alexametrics
الأولى

تقرير التحذير المبكر من الأزمات التابع للاتحاد الأوربي لسنة 2020 يؤكد: على الاتحاد الأوروبي مراجعة سياسته في تونس اذا أراد النجاح

مدّة القراءة : 5 دقيقة
تقرير التحذير المبكر من الأزمات التابع للاتحاد الأوربي لسنة 2020 يؤكد:
على الاتحاد الأوروبي مراجعة سياسته في تونس اذا أراد النجاح

 

صدر مؤخرا تقرير التحذير المبكر من الأزمات التابع للاتحاد الأوربي لسنة 2020 و قد تناول تحذيرا للاتحاد الأوروبي بضرورة مراجعة سياساته المتبعة في عشرة دول مختلفة من العالم، وأشار التقرير  في جزئه الخاص بتونس، إلى أن الناخبين عاقبوا الائتلاف الحاكم السابق و كافئوا مجموعة جديدة من الأحزاب السياسية في الانتخابات التشريعية و انتخاب الرئيس الجديد قيس سعيد الذي أعلن أن أولويته الأولى هي معالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة ، والتي قد تستلزم إعادة التفاوض مع الشركاء الدوليين الرئيسيين خاصة الاتحاد الأوروبي.

و أشار التقرير إلى ثلاثة سيناريوهات يمكن أن تزيد التوتر و عدم الاستقرار في تونس وهي الصدام بين الرئيس  قيس سعيد والبرلمان، الذي أفرزته الانتخابات دون أغلبية واضحة أو الشلل التام بسبب المنافسة بين الأحزاب التي ستشكل الحكومة المقبلة و عدم الوصول إلى توافق بينها؛ أو انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في الأشهر القليلة المقبلة بسبب عدم التصويت على الحكومة ،و أضاف التقرير أنه باستطاعة تونس تجنب السيناريوهات السابقة إذا تجمع القادة السياسيون حول أجندة حقيقة تقوم على تقوية النشاط الاقتصادي.

و أضاف التقرير أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي بصفته الشريك التجاري الرئيسي لتونس، وتماشيا مع سياسة الجوار الأوروبية التي توفر من خلالها دعما ماليا هاما لشركائها، مواكبة التطور السياسي في تونس من خلال تعديل برنامج المساعدة الخاص بها مع الواقع السياسي الجديد. وبناءً على ذلك، ينبغي أن تركز على المجالات التي ستقدم فيها الدعم دون إثارة الجدل أو خلق مشاكل للحكومة و رئيس الجمهورية على سبيل المثال، إصلاح الإدارة، وجهود مكافحة الاحتكار، وتعزيز المنافسة المحلية وفرص الاستثمار.

كما أشار التقرير الى ضرورة انخراط الاتحاد الأوروبي بهدوء مع الحكومة لدعم تطوير الاقتصاد التونسي في خطة تركز على دعم الاستثمار والتوظيف الممنهج والنمو، والتي يمكن للمؤسسات المالية الدولية والدائنين بدورها دعمها، كذلك العمل مع الرئيس سعيد والحكومة على إحداث وكالة الاستخبارات الاقتصادية الوطنية، التي من شأنها تنسيق الجهود بين الجهات الفاعلة المحلية والدولية لدعم الاستثمار الاقتصادي والتنمية، كما يجب على الاتحاد الأوروبي دعم البرلمان الجديد في جهوده لتنفيذ الدستور بالكامل، مع التركيز بشكل خاص على ضرورة انتخاب المحكمة الدستورية الجديدة.

و بين التقرير أن الانتخابات التشريعية والرئاسية في الفترة من سبتمبر إلى أكتوبر 2019 افرزت زلزالًا سياسيًا في تونس، حيث مكنت من صعود الشخصيات والحركات الجديدة التي تعهدت بتقوية مؤسسات الدولة، وتقليل اعتماد البلاد على المؤسسات المالية الدولية وحماية "هويتها العربية الإسلامية" و الدفاع عن السيادة السياسية والاقتصادية والثقافية لتونس.

هده النتائج كانت نتيجة حتمية للفشل الملحوظ للانتقال الديمقراطي الصعب في تونس بعد عام 2011 عبر معاقبة الائتلاف الحاكم عبر صناديق الاقتراع ، أعرب التونسيون عن رفضهم للوضع السياسي المتأزم في البلاد والفساد و المحسوبية وزيادة البطالة والنشاط الاقتصادي الراكد. بالإضافة إلى ذلك ، يتهم العديد من الناخبين الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بالضغط على تونس و التدخل في سيادتها من خلال فرض تدابير التقشف المالي وغيرها من الشروط المفروضة على تونس وربط تنفيذها بتمكين البلاد من القروض ، في حين فشلت في المساعدة في إنعاش الاقتصاد المتعثر.

في الواقع، فإن التونسيين المحافظين والمتدينين، وكذلك بعض أحزاب المعارضة، يعتقدون بأن العديد من مبادرات الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي  مثل إصلاح قوانين الميراث لحماية حقوق المرأة  تعكس الضغط الغربي وتشكل هجومًا على الثقافة التونسية.

و قد قدم قيس سعيد في خطابه الانتخابية وعودا يبدو أنها تلبي هذه المطالب، وهو ما يفسر إلى حد كبير فوزه الساحق بنسبة 73 في المائة في الجولة الثانية من التصويت الانتخابي، لكن هذا يعني أيضًا أنه سيصارع من أجل تحقيق وعوده و سيدخل في خلافات أكيدة مع البرلمان.

و أضاف التقرير إن الرئيس قيس سعيد شخص أكاديمي وسياسي يطمح لإكمال الثورة التي بدأت في عام 2011 من خلال رفع مستوى مؤسسات الدولة واستبدالها بنوع من الديمقراطية المباشرة القائمة على المجالس المحلية التي من شأنها ، في رأيه ، إعادة إضفاء الشرعية الثورية و تقديم نفسه كحل أفضل لدلك.

 

في المقابل ، أنتجت الانتخابات التشريعية برلمانًا مختلفًا إلى حد كبير، حيث أفرزت الانتخابات اندثار حزب نداء تونس (أكبر حزب في البرلمان ، والذي حصل على 86 من 217 مقعدًا في عام 2014) و تراجع حزب النهضة الإسلامي من 69 إلى 52 مقعدًا  كما أفرزت صعود مجموعة من الأحزاب الجديدة. حصل قلب تونس العلماني ، بقيادة قطب الإعلام نبيل قروي ، على 38 مقعدًا ، يليه التيار الديمقراطي ، الذي قفز من ثلاثة إلى 22 مقعدًا ، بفضل برنامجه الذي عاد إلى روح انتفاضة 2011، كما حصل ائتلاف الكرامة ، وهو اندماج للجماعات الإسلامية والمحافظة والثورية ، على 21 مقعدًا. أخيرا، حصل الحزب الدستوري الحر (الذي تغذى عل الحنين إلى عهد بن علي) على سبعة عشر ممثلاً ؛ كما صعدت الحركة الشعبية القومية العربية من ثلاثة إلى خمسة عشر مقعدًا مما يدفع الى التساؤل عن قدرة هده الأحزاب على العمل معا و التوافق أو السماح لخلافاتهم بتعميق التوترات على مستوى البلاد خاصة مع فشل المفاوضات في مرحلة أولى لتشكيل حكومة الحبيب الجملي الذي فشل في نيل ثقة البرلمان.

هذه المرحلة الحساسة تحمل ثلاثة مخاطر رئيسية،  فعلى الرغم من صعود النخبة الجديدة فقد تواصل الانقسام القديم بين الإسلاميين (يمثلهم حزب النهضة في 2014 و النهضة مع ائتلاف الكرامة في 2019) والعلمانيون (نداء تونس في 2014 قلب تونس و الإصلاح الديمقراطي و التيار و حركة الشعب في 2019) ،في شكل جديد يمكن أن يشل مؤسسات الدولة حيث يحاول بعض النواب المنتخبون حديثًا أن يستغلوا الغضب العام والإحباط من الوضع الراهن لإطلاق حملات متحيزة وانتقائية لمكافحة الفساد أو متابعة سياسة خارجية مناهضة لشركاء تونس الأوروبيين والمؤسسات المالية الدولية. وهذا بدوره قد يزيد من المشاعر المعادية للغرب ، وبالتالي يضر بالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي ، مما يعرض للخطر قدرة تونس على الإيفاء بالتزاماتها و خلاص ديونها الخارجية .

هناك خطر آخر ينشأ عن تعارض محتمل بين البرلمان والرئاسة ففي نوفمبر 2019، انتخب البرلمان زعيم حزب النهضة ، راشد الغنوشي رئيساً للمجلس وهو يحرص على إعادة إحياء سلطة البرلمان بدعم من حزبه ، أكبر كتلة ، وإعادة النظر في السياسة الاقتصادية والخارجية التي يمنح الدستور صلاحياتها للرئيس وهو ما قد يضعه في مسار تصادم مع قيس سعيد ، الذي يؤمن برئاسة قوية - ضمن الحدود الدستورية - ويتمتع بدعم شعبي كبير و هو ما سيسبب حتما نزاعا بينهما ، أو مع الدائنين الأجانب في تونس ، فسعيد سيعمل على حشد مؤيديه ضد البرلمان والنظام البرلماني في اتجاه تعديل الدستور لإدخال نظام قائم على الديمقراطية المباشرة بعد فشل النظام البرلماني  في تلبية مطالب التغيير الشعبية ،

أما الخطر الثالث ففي حالة  فشل البرلمان والرئاسة في الاتفاق على حكومة تدعمها الأغلبية، يمكن أن يحل سعيد البرلمان ويدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة، و هذا السيناريو قد يهدد تونس  بإفراز برلمان آخر مجزأ بدون تحالف أغلبية ، أو استقطاب متزايد حول شخصية الرئيس ، الذي يمكن أن يؤسس حزبه الخاص و يفوز بالانتخابات ليقوم بتعديل لدستور و نقل السلطة من البرلمان اليه.

 

هناك سيناريو إيجابي محتمل أيضًا، تتفق فيه هذه القوى السياسية الجديدة على أجندة إصلاح تهدف إلى تحسين الخدمات العامة وتفكيك احتكارات الأعمال التجارية والقضاء على المحسوبية بدعم من أكبر المؤسسات غير الحكومية ، مثل اتحاد الأعراف والنقابات العمالية ، يمكن للرئيس والحكومة الجديدة إعطاء الأولوية لإصلاح الإدارة ، وتسهيل الحصول على القروض لأصحاب المشاريع الصغرى وإنشاء برنامج استثمار للمناطق الأقل نمواً في تونس لكن هذا السيناريو يحتاج الى إعادة التفاوض على أجندة الإصلاح الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي ،و النتائج الملموسة سوف تستبق أي نقد للمشاركة مع هذه المؤسسات.

وأشار التقرير في نهايته إلى أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي أن ينظر إلى هذا الاهتمام التونسي و الرغبة في تقرير المصير الاقتصادي باعتباره فرصة لإعادة ضبط علاقتهما، بعد سنوات من التمويل السخي الذي فشل في تحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل الذي توقعه المسئولون الأوروبيون و بالتالي ينبغي على الاتحاد الأوروبي الآن أن يركز تعاونه على مشاريع أصغر يمكن أن تتوافق مع أولويات القيادة الجديدة.

 

 يمتلك الاتحاد الأوروبي القدرة على المساعدة في بناء المسار السياسي والاقتصادي لتونس خلال السنوات القليلة المقبلة و دلك باعتماد موقف دبلوماسي داعم والاستمرار في تقديم المساعدات المالية، فقد أكد التونسيون منذ زمن طويل ضرورة استعادة بلادهم لسيادتها السياسية والاقتصادية والثقافية في علاقة تونس بالاتحاد الأوروبي من جانبهم، عبر مسؤولوا الاتحاد الأوروبي عن شكوكهم في فعالية الإصلاحات الاقتصادية والتقشف المالي الذي كانوا يدعمونه ، والتي كان لها تأثير محدود و أثرت سلبا على الظروف الاجتماعية والاقتصادية.

 

أما بالنسبة لإصلاح الاقتصاد ، فيجب على الاتحاد الأوروبي أن يحاول تجاوز مقاومة النخب الجديدة للتدخل الأجنبي من خلال الانخراط بهدوء مع الحكومة في دعم و تطوير خطة تونسية توفق بين احتياجات التمويل الأجنبي في تونس والطلب المحلي على الانتعاش الاقتصادي ، وفرص العمل والاستثمار. يجب على الاتحاد الأوروبي أن يشجع وزراء الاقتصاد في تونس على وضع خطة لتشجيع الاستثمار والتوظيف والنمو يمكن أن تدعمها المؤسسات المالية الدولية والدائنين.

 

يجب على الاتحاد الأوروبي أيضًا التعامل مع المشروعات المثيرة للجدل في تونس ، مثل اتفاقية التجارة الحرة الأوروبية ، بعناية ومرونة. إذا تعطلت المفاوضات ، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يعلق اتفاقية التجارة الحرة في الوقت الحالي وأن يعطي الأولوية للتعاون في مجالات أخرى (مثل الإصلاحات المذكورة أعلاه) ، حيث قد يكون الرئيس والحكومة أكثر تقبلاً. وبالمثل ، فإن تقديم الدعم لإنشاء وكالة وطنية للاستخبارات الاقتصادية ، كما اقترح الخبراء التونسيون ، سيكون من الحكمة لأنه يمكن أن يحسن التنسيق بين الجهات الفاعلة الاقتصادية المتعددة في البلاد ومراكز صنع القرار والمانحين الدوليين. قد ينظر الرئيس سعيد ورئيس البرلمان الغنوشي بشكل إيجابي إلى عرض الاتحاد الأوروبي للدعم الفني. أخيرًا ، يمكن للاتحاد الأوروبي إبراز أهمية تنفيذ الدستور (على سبيل المثال ، إنشاء محكمة دستورية وانتخاب أعضائها).

حسام بن أحمد

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter