الجلسة العامة للهسترة الجماعية
لا يوجد نقل مباشر لمبارة كرة قدم، الجوّ خارجا رمادي وممطر، مالذي قد يبدد ملل التونسيين يوم الأحد غير مداولات مجلس النواب – التمثيلي الذي جاء نتاج فعل جماعي مواطني ; التصويت الحر. هُم نوّابنا الذين انتقيناهم صُورة صُورة، قائمة قائمة، ليكونوا واجهة تشريعية للبلد. غير أن الواجهة التشريعية الملوّنة لم تكن على وفاق منذ اليوم الأول- للتضّـاد الذي تحول من اختلاف صحي الى فجوة من اللاّتفاهم تزداد عمقا كل يوم.
الهيستيريا التي سجلتها اليوم كاميرات الصحفيين في بث حي من تحت قبة باردو، كانت أشد من هسترة نواب التأسيسي، ونواب مجلس 2014، مُجتمعين، وتنبأ بجلسات عامة أسوأ قد ترمي بظلالها على الفضاء العام سهل التاثر بالساحة السياسية ولعل سنوات 2011 و2012 الذيّن كانت فيهما السياسة والمشهد النيابي متحكمان بخيوط المشهد الاجتماعي، خير دليل.
الدستوري الحر، الحزبُ الواحد في العالم الجديد
حقّ الاحتجاج هو حق دستوري مكفول لجميع التونسيين والتونسيات في هذه السردية التي جاءت نتاجا لثورة ترفض عبير موسي ونوابها الاعتراف بها. رغم ذلك، فان المفارقة تتمثل في أن من كانوا جزءا من تأسيس تشاريع 2014 يرفضون روح الدستور فقط لاختلافهم مع موسي ووجهها السياسي. أما عبير موسي، التي لا تعترف بالضمانات الدستورية، تبدو متمسكة بها أكثر ممن ساهموا في ارسائها. في عالم الديمقراطية الجديد، لعبير موسي كل الحرية في الاحتجاج والتعبير عن رأيها ورفض العنف السياسي الذي مارسته نائبة النهضة جميلة كسيكسي والاعتصام في البرلمان الى غاية التوصل لحل ثنائي. من حيث المبدأ، موقف عبير موسي لا اشكال قانوني أو أخلاقي فيه فهي تُندد بالعنف اللفظي بين النواب وتستعمل في ذلك طريقة مشروعة لا يمكن القول بأنها تعطل عمل المجلس. لكن ما قد يفقد عبير موسي مشروعية مطالبها، هو تعمدها في فرص سابقة تعطيل اشغال المجلس ورفضها أداء القسم مع زملائها، ثم طريقتها الصادمية والهجومية التي لُحظت في تعاملها مع نواب الكرامة الذي وصفتهم "بالارهابيين والدواعش" وهو توصيف سياسي أسوأ من توصيف يعتمتد معيارا اجتماعيا مثل "كلوشارا". مأزقُ موسي، هوأنها تطالب باعتذار عن سلوك هي نفسها قامت بممارسته سابقا بشكل هيستيريّ ساهم –بطريقة أو بأخرى في تتفيه المشهد النيابي.
ائتلاف الكرامة في حرب ضد الكل
مردُ هسترةُ نواب الكرامة ليس اختلافا ايديولجيا أو اختلافا في الرؤى، هذا الطرفُ يعتمد الكراهية كحطب محرقة يحرك أفعاله السياسية، تماما مثل روابط حماية الثورة. ببدلات وربطات عنق، حوّل نواب الكرامة مداولات جلسة عامة الى اجتماع عام طلابي في أحد الجامعات. المشهد : أصوات غاضبة مرتفعة وقبضات تحاول ثقب الهواء، عدم احترام النظام الداخلي وتجاهل رئيسة الجلسة سميرة الشواشي، التهديد والوعيد والتشويش ومغادرة مقاعدهم في حركة تعلن عن الهجوم على اعتصام الدستوري الحر "لاخراجهم بالقوة" كما صرح راشد الخياري، دعوات لاحضار "البوليس" و"اسقاط الحصانة عن عبير موسي وطردها من المجلس.. ماتخليهاش تتكلم، ماتتكلمش" كما صرح سيف الدين مخلوف، تشكيل حزام أمام كاميرات المصورين لعدم نقل كلمة عبير موسي وأخيرا.. تعمد راشد الخيار منع صحفي من التصوير وتغطية عدسة الكاميرا بيده ورفع شعار رابعة الاخواني. ومع أنه يُمكن تفهم هيستيريا الثورجيين والاسلاميين، فان هيستيريا الكتلة الديمقراطية لا تملك سببا سياسيا مباشرا.
سامية عبو، أيجوز اللوم فعلا ؟
لما يقارب العشر سنوات من العمل النيابي، لم تكن سامية عبو المثال الأفضل على العمل الرقابي الهادئ. لا تخفى مداخلاتها العصبية على أحد، ونذكر جميعا اتهامها لرياض المؤخر بأنه "كاذب"، اتهامها لحاتم بن سالم أنه "موش راجل" ومقاطعتها المستمرة لمداخلات نواب النداء ونواب النهضة. ماسحب من عبو مشروعية اللوم على نواب الدستوري الحر بتعطيل الجلسة، هو الهوية النيابية لعبو التي كانت دوما في المعارضة الرافضة والغاضبة. ورغم معارضة عبو وحزبها للعنف السياسي، فانها سقطت اليوم في ذات السلوك السام. "كلوشارات، هموم.." وغيرها من الاهانات استخدمتها اليوم عبو لتوصيف نواب الدستوري الحر.
نورالدين البحيري وتظليل الرأي العام
في هسترة من نوع اخر، جرّم نور الدين البحيري النائب عن النهضة الاحتجاج وحوله الى فعل يستهدف قوت التونسيين. في مبالغة شديدة، ربط البحيري بين عدم صرف اجور شهر ديسمبر وتعطيل الجلسة من قبل الدستوري الحر مستعملا عبارات من نوع "التنكيل بالتونسيين، حرمهانهم من حقوقهم.. التشفي" موجها بهذا الرأي العام نحو تصديق أن موسي تحاول النيل منهم والحال أن الجلسة مستمرة وسيتم التصويت على قانون المالية بحضور نواب الدستوري او دونهم لأن النصاب مكتمل في الحالتين. تظليل الرأي العام أيضا يتجلي في رمي المسؤولية كاملة على عاتق الطرف المقابل والتهرب من المسؤولية في حين أن المقاربة بسيطة حتة لغويا، فعل يولد ردة فعل. فض الاعتصام، رهين تقديم اعتذار رسمي من الحركة الاسلامية.
يطيبُ القول بأن التشنج أثناء المداولات في كل مجالس العالم، أمر طبيعي، من الكونغرس الأميريكي الى البرلمان الاروبي الى اليابان الى الشيلي، التوتر بين النواب تعبيرة انسانية عادية عن احساس انساني عادي، تحيل الى الديمقراطيّة والحرية في أن تحمل رأيا مختلفا وتقوم بالعمل الرقابي بكل الطرق الممكنة. وفيما يبدو ذلك مطابقا للمثال التونسي الذي يشابه برلمانات أعتى الديمقراطيات في تركيبته المتنوعة، الا أن التطبيع مع العنف اللفظي من أجل عيون الديمقراطيات العالمية ليس بالضرورة ايجابيا، فمن التشابك بالأيدي والتشاجر في البرلمان الياباني الى رمي قنابل الدخان في البرلمان الأوكراني لا تمكن أن تكون هذه أمثلة نضج سياسي أو حجج مثال على الوضع في البرلمان التونسي.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires