انتهاء المناظرة الرئاسية ... هؤلاء يخسرون السباق لقصر قرطاج
بعد انتهاء المناظرة الرئاسيّة الأولى في تاريخ تونس، والتي جعلت من المترشّحين للإنتخابات الرئاسيّة السابقة لأوانها يتنافسون وجها لوجه بالإجابة عن الأسئلة أمام كافّة الشعب التونسي، أفصحت هذه الأجوبة عن حقيقة برامج المتسابقين على كرسي قرطاج كما أفصحت عن طبيعة شخصيّة كلّ مترشّح ومدى جاهزيته ليكون رئيسا للجمهوريّة.
هذه المناظرة تنتجها التلفزة التونسيّة بالإشتراك مع القطاع الخاصّ السمعي البصري ومبادرة مناظرة وتحت إشراف الهيئة العليا المستقلّة للإنتخابات والهيئة العليا المستقلّة للإتّصال السمعي البصري، وتنقسم المناظرة إلى ثلاثة محاور رئيسيّة تتعلّق بصلاحيّات رئيس الجمهوريّة كما نصّ عليها الدستور، تضمّن المحور الأوّل أسئلة تخصّ الدفاع والأمن القومي والمحور الثاني اهتمّ بالسياسة الخارجية والمحور الثالث تعلّق بالحقوق العامة والفردية والمجالات الحيوية لتونس، كما يترك للمترشّحين في آخر الحصّة فضاء ليعبّر بكلّ حريّة على برنامجه ورؤيته.
خلال ثلاثة حلقات متتالية للمناظرة الرئاسيّة، ابتداء من يوم السبت 7 سبتمبر 2019، إلى حدود يوم الإثنين، اتّضحت الرؤية تقريبا وتبيّن حسب ردود أفعال نشطاء موقع التواصل الإجتماعي ''الفايسبوك''، سقوط العديد من المترشّحين وخروجهم من السباق الإنتخابي من بين 26 مترشّحا، على غرار أربعة مترشّحين مستقلّين وهم عمر منصور، ناجي جلول، محمد الصغيّر النوري والمترشّح المنشق عن حركة النهضة حاتم بولبيار، بالإضافة إلى مرشّح حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري ومرشّح حزب بني وطني سعيد العايدي، ومرشّح عن "إئتلاف الكرامة" سيف الدين مخلوف، والمترشّحة عن حزب الأمل سلمى اللومي.
في هذا المقال بكلّ موضوعيّة وحياديّة، نقدّم لكم تحليلا واضحا تجدون فيه الأسباب التي جعلت هؤلاء المترشّحين للرئاسيّة يحيدون حسب نشطاء موقع التواصل الإجتماعي عن المسار الإنتخابي ويخرجون عن السباق للرئاسيّة، بالطبع انبنت هذه النتائج على مدى جاهزيّة المترشحين في المناظرة الرئاسيّة من الناحية الفكريّة والعمليّة وحتى من الناحية الجسديّة تفسيرا لـ لغة الجسد التي تحمل دلالات لمواصفات المترشّحين.
المترشّح المستقلّ عمر منصور
شارك عمر منصور في أولى حلقات المناظرة الرئاسيّة يوم السبت 7 سبتمبر 2019، ومثّلت طريقة إجاباته على الأسئلة صدمة لكلّ المتابعين مقارنة بمستواه والمناصب التي شغلها، عمر منصور، 61 سنة من العمر، كان واليا لتونس من سبتمبر 2016 إلى غاية أكتوبر 2017، وهو متحصّل على الإجازة في الحقوق من كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، وبعد أن شغل خطة عميد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية تونس1 سنة 2000، عيّن وزيرا للعدل في 6 جانفي 2016، هذه المناصب التي شغلها اختصرناها لكم بإيجاز لأنّه شغل العديد من الخطط الهامّة أيضا، ولكن مترشّح بهذه المواصفات أربكته المناظرة الرئاسيّة، وأظهرت الكثير من العيوب في شخصيته، طبعا حسب ما لاحظه المشاهدون ونحن رصدنا لكم ما تطرّقوا له في شخصه.
''آش لزّك''، ''اللّيلة السيد إلي كانت نهايتو السياسة في هذه الحلقة هو عمر منصور، هذا أول صفر فاصل من غير تفسير للموقف لأنو لا يستحق ذلك''، ''عمر منصور تحسّهم عرفوه ضايع فيها حتى الأسئلة إلي ولاّت تجيه تحسّها متاع ماخذة بالخاطر باش ياخذوه على قد عقلو...خرجوه حرام عليكم''، ''الاستاذ عمر منصور ايه الي جابك هنا يلا ؟ اجري يلا''،''عمر منصور كيما هاك التلميذ الّي دخل للإتحان ما حافظ شيء، في عوض يجاوب على الأسئلة ...عاود كتب السؤال و خرج بعد 5 دقائق''، ''عمر منصور يسخف مسكين موش ناقص باش نزيد عليه حتى الكنترول يا ذنوبي يخلطلو''، هذه كانت بعض التعليقات التي أطلقها نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي من حقوقيين ومثقّفين وباقي الأطياف على طريقة حضور عمر منصور في الحلقة الأولى من المناظرة الرئاسيّة التي بلغت نسبة مشاهدتها على المباشر، 3 ملايين مشاهدة.
اختلف عمر منصور عن باقي المشاركين في المناظرة خلال الحصّة الأولى في طريقة إجابته عن الأسئلة، إذ أنّه لم يحترم الوقت القانوني المخصّص له للإجابة وهو دقيقة و30 ثانية، بل تعمّد الإجابة بإيجاز عندما سئل عن مفهومه للأمن القومي وأجاب باختصار في 40 ثانية، قائلا ''أكتفي بهذا القدر''، وهذا ناتج عن الإرتباك الذّي أصابه وهو في المباشر، بالإضافة إلى عدم تمكّنه من المعلومة الصحيحة للإجابة، كما أنّ طريقة وقوفه أثارت أيضا ردود أفعال كثيرة، عمر منصور لم يكن واقفا كباقي المترشّحين فقد تعمّد أثناء إجابته إلى أن يتّكئ على المنبر وكأنّه في مقهى وليس في منبر إعلامي وعلى المباشر، كما كانت نبرته متلعثمة حتى أنّه أخطأ في نطق بعض المفردات، كما تعمّد الإستشهاد ببعض الفصول والنصوص القانونيّة دون ذكرها، هذه الأشياء جعلت فئة معيّنة من التونسيين يستبعدونه من السباق للرئاسيّة.
المترشّح المستقل ناجي جلّول
شغل المترشّح المستقلّ ناجي جلّول، 62 سنة ، منصب رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية، وكان وزيرا للتربية وعضوا في المكتب السياسي للحزب الجمهوري، قبل أن يستقيل منه في سبتمبر 2013، مرجعا ذلك إلى خلافات أيديولوجية مع قيادته، وفي فيفري 2014 أعلن ناجي جلول عن انضمامه إلى حركة نداء تونس، ناجي جلول استهلّ حواره في المناظرة بالتلميح إلى عجزه عن الإجابة عن سؤال صعب متعلّق بتأمين الحدود التونسيّة من المخاطر الإرهابيّة، قائلا '' ياسر صعيب السؤال''، وعندما سئل عن إمكانية التسريع في بعث المحكمة الدستوريّة، قال '' صعيب السؤال هذا''، وهو ما أثار حفيظة المتابعين الذّين يرون أنّ هذا المترشّح يعجز امام مثل هذه الأسئلة التي تمثّل ركيزة من ركائز الدولة.
وهذه بعض الإنتقادات التي وجّهت له، ''الاسم: ناجي جلول..المهنة: صعيب السؤال هذا''، ''والله لا ترى صوت من المربين كونش من عند اللحاسة والطماعة، لن نغفر لك ما عملته فينا انت تنسى اما احنا ماننساوش الصفحات الي اعملتها والاولياء الي اتهيج فيهم والصفقات الي اعملتهم امتاع الحليب والتبلات والفلوس الي اتبخرت انزيدك والا يزيك''، ''ناجي جلول : لقاها تبكي من هم الرجال قلها اسكتي ناخذك سفساريك وسينوجك ولنڨار''، أيضا أثار تصريحه بأنّه يعلم من أدخل بذورا محوّرة جينيا والتي تسببت في حالات سرطان في تونس، انتقادات كثيرة، أيضا في إجاباته إعتمد التعويم والمغالطة في المقاربات، كما عاب المنتقدون له استعماله لألفاظ الشتم والتقليل من منافسيه، من ناحية لغته الجسديّة، ظهر على هذا المترشّح الإرتباك وعدم الثبات في الوقفة، بالإضافة إلى اعتماده ليديه أثناء إجابته بكثرة وهو دليل على التوتّر ومحاولة إقناع المشاهد، هذا الظهور الإعلامي في مناظرة رئاسيّة هامّة أضرّ بناجي جلول ولم ينفعه في السباق الإنتخابي بل جعله يتهاوى خارج السباق.
المرشّح المستقل محمد الصغيّر النوري
محمد الصغيّر النوري، 69 سنة، دكتور في اقتصاد التنمية، وخبير في التخطيط الاستراتيجي، ومهندس في التقنيات الحديثة، خلال حضوره في الحصّة الثانية من المناظرة الرئاسيّة، كانت أغلب ردود أفعال نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي حول كبر سنّه، وتمّ نقده في طريقة إجابته التي كرّس فيها الحديث عن اللاّمركزيّة مشيرا دائما إلى ولاية سيدي بوزيد مسقط رأسه، بالإضافة إلى أنّ أجوبته كانت سطحيّة، هو أيضا لم يستوفي الوقت المخصّص له للإجابة قائلا ''هذا يكفي''، هذا المترشّح المجهول والغائب عن السّاحة السياسيّة ندّد بتسعة سنوات فشل وقال انّه الوحيد القادر على إنقاذ تونس، ويرى في نفسه فرصة لا مثيل لها لتونس، ولكنّ التونسيين تجاهلوه بنقدهم له، حيث كتب عليه، '' أوّل حاجة أضعف مرشح في الحلقة هو بالطبيعة محمد الصغير النوري لأنو كان موجود بدون حتى أفكار و كانت أجوبته الكل لنقد الحكومات القديمة''.
المرشح حاتم بولبيار
المترشّح المنشق عن حركة النهضة حاتم بولبيار، 48 سنة، متحصل على ماجستير في الفيزياء من جامعة تونس، وعلى الإجازة في التصرف في المؤسسات من جامعة السربون بفرنسا، وعلى شهادة المرحلة الثالثة في نمذجة وتطبيق الفيزياء، له خبرة عالمية في مجال تطوير الأعمال وإدارة المشاريع الكبرى في مجالات ذات العلاقة بالتقنيات الحديثة وتكنولوجيا الاتصالات بعديد البلدان، استقال من حركة النهضة في 25 جويلية 2019 ليؤسس حركة مستقلون ديمقراطيون، بولبيار الشاب الأربعيني كشف للمشاهدين خلال حضوره في الحصّة الثانية من المناظرة، عن صفاته المتعالية وغطرسته، بولبيار تعمّد خرق قوانين المناظرة بترك هاتف الجوال معه وقام بإلتقاط صورة في الحوار ونشرها على موقعه بالإنستغرام، مما أدى إلى حجزه من قبل عدل منفّذ، وأثارت إجاابته بشأن الثروات الطبيعيّة أنّها المادّة الشخمة، نقد كبير من قبل التونسيين وأصبح محلّ سخريّة، بالإضافة إلى خروجه عن سياق الأسئلة.
''حاتم بولبيار أتحفنا في المناظرة بغبائه المفرط''، ''حاتم بولبيار سألوه عن الثروات الطبيعية فقال: عندنا 900 طبيب يهاجرون سنويا''، ''تصوّرت أنو هذا حاتم بولبيار ينجم يكون مفاجأة في هذه الانتخابات طلع السيد أفرغ من الفراغ حافض زوز كلمات يحب يولي رئيس و أفكارو الكل انهزامية و فارغة''، هذه كانت بعض ردود أفعال التونسيين الذّين علّقوا على بولبيار واعتبروا ترشّحه للرئاسيّة بعد خروجه من النهضة فقط هي وسيلة لكي يحافظ على ظهوره في المشهد السياسي لا أكثر.
المرشّح سعيد العايدي
المرشّح عن حزب بني وطني، سعيد العايدي، 58 سنة، كان وزيرا للتكوين المهني والتشغيل في حكومة محمد الغنوشي ثم حكومة الباجي قائد السبسي، كما تولى منصب وزير الصحة في حكومة الحبيب الصيد من فيفري 2015 إلى أوت 2016، لم تقنع أجوبته التونسيين ولا حتى برنامجه الإنتخابي، هو بدوره توجّه بنقد الصحفيين وطالبهم بمناداته باسمه الكامل كما هو موجود في الورقة التي قدّمها لهما، قائلا '' أطالب يذكر اسمي كاملا .. اسمي سعيد علي مروان العايدي''.
المترشّح محمد لطفي المرايحي
سياسي وكاتب وطبيب، أسس المرايحي حزب الإتّحاد الشعبي الجمهوري منذ ثماني سنوات، وترأّس جمعية الإبداع الموسيقي كما أشرف على إدارة العديد من المهرجانات الثقافية وأنتج العديد من البرامج الإذاعية، لم يكن هذا المترشّح معروفا وخلال أوّل ظهور له في ''ساكن قرطاج''، وجد ترحابا كبيرا زاده ثقة في نفسه، ولكن هذا الترحاب سرعان ما تبدّد خلال مشاركته في المناظرة الرئاسيّة التي فهمه فيها الشعب على حقيقته، المرايحي ليس له أيّ برنامج يعنى بالأطفال، المرايحي مفاهيمه للحداثة متضاربة، وهو مرشّح متشنّج وعصبي، كما قام هو أيضا بخرق قوانين المناظرة وأدخل معه وثيقة وحين تمّ كشفها لم يرد تسليمها للعدل منفّذ.
''تصرف فيه الكثير من الغطرسة من المرشح لطفي المرايحي الذي أدخل معه كتابا للپلاتو وقام بإظهاره رغم أن قانون المناظرة يمنع ذلك. ولما طلب منه العدل المنفذ المشرف على احترام تطبيق نظام المناظرة تسليمه الكتاب، رفض ذلك بكل رعونة وعدوانية''، وبهذه التصرّفات جعل المرايحي الكثير من متابعيه الرجوع عن رأيهم ونبذه.
المترشّحة سلمى اللومي
سلمى اللّومي، 63 سنة، شغلت العديد من المناصب العليا في الدّولة، وكانت وزيرة السياحة سنة 2016، ثمّ عيّنت وزيرة للديوان الرئاسي سنة 2018، من قبل رئيس الجمهوريّة، اللومي رئيسة حزب الأمل، شاركت في الحصّة الثالثة من المناظرة الرئاسيّة، وكان وجودها من بين المترشّحين ضعيف من حيث الإجابات والتحليل الجيّد وطريقة طرح برنامجها، ولم تسلم من نقد التونسيين كغيرها من المتسابقين، اللومي غلب عليها الخوف والإرتباك أمام الشعب، لدرجة انّها نسيت السؤال وهو ما دفع بالصحفي إعادة السؤال لها.
''مدام سلمى اللومي اقنعت التونسيين والتونسيات بأن لا يصوتوا لها ....نرجو ان تقنع نفسها بضرورة الانسحاب من السباق''، ''ايا باهي يا مدام سلمى هاك ترشحت على حساب مرا أخرى... آش عملت فيها توا؟؟ ارتحت؟ بردت على قلبك؟ خليت النساء ضحكة؟؟ ربي يسامحك''، هذه بعض التعليقات على سلمى اللومي التي خيّبت ظنّ النساء التونسيات بضعف حضورها وسوء تناولها لبرنامجها الإنتخابي وطريقتها في الإجابة بالتلعثم وعدم نطق الكلمات بطريقة صحيحة.
المرشّح سيف الدين مخلوف
المترشح للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها عن إئتلاف الكرامة، سيف الدين مخلوف، 44 سنة، لم يضف الكثير في ظهوره الإعلامي خلال المناظرة الرئاسيّة، حاصل على الماجستير في علوم الإجرام من كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، ركّز في أجوبته كلّها على مقاومة فرنسا وضرورة التشفّي منها وإعادة حقوق التونسيين.
تمكّنت هذه المناظرة التاريخيّة الفريدة من نوعها، من كشف حقيقة ضعف بعض المترشّحين فيما تمكّن البعض الآخر من اجتياز هذا الإختبار بصعوبة، ولكن يبقى الإختبار الحقيقي تحمّل مسؤولية رئاسة الجمهوريّة التي لم يعد يفصلنا عنها سوى أربعة أيام، ليشارك التونسيين يوم الأحد 15 سبتمبر في العمليّة الإنتخابية الديمقراطيّة للمرّة الثانية من تاريخ الثورة التونسيّة.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires