا إلى الصعوبات التي تواجهها إفريقيا والنزاعات المحتدمة في المنطقة وفي الشرق الأوسط .. وهي معادلة صعبة التحقيق،ـ بين السعي إلى حفظ السلام في هذه المناطق التي تشهد توترا كبيرا والمصالح الدبلوماسية والجيوستراتيجية التي تسعى إلى الحفاظ عليها.. وهو ما يعني أن تونس ستضطلع بدور هام وحساس طوال فترة عضويتها في مجلس الأمن، إذ ستجد نفسها مُجبرة على النظر وأخذ القرار بخصوص بعض القضايا والملفات المتعلقة بالقارة الإفريقية والقضية الفلسطينية وتطورات الأوضاع في سوريا واليمن وهي ملفات حارقة تلوح في الأفق يجب على تونس أن تُحكم التعامل معها حفاظا على صورتها ومكانتها على الصعيد الدولي سيما في هذا الظرف الذي تبقى فيه تونس البلد الوحيد الذي هبّت عليه نسائم الربيع العربي وقد توفّق في تحقيق انتقاله الديمقراطي .. فنجاح المسار الإنتقالي في تونس ونجاحها الأمني في مقاومة الإرهاب، رغم الظروف الإقليمية الصعبة وغير المواتية، كلها عوامل مكنت تونس من أن تتبوأ مكانة مرموقة بين الدول في العالم.
فالدبلوماسية التونسية كانت نشطة وناجعة جدا خلال السنتين الماضيتين من أجل الحصول على مقعد في مجلس الأمن والتحضير لعضويتها فيه، عبر العمل على عدة واجهات ومحاور من ضمنها تعزيز العلاقات بين الشركاء الإقليميين في الجهود الرامية إلى توطيد السلام الدائم وتدعيم مشاركة المرأة والشباب في جهود التسوية السلمية للنزاعات، فضلا عن النهوض بنجاعة هياكل الأمم المتحدة في مجال مقاومة الإرهاب وملائمة أشغال مجلس الأمن في هذا الشأن حسب حاجيات البلدان التي تواجه تهديدات إرهابية.
ولا يختلف اثنان في أن حصول تونس على هذا المقعد في مجلس الأمن، يشكّل تتويجا لجهود الدبلوماسية التونسية، رغم كل الإنتقادات المُوجهة لهذا المجلس في علاقة بمنظومة أخذ القرار وعدم نجاعة عمله .. فالمشكل يتمثل في تمثيلية بعض الدول، فضلا عن النفوذ المفرط الممنوح للأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس وهو ما يعطّل عملية المصادقة على بعض القرارات .. فهناك من الأصوات التي تعترض على قرار النقض "الفيتو" باعتباره يهمّش دور الأعضاء غير الدائمين .. وهي انتقادات أوجبت بلورة مشروع إصلاحي لعمل مجلس الأمن وهو مشروع يولي أهمية أكبر للأعضاء غير الدائمين وتعتزم تونس المساهمة في صياغته قصد تحسين وتجويد آليات سير وأساليب عمل هذا الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة.
في كل الأحوال فإن انتخاب تونس هذه المرة يعد تتويجا للدبلوماسية التونسية التي ستلعب بفضل عراقتها وتجربتها التي تعود إلى 63 عاما، دورا حاسما خلال فترة عضويتها خاصة في ما يتعلق بحفظ السلام في المناطق العربية والإفريقية ومقاومة الإرهاب وتعزيز دور المرأة والشباب وهي مسؤولية حساسة وهامة للغاية ستكون اختبارا جادا لدبلوماسيتنا وقدرتها على رفع التحديات.
(ترجمة عن النص الأصلي باللغة الفرنسية)
تعليقك
Commentaires