السيادة من القاعدة إلى المركز - البرنامج الانتخابي لقيس سعيّد
17 سبتمبر 2019 هيئة الانتخابات تعلن عن النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية وتقر بمرور الثنائي قيس سعيد ونبيل القروي إلى الدور الثاني بنسبة 18 فاصل 4 بالمائة لسعيد و15 فاصل 6 بالمائة للقروي. واعتبر كثيرون أن هذه النتائج تعّد الأكثر غموضا على الإطلاق بصعود قيس سعيد الذي لم يقم بتاتا بحملة انتخابية ولم يتجاوز التناول الإعلامي له بضع سويعات من البث المباشر بمختلف المحطات التلفزية فلا هو تجول في المدن ولا معلقات إشهارية له علاوة على عدم وجود حزب خلفه.
قيس سعيّد يتساءل الجميع عن الهوية الإيديولوجية والسياسية للرئيس المحتمل لتونس خلال الفترة المقبلة، هو الشخص الذي يصادق جميع الأطراف من أقصى الإسلاميين إلى أقصى اليسار وهو ما يبينه ظهوره في مختلف التظاهرات الفكرية بمختلف ألوانها الفكرية والسياسية.
وبالتمعن في البرنامج الانتخابي والمشروع السياسي الذي يقدمه سعيد في مستوى الصلاحيات التي يسمح له بها الدستور، نكتشف نبذة عن أفكاره الأساسية، فيما يتعلق بالأمن القومي والسياسة الخارجية وحماية الدستور والمبادرات التشريعية التي يرمي إلى اقتراحها.
وبالعودة إلى المناظرة التلفزية التي حضرها سعيد رفقة المترشحين الأخرين فقد تحدث عن ملامح من برنامجه المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية حيث أكد أنه مع الإعدام في الجرائم التي يحكمها القانون بعد محاكمة عادلة لافتا إلى أن الجرائم التي تهدد المجتمع يجب أن ينفذ فيها الإعدام قائلا: '' الدولة يجب أن تكون قوية وتطبق القانون''
أما بخصوص المبادرات حول الإحاطة بشهداء الأمن والجيش أكد انه سيقدم مشروع قانون للإحاطة بعائلات الشهداء والجرحى. وأفاد كذلك أنه سيبعث مؤسسة تسمى مؤسسة وفاء للإحاطة بشهداء وجرحى الأمن والجيش كي يظلوا في الذكرى.
وفي مستوى العلاقات الخارجية عموما فقد تحدث على ضرورة ارتقاء العرب إلى مستوى القرار والبحث عن سبل جديدة ترتقي بالأمة إلى صناعة تاريخ جديد. وتابع أن من الضروري الابتعاد عن الفقه التقليدي القادم من وراء البحار اعتبر أن تونس ذات مجتمع منسجم وتابع أن من اختار أي دين لا وصاية للدولة عليه والحديث عن خلافات دينية مبالغ فيه. وأضاف كذلك أنه من الضروري التحول إلى مجتمع القانون لافتا إلى أنه لا يمكن إثارة القضايا التي تجعل التونسيين في انقسام بعيدا عن المشاكل الاقتصادية. وتعهد بأدوات قانونية جديدة ترتقي إلى مستوى القرار لتحقيق إرادته وتحقيق الأهداف النبيلة للشباب الذي يعرف ما يريد.
في الحقيقة لم يرتبط برنامج سعيد بما يخوله له الدستور وانطلق في تقديم تصور جديد للمجتمع ويقوم هذا التصور من المحلي إلى الجهوي ثم إلى المركزي حتى تكون التشريعات الوطنية تشريعات تعبر عن إرادة الشعب، كما تحدث عن تعديل الدستور ومكافحة الفساد. وحسب سعيّد يمكن تركيز هذا المشروع واقعيا من خلال تجسيد سيادة الشعب من القاعدة إلى المركز وذلك من خلال:
المجالس المحلية
وقدم تركيبة المجلس المحلي الذي يتكون من سبعة أعضاء منتخبين بالاقتراع العام والحر والمباشر بالأغلبية في دورتين وممثلين عن الإدارات المحلية إن وجدت وممثل عن ذوي الحاجيات الخصوصية في كل عمادة. ومن شروط الترشح لهذه المجالس المحلية تزكية المترشح من قبل عدد من الناخبين والناخبات بالتناصف في مستوى كل عمادة على أن يكون ربع التزكيات من شباب لم يتجاوزا ال 35 سنة وكل مترشح يجب أن يكون إبن المنطقة ويعلم كل خصوصياتها وأي سرقة أو تدليس للتزكيات يحرم بموجبها من الانتخاب. ومن وظائف هذا المجلس المحلي هو اقتراح وضع مشاريع تنموية محليا ومتابعة تنفيذها.
المجالس الجهوية:
يتركب المجلس الجهوي من أعضاء يمثلون المجالس المحلية بحساب عضو عن كل مجلس محلي ويتم التداول في تمثيل كل مجلس من قبل أحد أعضائه وتنظم قرعة لإختيار الترتيب في التمثيل في مستوى المجلس الجهوي. ويتواجد في المجلس الجهوي مديرو الإدارات الجهوية بالولاية وممثل عن الأشخاص ذوي الاحتياجات الخصوصية. وتعمل على التأليف بين مختلف المشاريع التنموية المحلية التي تمّ وضعها من قبل المجالس المحلية في كل معتمدية.
المجلس التشريعي الوطني
265 نائبا ينتخبهم أعضاء المجالس المحلية بحساب نائب عن كل مجلس و12 نائبا عن التونسيين بالخارج ويتم انتخابهم في قائمة مفتوحة ويحدد القانون الانتخابي عدد المترشحين في كل دائرة انتخابية خارج تونس.
السيادة للشعب
تتجسد حسب برنامج قيس سعيد من خلال وكالة النواب القابلة للسحب وذلك من خلال إمكانية سحب الثقة من النائب الذي لم يعد يحظى بثقة الناخبين في الدائرة التي انتخب فيها وذلك بتقديم لائحة من قبل عشر الناخبين المرسمين وتنظم على إثرها عملية انتخابية لوضع حد لوكالة النائب. ويتم وضع حد لوكالة النائب إذا صوتت الأغلبية المطلقة من الناخبين في سحب الثقة منه. وشدد سعيد أن هذا يعتبر تجسيدا حقيقيا لسيادة الشعب في محاسبة نوابه وسحب الثقة في حال انحرافهم عن المبادئ والبرامج التي انتخبوا لأجلها. ويكرس هذا التصور القاعدي للمجتمع عملية الانطلاق من القاعدة إلى أعلى السلطة وتكريس سيادة الشعب وفق تصور سعيد للمجتمع. لكن لسائل أن يسأل كيف سيتمكن سعيد في حال فوزه في الرئاسية في الدور الثاني من تنفيذ برنامجه ومشروعه دون كتلة برلمانية تمكنه من تعديل الدستور والنظام السياسي وتجسيد خطته وتصوره للمجتمع.
لا يمكن تنفيذ برامج سياسية واقتصادية للمجتمع دون كتلة برلمانية قوية لتتمكن من تمرير القوانين والضغط النيابي على البرلمان من أجل تمرير المشاريع التي تتبناها ، وهذا الطرح الجديد يمكن أن يجد حاضنة برلمانية له في حال أعلنت كتلة عن مساندتها للرئيس وهو ما ستكشفه التشريعية. ولعّل بعض القائمات المستقلة ستتبنى برنامج سعيّد، تفصلنا أيام قليلة عن معرفة نتائج الانتخابات الرئاسية في دورها الثاني والتي ستحدد رئيس تونس لخمسة سنوات بين الثنائي سعيد والقروي.
سناء عدوني
تعليقك
Commentaires