تجربة الحكم لم تكن في صالح التيّار الديمقراطي- فخرج منها الحزب الذي انطلق سنة 2015 بخسارة أمينين عاميّن بعد أن كانا وزراء لفترة قصيرة، انسحب محمد عبّو بهدوء ثمّ أعلن غاذي الشواشي انسحابه هو الاخر والكلمة المفتاح في كلتا التجربتين; حركة النهضة.

يُنبأ هجوم الاسلاميين على حزب التيّار الديمقراطي بعد "التسريبات" المزعومة الأخيرة، بأنّ الحركة الاسلاميّة لها دور في الأزمة التي تهدد البيت الداخليّ للتيار، الذي يكوّن مع حركة الشعب القوة البرلمانية الثانية في البلاد. نرى عبد الكريم الهاروني راكضا من منصّة اعلامية الى أخرى، يصف نواب الكتلة الديمقراطيّة بأنهم متطروفون، ويخدمون رئيس الدولة وغرفهُ المظلمة. نور الدين البحيري، اعتبر أنّ "تسريبات محمد عمار" تستوجب فتح تحقيق من النيابة العمومية لكونها تستهدف الأمن العام، أما صهر الرئيس رفيق عبد السلام فأكّد أن التيار يستهدف راشد الغنوشي رأسا ويريد اسقاطه.

الغريبُ في الأمر أن مايقوله القادة الاسلاميون ليس سرّا، لم تخجل حركة الشعب أو التيار من اصطفافهم وراء الرئاسة ولم تنف الكتلة يوما عداءها للاسلام السياسي، ولم يوقّع النواب لائحة سحب الثقة من الغنوشي سرّا. كلّ ما جاءت به التسريبات كان واضحا في الخطّ السياسي للكتلة. وفق مصدر لبيزنس نيوز في التيار، فان اختيار محمد عمار لرئاسة الكتلة كان نتيجة اتفاق على التدول بين الشعب والتيار على رئاسة لجنة الماليّة ورئاسة الكتلة، وكان خيارا وافق عليه الطرفان دون اشكال، لكن يوجد من كان له احتراز على شخص محمد عمّار.

في تجربتي لمؤتمر من أجل الجمهورية ونداء تونس، ينتهي الأمر بمن يتحالف مع النهضة بالتفكك، وتراهن النهضة على ذلك مع التيار الديمقراطي. يصف الاسلاميون غازي الشواشي بأنّه "صوت الحكمة'' وسط التيار الذي يفاخر بمعارضته للحزب الاسلامي، وبما أنّ الأغلبية داخل التيار ترفض التحالف مجددا مع النهضة (أو الحوار معها) فان الشواشي قرر التهديد بالاستقالة من أجل فرض رأيه بالقوّة، رأيه الذي يرفض من جهة أخرى المساندة المطلقة لرئيس الدولة قيس سعيد (العدو الأول للاسلاميين)... محمد عمّار، من أكبر معارض الشواشي داخل الحزب، والشواشي من جهة أخرى ينتقد أداء عمار على رأس الكتلة النيابيّة.

المزاج السياسي للشواشي مختلف عن توجهات العديد من القياديين والشباب بالتيار الذين يتجهون قطيعة مع الاسلاميين يرفضها بشدة غازي الشواشي الذين يظن أنّ الشواشي "أن المواصلة في تغذية الاستقطاب الثنائي الخبيث بين الإسلاميين والتجمعيين، سواء كان عن دراية أو بدونها، سيؤدي إلى تخريب مسار الانتقال الديمقراطي" ويدعو في كل حضور اعلامي للتهدئة والحوار. الاختلاف بين الشواشي ومعارضيه في الحزب هو تموقع الحزب في علاقة برئاسة الجمهورية من جهة والاسلام السياسي من جهة أخرى.

وبعد تداول التسريبات وادعاء أنها تحيل لى تلاعب بالسلطة القضائية من قبل الرئاسة وابتزازا لنواب قلب تونس عبر ملف نبيل القروي نشر عمار في صفحته الرسمية مقطع فيديو علّق فيه: "اتصل بي النائبان معاذ بن ضياف وراشد الخياري راغبين في لقائي، وفوجئت بهما أمام منزلي فاستضفتهما، ورحبت بهما ظنا أنهما يريدان توقيع عريضة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي. وعندما يأتي نواب لدارك مع رغبة شديدة لتغيير المشهد البرلماني، لا يمكن إلا أن ترحب بهم. كان الهدف إمضاء سحب الثقة من رئيس البرلمان.. لكنهم جاؤوا يتاجرون بزميلتهم سلوى بن عائشة، وقالوا إن لها قرضا تريد سداده ويبحثون عن رجال أعمال. وأرادوا أن يطلبوا من رئيس الجمهورية أن يعن لهم وزراء ومعتمدين، يعني مرسلين لضرب رئيس الجمهورية في معركة واضحة”.

وتابع “هؤلاء نواب دخلوا حرمات ديار وسجلوا سرا.. هذي الناس التي تتاجر بالدين ليس هناك من هو أسوأ منهم، يرغبون بتوريط رئيس الجمهورية. ما قاما به جريمة جزائية وسيتم تقديم شكوى قضائية ضدهما.. كما أنه قاما بالتلاعب بالتسجيل. رئيس الجمهورية رجل شريف وأتحداك يا راشد الخياري أن تنشر التسجيل كاملا وخلي الشعب يحكم”.

هل تضرّ التسريبات الصورة الاعتبارية للحزب؟ النهضة ومن كلفتهم بالمناولة وخوض حرب بالوكالة لها يريدون ذلك. لكن ماهي القيمة الفعلية لهذه الثرثرة العادية بين زملاء- لاشيء سواء مزيد من التوضيحات لموقف الاتجاه الغالب في التيار.
صفحة انشئت منذ يومين تحمل اسم “الغرف المظلمة” نشرت هذه التسجيلات التي اقتنصها النائب المتطرف راشد الخياري بطريقة لا أخلاقية حين كان ضيفا لدى محمد عمار في منزله، لا يمكن اعتيار هذه الخطوة المبتذلة التي لاقت ترويجا اعلاميا خاصا من قناة نسمة. مجرد حديث عادي بين شخص وضيفه في حرمة منزله، قصّ ولصق للتحريف المعنى وحملة اعلامية لضرب الخصوم والابتزاز السياسي، تلك هي القصة.

قد يكون سلوك النهضة لصرف انتباه الرأي العام عن أمر آخر يضعف الحركة الاسلامية واختاروا التغطية عليه عبر الترويج لتسريب فارغ لا قيمة له. أجرى كريم عبد السلام، أحد قادة النهضة السابقين، حوار صحفي كشف فيه أسرار الحزب الاسلامي المسؤول عن أحداث باب سويقة الارهابية في التسعينات. وتحدث عن الجناح العسكري للحزب، وتاريخهم الدموي واستعمال ماء الفرق. كان من المقرر بث هذه المقابلة على قناة تلفزيونية لكن الضغط على تلك القناة تسبب في عدم بث الحوار الذي عرضته اذاعة شمس. تزامنا مع كشف أسرار الحزب المتطرف، أصبخ الاسلاميون يهتمون بـ" التسريبات" ويدينونها.