الحوار الوطني أم حلّ البرلمان، ماذا سيختار الرئيس؟
لم تصدر دعوات حلّ البرلمان هذه المرة من "جرحى الانتخابات" أو من الفوضويين الدّاعين لهدم المُنجز الدستوري، بل من أطراف سياسية لها وزن برلماني مُحترم، ومن سياسيين رُصناء، وخبراء في القانون الدستوري اعتبروا أنّه من العبث مواصلة العمل ببرلمان مُطبّع مع العنف والكراهية والتكفير.
الاتحاد ينتظر ..
سامي الطاهري، الامين العام المساعد للاتحاد أكد أنّ المنظمة الشغيلة ما تزال تنتظر رد رئيس الجمهورية قيس سعيد حول مبادرة الحوار الوطني التي قُدّمت له منذ أكثر من أسبوع معلقا أنه يجب التسريع في الحسم إمّا بالقبول أو الرفض.
وأضاف الطاهري في تصريح للمغرب "قبول سعيد بمقترحات إتّحاد الشغل هو ردّ فعل أوّلي ولايعكس أيّ موقف، والإتّحاد يريد إجابة واضحة ورسمية في شكل رفض أو دعوة، وإذا كانت في شكل دعوة فإنّه سينطلق في المفاوضات والمشاورات لتشكيل هيئة الحكماء وضبط خارطة الطريق في روزنامة الحوار، متى ينطلق ومتى ينتهي والمحاور التي سيخوض فيها؟”، مشدّدا على أنّ الوضع لا يحتمل الإنتظار أكثر. فماذا سيختار سيعد..
عبو بعد صمت طويل: حلّ المجلس ضرورة
استقال محمد عبو نهائيا من هياكل الحزب الذي أسسهُ والذي يمثل جزءا من ثاني قوة برلمانية في المجلس، الكتلة الديمقراطية. استقالة أراد بها عبو أن يصبح حرا من واجب التحفظ الحزبي لتعبر مواقفه عنه حصرا دون أن يُتهم الحزب بالراديكالية أو الانقلابية التي اتهم بها الرجل بعد أن نشر تدوينة دعا فيها قيس سعيد الى الحل العاجل لبرلمان العبث، وفق تسميته. دوّن الوزير والأمين العام المستقيل للتيار الديمقراطي محمد عبو على صفحته أن رئيس الدولة قادر على إنهاء ''حالة العبث البرلمانية'' عبر حل مجلس نواب الشعب ودون الاحتكام إلى الفصل 80 من الدستور، ودون خرق أحكام ناصحا رئيس الدولة بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة بنشر قوات عسكرية في مواقع الإنتاج، ومن ثمة تطبيق الأمر عدد 50 لسنة 1978، بوضع السياسيين الذين توفرت في شأنهم معطيات كافية عن فساد واستقواء بالسلطة لحماية أنفسهم أو علاقات تمويل من الخارج تحت الإقامة الجبرية، هم يشكلون خطرا على الاستقرار اليوم، والفوضى ستكون وسيلتهم للإفلات من المحاسبة وهو ذات الموقف الذي يوافقه حاتم المليكي ولطفي المرايحي.
ماذا يقول الدستور ؟
لوح الرئيس التونسي قيس سعيد بالتدخل لوقف الانفلات الذي يجري في البرلمان، دون أن يفسر الخطوة التي قد يلجأ إليها، الدستور في فصلين هما الفصل 77: يتولى رئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينصّ عليها الدستور والفصل 80: لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب.
لم يعبر قيس سعيد صراحة عن نية حل البرلمان لكن الألفاظ التي استخدمها أحالت للذهن تركيبة الفصل 80 المشير الى الخطر الداهم حيث علق سعيد على العنف في البرلمان أثناء زيارة نواب التيار له، بمصطلحات مثل "الخطر ودواليب الدولة واستمرار المؤسسات". وبما أنهلا وجود الى الان لمحكمة دستورية نحتكم اليها، فان سعيد هو المسؤول عن تفسير الدستور وتحديد معنى الخطر الداهم ويمكن اعتبار العنف والتكفير خطرا داهما يعطل سير دواليب الدولة. لكن الاشكال الدستوري في هذه الحالة هو منع حل البرلمان الا عد مرورو 6 أشهر على تعيين الحكومة، وكذلك ضرورة فصل "بقاء البرلمان في حالة انعقاد تام" في الفقرة الثانية من الفصل. من جهة أخرى، الخبير الدستوري الصادق بلعيد أكد أن الفصل 80 من الدستور غامض وغير دقيق ويجب أن يتم المرور الى ابتكار حل للخروج من أزمة ومن خطر داهم معلقا "لا وجود لفصل يتيح حلا.. الحل من خارج الدستور" داعيا سعيد الى تعليق العمل بالدستور وحل المجلس.
النهضة وشركاؤها مرتعبون من حل المجلس
"حل البرلمان عمل عبثي و هو أهم فضاء للحوار. " علق راشد الغنوشي على دعوات حل المجلس الذي يتولى رئاسته بحصيلة كارثية. أكد الغنوشي أنّ الدعوة لحل البرلمان تصدر من أطراف فوضويين واعتبر أن "هذه الدعوات تعدّ نوعا من الهروب إلى الماضي وهو نفس ما قامت به الاتجاهات اليمينية المتطرفة في الغرب " واصفا هذه الدعوات بأنها محاولة لبثّ الفوضى وممعلقا أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد رجل قانون وعاقل ويدرك جيدا أنه لا يستقيم تفعيل الفصل 80 من الدستور.
ساعات بعد تصريح الغنوشي، جاء تصريح الرجل الثاني في النهضة، نورالدين البحيري الذي اعتبر هذه الدعوات انقلابا على الشرعية معلقا أن "إستهداف مؤسسات الدولة بالتحريض على تعطيلها أو حلًها و إسقاطها باستعمال العنف جريمة بكل المقاييس وخيانة للثورة وإنتهاك للدستور والقانون والقيم المشتركة بين التونسيين وتهديد جدي لأمن الوطن وإستقراره ووحدته يقع تحت طائلة القانون ويستوجب المؤاخذة والعقاب."
ولعل تصريحات قياديي الحزب الاسلامي أقل تطرفا من شركاؤهم في قلب تونس الحزب "التقدمي" الذي دعا نائبه عياض اللومي ال اعدام دعاة حل البرلمان في تدوينة صادمة أكد فيها على ضرورة تفعيل الفصل 72 من المجلة الجنائية القاضي بـ"يعاقب بالإعدام مرتكب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي."
وليد جلاد النائب عن تحيا تونس، الذي يشكل جزءا من الائتلاف الداعم للحكومة، استنكر الدعوات الصادرة الداعية لحل المجلس و''عسكرة '' المجتمع وفق تصريحة في احالة الى موقف محمد عبو، الذي "قد يؤدي إلى حرب أهلية" متابعا أن حلّ البرلمان غير دستوري ولكن تعليق عمل مجلس النواب مؤقتا ممكن.
وفي مقابل هذه الدعوات، مازال اتحاد الشغل في انتظار اجابة نهائية من رئيس الدولة حول مباجرة المنظمة الشغيلة لحوار وطني لقي مساندة مبدئية واسعة، الى الان لم يحدد قيس سعيد موقفهُ مما يحيل الى الاذهان ترددا في اختيار الحل للفترة القادمة، هل ستكون عبر الحوار مع الاطراف ذاتها المسببة للأزمة، أم عبر حلول أخرى كحل المجلس، أم هل ينتظر ساكن قرطاج "اللحظة الحاسمة" التي "ستأتي"؟ رئيس الحكومة هشام المشيشي من جهته، الذي لن يكون له أي شرعية في سيناريو حل البرلمان، يواصل التأكيد بأن الحل يكمن في التمس بالحوار والاستقرار السياسي.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires