الجهاز السرّي: غرفة حركة النهضة السوداء
قناة العربية تبث فيلما وثائقيا عن التنظيم السري لحركة النهضة
قناة العربية تكشف خفايا الجهاز السري لحركة النهضة
حركة النهضة تنطلق في مقاضاة قناة العربية
3 قنوات تونسية رفضت بثّ الفيلم الوثائقي للجهاز السري لحركة النهضة
سنوات متتالية ظلّ خلالها ملف الاغتيالات السياسية في تونس يراوح مكانه بالرغم من أن هيئة الدفاع عنهما وجهت أصابع الاتهام لأطراف متعددة وقدمت وثائق ومستندات أثبتت تورط أشخاص وجهات مختلفة.
شكري بلعيد ومحمد البراهمي من بين الأسماء التي حفرت في ذاكرة كل تونسي وطني كيف لا وهما أولا شهيدان سقطا بعد 2011، ومثّل ملفهما أحد المحاور الأساسية للجدل السياسي في البلاد. بدأت الحقائق تنكشف شيئا فشيئا وتواصلت مجهودات هيئة الدفاع عنهما بالرغم من كل العوائق التي واجهتها، وظلّت صامدة مدافعة مستميتة. لكن منذ اكتشاف الغرفة السوداء في وزارة الداخلية والتي تضمنت وثائق تورط مصطفى خذر بإشرافه على جهاز سرّي لحركة النهضة على علاقة بالاغتيال، أخذ الملف منحى آخر خيّل لهيئة الدفاع أنه عبّد الطريق أمامهم لكن الملف لم يشهد أي تطوّر وظلّ حبيس أدراج المحكمة.
اضطرتّ هيئة الدفاع عن الشهيد شكري بلعيد الأمين العام السابق لحركة الوطنيين الديمقراطيين وأبرز وجوه اليسار في تونس، ومحمد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي وأحد رموز التيار القومي، إلى عقد ندوات متتالية في كلّ مرة طالبت فيهم بضرورة الكشف عن حيثيات الملف مع تقديمها لحقائق ومؤيدات جديد. ورغم التصعيد الذي اتخذته والاحتجاجات الشعبية التي نظمتها إلا أنها اعتبرت أن الأطراف المتداخلة بما فيها وزارة الداخلية تسعى إلى طمس الحقائق وذلك لوجود أمنيين وعسكريين ومسؤولين في قفص الاتهام فيما يخص ملف الجهاز السري لحركة النهضة.
كثفت هيئة الدفاع في الآونة الأخيرة تحركاتها للمطالبة بالكشف عن ملابسات ملف الجهاز السري إما باحالته او بحفظه وقامت بفتح بحث تحقيقي شعبي مع نشرها لوثائق تتمثل في رسائل تم العثور عليها بحاسوب المتهم مصطفى خذر بالعمل لفائدة حركة النهضة في جهاز سري مواز للدولة وممارسة عمليات تجسس والتستر على وثائق خطيرة وجهات ترتبط باغتيال بلعيد والبراهمي واختراق مؤسسات الدولة.
قناة العربية السعودية المتواجدة في دبي، أعلنت أنها ستبثّ فيلما وثائقيا يوم الجمعة 27 سبتمبر على الساعة التاسعة ليلا تحت عنوان "الغرف السوداء" والذي سيتحدّث عن التنظيم السري لحركة النهضة ونشرت مقطع فيديو مقتطفا من الفيلم يحمل عنوان "الغرفة السوداء كنز مصطفى خذر الذي كان مخفيا في وزارة الداخلية". بقيت كل العيون تترقب ساعة بث الفيلم الوثائقي على أمل تقديم مؤيدات جديدة ومعلومات لم تتوصل إليها هيئة الدفاع عن ملف الشهيدين. دام الفيلم حوالي 50 دقيقة كانت قادرة على الحديث عن ملف الاغتيال بكل جوانبه لكنه لم يقدّم أي جديد فقد كان سردا للمعطيات التي تقدمت بها هيئة الدفاع للقضاء.
"الغرف السوداء" تحدّث عن التنظيم السري لحركة النهضة وتضمن الفيلم شهادات من أطراف مختلفة لها علاقة بالملف سواء من هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي أو من محللين ونشطاء سياسيين وصحفيين ومن حركة النهضة الطرف المتهم بضلوعه فيما يعرف بملف الجهاز السري. تحدّث الفيلم عن تورط 26 شخصية من وزراء وأمنيين وعسكريين ومدنيين وقيادات في حركة النهضة أبرزها راشد الغنوشي وأحد أصهاره ورضا الباروني ومصطفى خذر المسؤول بالجهاز السري الذي يتعامل مع كل هذه الأطراف.
تطرّق فيلم "الغرف السوداء" إلى خبايا ملف الجهاز السري وما تمّ حجزه في الغرفة السوداء بوزارة الداخلية من وثائق وتسجيلات تدين أطرافا مختلفة وشخصيات هامة على علاقة بوجود جهاز سري للنهضة. بوثائق وشهادات حية وملموسة، أوضح الفيلم أن المسؤول عن الجهاز السري مصطفى خذر الذي يقبع بالسجن منذ 2013، كان على علاقة بتنظيم الاخوان بمصر والذين أشرفوا على دورة تدريبية في التنصت في تونس وتم بمناسبتها استقبالهم من طرف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي المشتكى به والمتهم في الملف. كذلك وفق شهادات الفيلم، فقد كان خذر كان على علاقة بأبو عياض ويعلم مكان وجوده وتحركاته.
"الغرفة السوداء كنز مصطفى خذر المخفي في وزارة الداخلية"، الذي يروي تفاصيل ما بعد اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وظهور وثائق تدين حركة النهضة وتورطها في الاغتيال، وبيّن الفيلم ما عرفته البلاد بعد 2011 من انفلات أمني وما شهدته من أعمال إرهابية وأحداث دموية عبّدت الطريق لهذا الجهاز السري الذي تنامى باستقطاب أمنيين وعسكريين ساهموا في تنامي الحركة المتطرفة بخيانتهم لمؤسساتهم ليصبحوا "مخبرين" بدرجة أولى لمصطفى خذر القائد والمسؤول والمشرف عن الجهاز السري لحركة النهضة.
بعد انتهاء الفيلم تباينت ردود الأفعال وكثرت التساؤلات عن سبب اختيار قناة العربية لبثّ الوثائقي. لكن في الحقيقة فإنه قد تمّ اقتراح بثّه على 3 قنوات تونسية لكنها رفضت ذلك من بينها القناة الوطنية. هذا الفيلم الوثائقي تمّ انتاجه من قبل شركة انتاج تونسية وقد أعطت أولوية إذاعته إلى القنوات المحلية لكن على ما يبدو فإن هذه القنوات قد تعرضت للضغط أو أنها تجنبت الدخول في صراعات ومتاهات قد لا تتحمّل وزرها في وقت لاحق، لذلك باع المنتج حقوق البث لقناة العربية.
يوم أمس السبت 28 سبتمبر، أصدرت حركة النهضة بلاغا على اثر بثّ قناة العربية لهذا الفيلم وأكّدت على انطلاق المكتب القانوني للحركة في اتخاذ الإجراءات القانونية من أجل مقاضاة هذه القناة، لـ "اتهامها الحركة زورا ولإرباك المشهد الانتخابي"، وشددت على رفضها كل تدخل خارجي في الشأن الوطني التونسي وخاصة إذا ما تعلّق بزعزعة الاستقرار وتشويه الفاعلين السياسيين وارباك العملية الانتخابية بالتأثير السلبي على الناخب.
على ما يبدو فإن هذا السيناريو الذي تجنبته القنوات التونسية عندما رفضت بث "الغرف السوداء"، خشية من حركة النهضة التي تتهمها هيئة الدفاع بأنها هي المسؤولة عن تعطّل هذا الملف والتي سعت إلى عرقلة التحقيق، وهو ما أفقدها مصداقيتها بين الناخبين التونسيين ولعلى خير دليل على ذلك الخيبة والخسارة المدوية التي عرفتها في الانتخابات الرئاسية في دورها الأول.
مروى يوسف
تعليقك
Commentaires