توريد نفايات إيطالية لدفنها في تونس..كافة التفاصيل حول هذا الملف
''70 حاوية نفايات دخلت إلى تونس.. 212 حاوية أخرى لا تزال رابضة في ميناء سوسة صفقة مشبوهة لإدخال 120 ألف طن من النفايات في السنة .. شركة تونسية تقوم بشراء الطن الواحد من النفايات بـ 48 أورو .. النفايات التي يُمنع منعا باتا تصديرها أو توريدها'' كانت هذه رؤوس عناوين تقرير أعدّه برنامج الحقائق الأربع يوم الإثنين 2 نوفمبر 2020 حول قيام شركة تونسية بتوريد نفايات من إيطاليا ليتمّ دفنها في تونس.
اهتزّ الرأي العام التونسي بعد مشاهدة ذلك التقرير الذي كشف أنّ تونس أصبحت مقبرة لنفايات الدول الأوروبية وتعدّدت ردود الأفعال حول هذا الملف وتفاعلت العديد من المؤسسات والهياكل مع ذلك التقرير. وكشف تقرير الحقائق الأربع أنّ شركة إيطالية تُدعى ''كامبانيا'' قامت بإبرام عقد مع شركة تونسية في ولاية سوسة من أجل تصدير نفاياتها، ووفقا لهذا العقد، فإنّ الشركة الإيطالية تقوم بتصدير 120 ألف طن من النفايات لتونس سنويا وهذه الصفقة تناهز قيمتها 18 مليار سنويا. وأكّد التقرير أنّ ما احتوته 70 حاوية من النفايات التي وقع توريدها لا يتضمّن مواد بلاستيكية كما أنّها منضوية تحت الرمز Y46، أيّ أنّها نفايات منزلية مجمّعة وهذا الصنف من الفضلات ممنوع دخوله إلى البلاد التونسية حسب اللائحة الترتيبية للإتحاد الأوروبي عدد 1013 لسنة 2006.
من هي الشركة التونسية وهل أنّ النفايات التي تمّ توريدها تُعد خطرة ؟
شهادة محامي الشركة المتهمة بتوريد النفايات من إيطاليا إلى تونس
نفى الأستاذ مهدي نور الدين، محامي الشركة المتهمة بتوريد النفايات من إيطاليا، كلّ ما تمّ تداوله حول الشركة والتّهم الموجّهة لها. وكشف المحامي أنّ الشركة المعنية بملف توريد النفايات من إيطاليا إلى تونس هي شركة تونسية مُصدرة كلّيا وليس جزئيا وتعمل في مجال فرز وضغط وتثمين ورسكلة النفايات بجميع أنواعها وتختصّ برسكلة النفايات البلاستيكية. وأوضح أنّ الشركة متحصّلة على شهادة إيداع تصريح بالإستثمار صادرة عن وكالة النهوض بالصناعة والتجديد والتي تحدّد نشاط الشركة والمتمثّل في ''تجميع النفايات المفروزة''. وبيّن محامي الشركة أنّ مقرّ الشركة هو المنطقة الصناعية بسيدي الهاني سوسة، وأشار أنّ ترخيص الشركة ينصّ على أنّها غير مختصّة في رسكلة البلاستيك في حين أنّ المعدّات والآلات والتجهيزات التي تمتلكها تُخوّل لها رسكلة المواد البلاستيكية. وتابع أنّ للشركة أيضا معدّات خاصّة بفرز النفايات ''يد عاملة'' وهي من تقوم بالفرز ويتمّ إخراج كلّ ما هو مادّة بلاستيكية جانبا وتتمّ رسكلتها وكلّ ما تبقى من مواد غير بلاستيكية تتمّ إعادة ضغطه في شكل مكعّبات ويقع إعادته في شكل تصدير للدولة المتأتية منها.
وكشف المحامي مهدي نورالدين أنّ الشركة تمّ فتحها سنة 2009، وكان نشاطها تصدير المواد المُرسكلة البلاستيكية الخشنة، ولكن بعد الثورة ونظرا لغياب السوق التي تُريد تلك المواد اضطرّت الشركة لإيقاف نشاطها. وعادت وفق تصريحه، هذه الشركة إلى النشاط حين تحصّلت على هذا المشروع مؤكّدا أنّه من الناحية الجبائية فإنّ الشركة قائمة بكافّة التصريحات الجبائية اللاّزمة إلى غاية هذا اليوم. وأضاف أنّ الشركة باشرت القيام بكلّ الإجراءات القانونية سنة 2019، كي تقوم بالتعاقد مع الشركة الإيطالية لقبول الصفقة التي أثارت الجدل وتمّ إعلام الإدارات التونسية مُسبقا على غرار الوكالة الوطنية للتصرّف في النفايات ووكالة النهوض بالصناعة، كما تمّ إعلام القُنصلية التونسية بنابولي مؤكدا كلّ ما كشفه عبر وثائق قانونية. وأكّد المحامي أنّه وفقا للائحة الترتيبية المتعلّقة بالتصدير والخاصّة بالدول الأوروبية، فإنّ التصدير يقضي مُسبقا القيام بإعلام السلطات المعنية بالمواد المُصدّرة والتي تتمتّع بمدّة زمنية قدّرت بشهر لتقدّم موقفها من المواد التي سيتمّ توريدها بالموافقة أو الرفض وبيّن أنّه في صورة عدم الردّ لمدّة فاقت الشهر فإنّ ذلك يُعتبر موافقة ضمنية بالنسبة للسلطات الأوروبية.
وتابع أنّ الشركة لم تتحصّل على أيّ رد بالرفض أو الموافقة من قبل الإدارات المعنية التي قامت بإعلامها مُسبقا، على إثر ذلك قامت الشركة بالإتّصال بكافة الهياكل المعنية على غرار الوكالة الوطنية لحماية المحيط وقامت أيضا بإعداد دراسة المؤثرات على المحيط وتحصّلت على الموافقة لتُباشر نشاطها حول تلك الصفقة وتوجّهت أيضا للوكالة الوطنية للتصرّف في النفايات وتحصّلت على 3 كراسات الشروط ويتعلّق كراس الشروط الأوّل بضبط طرق وشروط ممارسة أنشطة جمع النفايات الغير خطرة ونقلها ويتعلّق كراس الشروط الثاني بضبط طرق وشروط ممارسة أنشطة رسكلة النفايات الغير خطرة وتثمينها ويتعلّق كراس الشروط الثالث بضبط طرق وشروط ممارسة خزن النفايات الغير خطرة ومعالجتها. وأشار المحامي أنّ الشركة مصدّرة كليا وهي تخضع للرقابة الديوانية وتخضع قانونا لأحكام الفصل 138 من مجلة الديوانة الذي ينصّ في فقرته الثانية على ''مع مراعاة التحجيرات المنصوص عليها بالفصل 172 من هذه المجلة والاستثناءات التي يتمّ اتخاذها بمقتضى قرار من وزير المالية طبقا للفصل 173 من هذه المجلة، تمكن الأنظمة التوقيفية والأنظمة الديوانية الاقتصادية من توقيف تطبيق التحجيرات وإجراءات التجارة الخارجية والتدابير الاقتصادية الأخرى عند التوريد أو التصدير ما لم توجد أحكام أخرى مخالفة''.
وكشف المحامي انّ المواد التي وقع توريدها طبقا للتحاليل الأجنبية هي خليط من النفايات التي تطغى عليها نسبة كبيرة من المواد البلاستيكية وكلّ ما هو غير بلاستيكي به مواد ضئيلة مشيرا أنّ كلّ حاوية يتمّ توريدها تكون خاضعة للتحليل. وبيّن أنّ التحاليل أفرزت أنّه من بين المواد المورّدة فإنّ 50 بالمائة منها مواد بلاستيكية والبقية مواد غير بلاستيكة ملتصقة في المواد البلاستيكية. وكشف أنّ مصدر تلك النفايات هي فضلات منزلية وقع تجميعها من البلديات التي قامت بفرزها الشركة الصناعية الإيطالية المصدّرة وقامت بإزالة كلّ ما هو مواد خطرة لتُصبح مواد غير خطرة مؤكّدا أنّ النفايات لا يمكن تصديرها من قبل الدول الأوروبية إلاّ في صورة احترامها لجميع إجراءات اللوائح الترتيبية أيّ انّها لا تُغادر التراب الأوروبي إلاّ إذا كانت مواد غير خطرة وخاضعة لرمز معيّن. كما عاد المحامي على الرمز الذي تحتويه الحاويات وهو ''Y46''، وهو مُدرج في إتفاقية بازل المتعلّقة بنقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود وصادقت عليها الجمهورية التونسية بتاريخ 10 جويلية 1995، وكشف أنّ هذه الإتفاقية نصّت على أنّ كلّ النفايات الخطرة هي مصنّفة من الرمز Y0 إلى حدود الرمز Y45. وكشف المحامي أنّه عندما وقع توريد الكمية الأولى من تلك المواد والمتمثّلة في 70 حاوية نفايات، وقع التنسيق بين الديوانة التونسية في ممثلها مكتب المؤسسات المُصدّرة والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات الذين قرّروا إخضاع تلك المواد للتحليل وذلك بموافقة المُستثمر وتمّ الإتفاق على تعيّين يوم محدد حضر فيه كل من ممثل عن الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات من تونس وممثل عن الديوانة والممثل القانوني للشركة والمخبر الذي تمّ تعيينه وتمّ أخذ عيّنة من الواردات وتمّ إخضاعها للتحاليل وكانت النتيجة أنّ المواد المورّدة غير خطرة. بعد تلك النتيجة، أذنت الديوانة التونسية بمنح ترخيص للشركة التونسية لتسريح تلك البضائع وتمّ إخراج البضاعة من ميناء حلق الوادي ونقلها إلى ولاية سوسة.
موقف المحكمة الإبتدائية بسوسة 1
أكّد مساعد وكيل الجمهورية بالمحكمة الإبتدائية بسوسة 1 حلمي الميساوي أنّ القانون الخاصّ بالوكالة الوطنية لحماية المحيط ينصّ على أنّ النفايات المورّدة في إطار التوريد وإلا في إطار الصفقات تمرّ عبر ذلك القانون وهناك خبراء لتقيّيم لمدى خطورة تلك المواد. وأفاد أنّ تونس قامت بالإمضاء على اتفاقية بازل التي تنصّ على الحدّ من نقل المواد الخطرة والغاية من هذه الإتفاقية حماية الدول النامية من الدول المتقدمة المصدرة للصناعات الثقيلة التي لها تأثيرات على البيئة مؤكدا أنّ مسألة الحصول على الترخيص من عدمه هو الخيط الفاصل في مسألة قضية توريد النفايات من إيطاليا.
موقف الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات
أفاد بشير يحيى مدير بالوكالة الوطنية للتصرف في النفايات في تصريح لشمس فم أنّ الشركة المتعلّق بها هذا الملف والتي مقرّها ولاية سوسة كانت قد قدّمت دراسة حول المؤثرات على المحيط لدى الوكالة الوطنية للتصرّف في النفايات وتحصّلت على المُصادقة على تلك الدراسة في 18 ماي 2020، والتي تتمحور حول إنجاز وحدة لرسكلة وتثمين النفايات البلاستيكية (النفايات ما بعد التصنيع) وتحصّلت على ترخيص بناء على ذلك. وأكّد بشير يحيى أنّ هذه المغالطة الأولى التي اعتمدتها الشركة، وتابع أنّ تلك الشركة توجّهت للوكالة الوطنية للتصرّف في النفايات وتحصّلت على كراسات الشروط عدد 1 و2 و3 والمتعلّقة بالتصرّف والرسكلة والتثمين والجمع والنقل.
''ما راعنا أنّ السيّد صاحب الشركة يقوم بتوريد نفاية في أواخر شهر ماي وبداية شهر جوان الفارط ويتفاجئ الجميع بنوعية هذه النفايات'' كشف بشير يحيى الذي أوضح أنّ الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات قامت بتكليف مخبر مختصّ صلب الوكالة واشترطت عليه أن تتمّ التحاليل في المركز الدولي التونسي لتكنولوجيا البيئة لتشخيص هذه النفايات. وأضاف أنّ عملية التشخيص بيّنت أنّ النفايات المُستوردة مُختلطة منها ما هو مُتأتي من نفايات منزلية (بلاستيك، ورق حادّ ..) وتابع أنّ التصريح الديواني نصّ على أنّ تلك النفايات هي نفايات بلاستيكية ليتمّ الكشف بعد فتح الحاويات والتؤكّد من طبيعة النفايات أنّ تلك الأخيرة غير مُطابقة للتصريح الديواني المُشار إليه سالفا وغير مطابقة لما قدّمته الشركة للوكالة الوطنية للتصرّف في النفايات وللوكالة الوطنية لحماية المحيط وأكّد قائلا ''هذه مغالطة''.
وأكّد بشير يحيى مدير بالوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، أنّه على ضوء كلّ تلك المعلومات تمّ عقد جلسة إستماع يوم 8 جويلية الفارط بالإدارة العامة للديوانة وذلك بحضور كلّ المصالح ذات العلاقة بالملف وتمّ الإقرار بالإجماع بأنّ تلك الشركة تعمّدت مغالطة كلّ تلك المصالح حول التصنيف وحول الدراسة المتعلّقة بالمؤثرات على المحيط وتمّ الإتّفاق على إجبار الشركة على إعادة كامل الكمية المورّدة إلى المُصدّر البلد المنشأ. وأشار أنّ حاويات النفايات المورّدة موجودة في مستودعات تحت القيد والرقابة الديوانية والتي قامت مصالحها بمراسلة صاحب الشركة لتنفيذ ذلك القرار وأكّد انّ تلك الشركة لم تتحصّل على أي ترخيص من قبل الوكالة الوطنية للتصرّف في النفايات أو من قبل وزارة البيئة لتوريد النفايات.
موقف وزارة الشؤون المحلية والبيئة
تفاعلت وزارة الشؤون المحلية والبيئة مع ملف توريد نفايات من إيطاليا عبر شركة تونسية مقرّها ولاية سوسة، وأكّدت أنّها لم تقدّم قطعا أيّ ترخيص لهذه الشركة أو غيرها لتوريد نفايات من الخارج. كما أشار محامي الشركة. وأشارت أنّ الشركة تعمّدت القيام بعديد المغالطات في مختلف إجراءاتها وخاصة فيما يتعلق بإجراءات التوريد المحددة بالتشريعات الوطنية والإتفاقيات الدولية وكذلك بخصوص تصنيف النفايات ضمن ملف التصريح الديواني بالإضافة إلى مخالفة ما جاء بدراسة المؤثرات على المحيط والتي تحدد التزامات الشركة لتعاطي نشاطها. وكشفت وزارة البيئة أنّه وبالتفطن من طرف مصالح الديوانة إلى هذه المُغالطات تم خلال جلسة العمل المنعقدة بتاريخ 8 جويلية الفارط، وبحضور كافة الوزارات المعنية (من بينها الوزارة المكلفة بالبيئة) إقرار عدم قبول الحاويات مستقبلا وإلزامية إرجاع كامل الكميات الموردة سابقا للمصدر. وأوضحت أنّ الشركة التونسية المورّدة قامت بدراسة المؤثرات على المحيط بتاريخ 18 ماي الفارط لإنجاز وحدة لرسكلة نفايات بلاستيكية صناعية (Déchets plastiques post industriels) بالمنطقة الصناعية بسيدي عبد الحميد من ولاية سوسة كسائر المؤسسات العاملة في القطاع وتحصلت على عدم اعتراض الوكالة الوطنية لحماية المحيط على الدراسة وذلك لإستيفائها جميع الشروط. كما تحصّلت الشركة من الوكالة الوطنيّة للتصرف في النفايات على كرّاسات الشروط لجمع ونقل وخَزن ورسكلة النفايات البلاستيكيّة الصناعية وبيّنت الوزارة أنّ الشركة خالفت ما جاء في كراسات الشروط المُقدمة للوكالة الوطنية لحماية المحيط ووكالة التصرف في النفايات، واستوردت نفايات مخالفة وغير مرخّص لها ممّا استوجب تدخُّل الوحدات الديوانية لمنعها من إدخال هذه النّفايات للتراب التونسي. وأكّدت وزارة الشؤون المحليّة والبيئة التزامها بمُقتضيات حماية البيئة من خلال تأهيل المنظومة التشريعيّة والإجرائيّة وفقا للتطورات والإتفاقيات الدولية ذات العلاقة بالبيئة واستدامة التنميَة. وكشفت أنّه ولمزيد التحري في الموضوع، أذن وزير الشؤون المحليّة والبيئة بفتح تحقيق إداريّ حولَ الموضوع وأكّدت أنّ مصالحُ الوزارة لن تتوانى في اتّخاذ جميع الإجراءات القانونيّة والقضائيّة الجاري العملُ بها، وستواصل التنسيق القائم مع مصالح الديوانة التونسية للحد من أية محاولة للتلاعب بالإجراءات.
تونس التي يتجاوز الحجم السنوي للنفايات الخطرة بها 6 ملايين ونصف مليون طن، والتي يجري التصرف فيها بطرق مختلفة وسط عجز الدولة عن معالجتها، تسمح لشركاتها بتوريد نفايات أوروبية لمعالجتها وفرزها في حين أنّ نفايات تونس يتمّ التخلص منها عبر إلقاء أجزاء في مصباتٍ مراقبة، أو إلقائها عشوائياً في المحيط البيئي، أو برميها في البحر، وهو ما فاقم المشاكل البيئية وضاعف التهديدات على حياة المواطنين.
تعليقك
Commentaires