آفاق لقاء الصراحة المُتناهية بين بودن و الطبوبي
بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر عن إجراءات 25 جويلية 2021، لم يحظى اتحاد الشغل بأيّ اتفاق رسمي مع رئيس الجمهورية قيس سعيد لإجراء حوار وطني ينقذ البلاد من الأزمة التي تمرّ بها في ظلّ سيطرة الرئيس على كلّ السلطات، حتى أنّ الكثيرين اعتقدوا أنّ هناك قطيعة واضحة بين اتحاد الشغل ورئاسة الجمهورية نظرا لتفرّد قيس سعيد بالقرارت والرؤى.
اتحاد الشغل في جلّ بياناته كان قد أكّد أنّه لا مجال للعودة إلى ما قبل 25 جويلية ولكنّه في المقابل مع أن يتمّ إجراء حوار وطني تُشارك فيه كلّ الأطراف. الأمين العام بالإتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي بادر يوم الأحد 14 نوفمبر الجاري بمهاتفة الرئيس قيس سعيد وكان الوضع العام في البلاد، وأهمية الإسراع بمواصلة مسار 25 جويلية ليكون فعلا فرصة تاريخية للقطع مع عشرية غلب عليها الفشل، هو محور المكالمة.
وفي توضيح منه لإعطاء أكثر تفاصيل عن هذا الإتّصال الذي بادر به، أوضح الطبوبي في حوار هاتفي مع قناة الجزيرة، بذات التاريخ، أنّ الإتحاد متشبّث بأنّه لا رجوع لما قبل 25 جويلية الفارط، ولكنّه أيضا يتعامل بقراءة نقدية إيجابية وهو متمسّك في أن تظلّ تونس ديمقراطية وذات مؤسسات سيادية. كما أوضح أنّه تناول العديد من الملفات ذات البُعد الإقتصادي والإجتماعي في اتصاله بالرئيس قيس سعيد الذي أبدى انفتاحه وتطلّعه لإيجاد مخرج في أسرع وقت ولتبقى تونس منارة في الممارسة الديمقراطية.
وفقا للطبوبي، فإنّ الحلّ لضمان مسار دولة ديمقراطية، يتمثّل في التعجيل في إطار التشاركية في إعداد قانون انتخابي جديد ثمّ الذهاب في انتخابات مبكّرة تشريعية التي تُفرز بصفة ديمقراطية مؤسّسات.
هناك تعقيدات وفقا لأمين عام اتحاد الشغل نورالدين الطبوبي، خاصّة أنّ السلطة التنفيذية والمتمثّلة في رئاسة الحكومة لا تزال حديثة العهد وهي أمام العديد من الملفات. كما أكّد الطبوبي في حواره التلفزي عبر الهاتف، أنّ تونس تمرّ بفترة صعبة على المستوى الإقتصادي والإجتماعي معتبرا أنّ الحلول هي سياسية بامتياز.
''علينا أن نتعلّم من أخطائنا ونبني بناء إيجابي له خصوصية تونسية وأنا على يقين ولي ثقة في أبناء شعبنا أنّنا سنخرج من هذه الأزمة بسلام ''.
أمين عام اتحاد الشغل اعتبر أنّ مساندي حراك 25 جويلية المنقضي دليل على الديمقراطية في تونس من خلال التنوّع في الآراء مشددا على أنّ حرية التعبير لا نقاش فيها في تونس.
''البلاد في حاجة إلى إصلاحات سياسية'' صرّح الطبوبي مفسّرا أنّ الشأن السياسي هو ركيزة النهوض ببقية القطاعات والمجالات وفي اعتقاده إنّه و بإصلاح المجال السياسي فإنّ المُعضلة الإقتصادية ستُعالج.
أمين عام اتحاد الشغل يبدو متفائلا بمستقبل البلاد وهذا التفاؤل نابع من إيمانه العميق بأنّ تونس تزخر بكفاءات قادرة على إيجاد حلول '' تونسية-تونسية'' في إطار حوار هادئ وهادف مع كلّ الوطنيين.
حول وضعية البرلمان المجمّدة مهامه، يؤكّد الطبوبي أنّ عودة مجلس نواب الشعب إلى سالف نشاطه مسألة مستحيلة حتى أنّ بعض البرلمانيين يؤيّدون هذا الخيار معتبرا أنّ العودة إلى الوراء هي بمثابة مضيعة للوقت. في ذات الوقت أبدى الطبوبي بتمسّكه بالمؤسسة البرلمانية كمؤسسة تشريعية لأنّه لا وجود لأيّ دولة ديمقراطية دون برلمان ولكن البرلمان القديم لا مجال للعودة له ولكن يجب الإصلاح والتعلّم من الأخطاء ويتمّ مراجعة القانون الإنتخابي وتُجرى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
بعد أن اتّصل برئيس الجمهورية وناقش معه الوضع الراهن في البلاد وقدّم رؤية الإتحاد في تصريحه الإعلامي الذي تطرّقنا له أعلاه، كان لأمين عام اتحاد الشغل نورالدين الطبوبي أمس الإثنين 15 نوفمبر الجاري، أوّل لقاء رسمي مع رئيسة الحكومة نجلاء، وكانت ملفات المفاوضات الاجتماعية وملف عمال الحضائر على طاولة النقاش بين الطرفين.
رئيسة الحكومة نجلاء بودن أثنت على الدور التاريخي الذي لعبه اتحاد الشغل في رسم مسار البلاد وأكّدت أنّ اتحاد الشغل هو شريك أساسي وفاعل في كل المشاريع التي تطرحها الحكومة والإصلاحات الضرورية التي ستعتمدها. كما أنّها أكّدت على أنّ الحوار مع المنظمة الشغيلة يجب أن يتسم بالصدق والصراحة للتأسيس لعمل تشاركي بين الطرفين والاتجاه بخطى ثابتة نحو الإصلاحات الجوهرية وتحقيق مطالب التونسيين.
الطبوبي في نقطة إعلامية له بقصر الحكومة بالقصبة بعد انتهاء اجتماعه برئيسة الحكومة نجلاء بودن وصف اللقاء بـ '' لقاء الصراحة المُتناهية '' ووفقا لتصريحه، فإنّ هناك إرادة من حكومة بودن للمضي قُدما في حلحلة كلّ الملفات.
في هذا اللقاء، أعلن الطبوبي أنّ حكومة نجلاء بودن إلتزمت على المستوى الإجتماعي باستمرارية الدولة معتبرا أنّ ذلك إيجابي ويعطي ثقة متبادلة للتعاون والعمل المُشترك، وستصدر اتفاقيات تباعا.
حكومة بودن أكّدت أنّه وبالنسبة لملف عمّال الحضائر، سيكون تاريخ 15 ديسمبر المقبل، هو أقصى أجل لتصدر الدفعة الأولى، ستّة آلاف لعمال الحضائر. وأعلن الطبوبي أنّ نجلاء بودن تبنّت شخصيا ملف عمال الحضائر وناقشت مع اتحاد الشغل كيفية العمل المُشترك لإجراء مجموعة الإصلاحات الضرورية التي تؤسس إلى دولة ديمقراطية اجتماعية.
''اليوم هناك روح مسؤولية بين الطرفين من أجل المُضي قدما في إنقاذ بلادنا على المستوى الإقتصادي والإجتماعي '' صرّح الطبوبي الذي يتبيّن من تصريحه أنّه متفائل بالتجاوب الإيجابي الذي حظي به اتحاد الشغل من قبل رئيسة الحكومة نجلاء بودن ولكن المستقبل القريب سيُبيّن مدى التزام نجلاء بودن بوعودها التشاركية مع المنظمة الشغيلة التي لا تقبل الخذلان في المواقف.
'' موقف الإتحاد واضح، لا رجوع لما قبل 25 جويلية ، الوضع تعفّن ، علينا أن نستغل تلك المرحلة في إطار التشاركية وفي إطار تسقيف الإجراءات الإستثنائية وفي إطار التشاركية في صياغة قانون انتخابي جديد وأنّه لا بدّ أن نذهب في انتخابات تشريعية مبكرة ولا بدّ أن يكون لنا مجلس تشريعي وأن يتمّ انتخاب محكمة دستورية ثمّ بعد ذلك إذا كان هناك بعض النقاشات تكون داخل المؤسسات الدستورية''.
أمين عام اتحاد الشغل نورالدين الطبوبي على ثقة من أنّ تونس بها كلّ مقوّمات النجاح ولكن الذي ينقص هذا النجاح هو العمل التشاركي والحوار بين كلّ الأطراف المعنية بالإصلاحات. حواره مع نجلاء بودن واتصاله الهاتفي مع رئيس الجمهورية قيس سعيد منح الطبوبي جرعة أمل في أنّ تونس من الممكن أن تنجح في تخطي أزمة ما قبل وما بعد 25 جويلية.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires