الحوار الوطني: الفرصة الأخيرة قبل الكارثة !
تراكُمات أسابيع من غلق فانة البيترول، ايقاف إنتاج الفسفاط بولاية قفصة، غلقُ مضخة النفط بمنطقة الدولاب من ولاية القصرين، إغلاق المنطقة الصناعية بولاية قابس، انقطاع في بعض المواد الحيوية كالزيت وقوارير الغاز المنزلي، احتجاجات للمفروزين أمنيا والطلبة والمُعطلين والقضاة والصحفيين، البلدُ على صفيح ساخن وهو يتجه الى ذكراه العاشرة لثورة 14 جانفي، كلّ ذاك، وسط وباء عالمي..
يحاولُ بعض الفاعلون السياسيون أن يروجوا أن عودة الحراك الشعبي تؤذن بتفكك الدولة مُجرّمين التحركات الاجتماعية في خطابات متعالية تلومُ المحتجين السلميين على مزيد تأجيج التوتر، هؤلاء- الذين كانوا منذ اشهر قليلة يُتاجرون بمأساة الفقر ويلبسون رداء "المنقذ" البريء الذي لا يريد أصواتا انتخابية. اخرون، (كائتلاف الكرامة، الذراع الأيمن لتُجار الفقر) كانوا منذ أسابيع يدّعون أنهم حماة الثورة، فنطق زعيمهم سيف الدين مخلوف عن الهوى في مداخلة بجلسة البرلمان أمس مطالبا بتطبيق القانون ضد المحتجين الذين يبتزون الدولة ويجب أن تتصرف معهم "بكلّ حزم" (من استعمل ترى ذلك اللفظ قبل أن يطلق قناصيه على الشعب في 2011؟).
فيما تتوسع رقعة الاحتجاجات ويتصاعد العنف السياسي وينعدمُ الشعور بالأمان، يوجد بعض المُبادرات لحوار وطني يجترح حلا للأزمة التي تتطل برأسها خاصة اقتصاديا، بين شبح الافلاس وتراكم المديونية، وتداعيات الأزمة الصحية. قد لا يملكون الحلّ السحري، لكن ما أحوجنا للحوار بين "رؤساء" يرفضون أن يتكلموا و"نخبة" ترفض أن تُنصت و"قادة" لا يُنتظر منهم غير الشعبوية ودفع الخطاب السياسي، الى القاع.
"مؤتمر انقاذ وطني" هو ما اقترحهُ محسن مرزوق لجمع السياسيين والمتدخلين في الشأن العام حول طاولة النقاش لإحداث مسار آخر للانقاذ الوطني بعيد عن الحكومة خلال مؤتمر وطني. ووجه رئيس مشروع تونس الدعوة لرئيس الجمهورية للقيام بهذه المبادرة صحبة المنظمات الوطنية للجلوس مع الأحزاب وايجاد حلول للنظام الانتخابي والنظام السياسي.
في جوان 2020، وجه مصطفى بن جعفر، الرئيس المجلس التأسيسي سابقا، رسالة عاجلة لقيس سعيد للقيام بدوره في انقاذ ما يمكن انقاذه، أكد السياسي والمعارض السابق، أن الحل للخروج من النفق الخطير الذي دخله المشهد السياسي في تونس هو مائدة مستديرة تجمع كل الأطراف للحوار و الاتفاق حول أولويات تهم مصلحة البلاد و الانطلاق في اتجاه مصالحة وطنية مؤكدا ان وجود شخصية قوية تتمتع بالشرعية والمشروعية في نفس الوقت، وليست طرفًا في الجدل السياسي مثل الرئيس قيس سعيد يمكن ان تساعد في نجاح المبادرة. كان بن جعفر من أول الدعاة إلى حوار وطني للمصالحة لان الوضع في تونس سيكون أخطر إن لم يتم التدخل الفوري و معلقا أن على المبادرة أن تكون من قرطاج باعتبار قيس سعيد رئيسا للجمهورية وهو الشخصية الوحيدة القادرة في الوقت الراهن على جمع المتخاصمين.
طرح الاتحاد التونسي للشغل بعد ذلك الفكرة ذاتها مقترحا بجدية الجلوس الى طاولة الحوار الهادئ الرصين، لتشخيص الداء والاسراع بهُدنة تضمن السلم الاجتماعية وتنصرف لترتيب الأولويات ولانقاذ الاقتصاد. يعمل على إعداد مبادرة وطنية شاملة، سيتقدم بها لاحقا إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد.
" المبادرة التي يعمل على إعدادها فريق من نخبة الخبراء المختصين، تشمل مقترحات وتشخيصا للوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وقد لقيت فكرة إطلاقها ترحيبا من رئيس الجمهورية في لقاء جمعه بأمين عام الاتحاد نور الدين الطبوبي. أكد الطبوبي أن المنظمة العمالية ستطلع الرأي العام الوطني بكافة محاور هذه المبادرة عقب تقديمها رسميا إلى رئيس الجمهورية، مؤكدا، أن أهميتها تنبع في تركيزها على الأولويات الوطنية بما يؤسس لتبديد حيرة المواطنين على مستقبل وحاضر بلادهم بمنأى عن التجاذبات. صيغة تطبيق هذه المبادرة، التي يندرج إطلاقها ضمن التزامات الاتحاد للمرحلة المقبلة في انقاذ البلاد من خلال مقاربة موحدة، مغايرة للحوار الوطني الذي رعاه الاتحاد سنة 2013 مع كل من اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية مما أدى إلى وفاق وطني." يُفسر الأمين العام المساعد للمنظمة، سامي الطاهري، شارحا المبادرة التي طرحها الطبوبي اليوم 30 نوفمبر 2020 على رئيس الدولة.
لم تلق المبادرة ترحابا من العديد من الأحزاب، أمر يدعو للحيرة على اعتبار أن هذه الاحزاب وممثليها في البرلمان ما انفكّوا يدعون الى "حل عاجل"، أليست هذه دعوة صريحة لايجاد حلّ؟ نعم، ولا. ان مبادرة الحوار الوطني هي الخطوة الاولى للحل استئناسا بالتجارب السابقة لذلك أعاد بعض الاحزاب اقتراح الامر ذاته بمسميات مختلفة. لكن النفور السياسي من مقترح المنظمة النقابية يعود لأمرين وفق قراءة أولى: اقتراح اتحاد الشغل أن يكون رئيس الدولة قيس سعيد هو المشرف على الحوار الوطني كونه الشخصية الجامعة ورئيس جميع التونسيين حسب الدستور ويجب على أعلى هرم في السلطة أن يقود الحوار، وهو أمر يرفضه الحزب الاسلامي النهضة وحلفاؤه الذين يعيشون صراعا غير معلن مع قرطاج ولا يمكن أن يقبلوا أن يكون لسعيد اليد العليا في هذا الحوار. لذلك، تكررت تصريحات قيادات النهضة بأن المكان الطبيعي للحوار هو في البرلمان تمهيدا لقيادة راشد الغنوشي المبادرة (الى جانب قياداته البرلمان، والحزب، ومكتبه التنفيذي، والمجرّة...).
الاسلاميون مرتاعون من أن تكون النهضة مجرد مشارك في هذا الحوار كغيرها من الأطراف، لذلك كانت البيانات الأخيرة ترجمة لذلك ملمحة الى ان النهضة هي من دعت للحوار وأنه من الأسلم أن يترؤس قائدها التاريخي المباردة، القائد الذي علق ، إنّ تونس تواجه صعوبات مادية واقتصادية تزامنت مع أزمة صحية وهو ما يدعو إلى حوار وطني اقتصادي واجتماعي شامل ومعمق، عنوانه ''الأوليات الاقتصادية والاجتماعية وسبيل تحقيقها ضمانا لأمن وطننا ونجاح مسارنا وتحسين ظروف عيشنا''. عنوان يشبه الى حد كبير ما قترحه الاتحاد! وتابع الغنوشي أن '' الحوار يجب أن يجمع المنظمات الاجتماعية والمهنية والحكومة والبرلمان والأحزاب لوضع الدولة على سكة الإصلاحات الكبرى.''
وبينما تردد النهضة سببه معلوم، الا أن رفض الدستوري الحر للحوار مردّه الرفض القاطع للجلوس على طاولة الحوار من النهضة اذا كانت جزءا من المبادرة، أحزاب أخرى كمشروع تونس حيّت المبادرة وأكدت التزامها بأي خطوة للخروج الى برّ الأمان، أما تململ أحزاب كقلب تونس وتحيا تونس، وأطراف مثل ائتلاف الكرامة والاصلاح وتوجسها من الاصطفاف خلف المبادرة يُفسر بحساباتها السياسية وتحالف البعض مع النهضة، وخوف مستبطن من تحول المنظمات الوطنية الى ملجأ اجتماعي وحاضنة للحل بينما تعد الاحزاب مُصدّرة للأزمات وخالقة لها، مما يهدد بقلب موازيين القوارى وتحويل وجهة مركز القرار من السياسي البرلماني الى النقابي الاجتماعي.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires