الإنتخابات التشريعيّة شقّقت الجبهة الشعبيّة
كشف اقتراب الإنتخابات الرئاسيّة المقبلة في تونس، معدن العلاقة بين مكوّنات الأحزاب والتي تبيّن بالمكشوف أنها علاقات تخفي في باطنها زوبعة من التنازع والتناحر من أجل إعتلاء كرسي الرئاسة والحصول على مقعد في مجلس نوّاب الشعب.
ائتلاف الجبهة الشعبيّة اليساري المعارض في تونس، التفّ حوله العديد من المواطنين بعد الثورة حين تكوّنت الجبهة في 7 أكتوبر 2012، لتضم العديد من الأحزاب مثل حزب العمال، وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين وغيرهم من الأحزاب اليساريّة والقومية التي تهدف للدّفاع عن صوت الشعب والإنتصار لحقّ المواطن التونسي في الحياة بكلّ حريّة وأريحيّة بعيدا عن الصراعات السياسية، وسرعان ما اهتزّت وحدة هذه المكوّنات وأصابها إنشقاق أدّى إلى تصدّع الجبهة وإنقسامها.
أزمة ائتلاف الجبهة الشعبيّة
بعد سبع سنوات من النضال في صفّ واحد، والعمل على تحقيق أهداف موحّدة، مثّلت الانتخابات التشريعيّة المقبلة النقطة التي أفاضت الكأس وانكسرت بسببها وحدة مكوّنات ائتلاف الجبهة الشعبيّة، في 28 ماي 2019، قدّم تسعة أعضاء من كتلة الجبهة في البرلمان إستقالتهم بسبب إختلاف المواقف والآراء حول من سيمثّل الحركة في الإنتخابات الرئاسيّة، الناطق الرسمي باسم إئتلاف الجبهة الشعبية حمّة الهمّامي أم القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد منجي الرحوي، وخيّر الوطد الخروج من كتلة الجبهة واعتبروا أنّ الهمّامي متفرّد بالرّأي والقرارات وهو يعتبر نفسه الوصيّ الرسمي على كتلة الجبهة الشعبيّة.
تأسيس حزب سياسي جديد ''الجبهة الشعبيّة''
بعد خروجهم من كتلة الجبهة الشعبيّة، قام التسعة أعضاء المنشقين وهم أحمد الصديق وزياد الأخضر والمنجي الرحوي وأمين العلوي وهيكل بن بلقاسم ونزار عمامي وفتحي الشامخي وعبد المومن بالعانس وشفيق العيادي، بتحضير ملف لتأسيس حزب سياسي جديد، وقاموا يوم 3 جوان 2019، بإعلام الهيئة العليا المستقلّة للإنتخابات بهذا الحزب،الّذي قرّروا تسميته بنفس إسم الجبهة الشعبية الحالي، وأعلن زياد الأخضر، أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين، يوم 15 جوان 2019، إأنهم سيخضون الانتخابات تحت إسم نفس الإئتلاف، الجبهة الشعبية، في هذا السياق أعلنت يوم الإثنين 22 جويلية 2019، مصالح الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، عن تأسيس حزب جديد تحت إسم ''حزب الجبهة الشعبية'' ورئيسته صفاء الذوادي.
وأكّد القيادي في الوطد منجي الرحوي أنّ هذا الحزب الجديد سيكون منفتح ومتحرّر من كل أشكال الديكتاتورية والمواقف السلبيّة، وإنّ هذه الجبهة ستخوض الإنتخابات التشريعيّة بقائماتها ومن أهدافها أن تكون صانعة للقرار ولها مكانة داخل السلطة لتخلق قرارات وإصلاحات لفائدة الشعب في المستقبل.
موقف حمّة الهمّامي من الحزب الجديد
اعتبر الناطق الرّسمي باسم إئتلاف الجبهة الشعبية منح تأشيرة لتأسيس حزب جديد يحمل نفس إسم الجبهة الحاليّة تعدّيا صارخا على إئتلاف الجبهة الشعبية وسطو عليها، وقال إنّ محمد الفاضل محفوظ، الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان الذّي أعلمه بتكوين حزب جديد يحمل نفس إسم الجبهة الشعبيّة هو ''وزير لا يمكن أن يكون قد تحصل على جائزة نوبل للسلام بل جائزة نوبل للتدليس''. ولم يكتفي بهذا الحدّ فقط، بل قام إئتلاف الجبهة بإصدار بيان تنديدي واستنكاري لقرار رئاسة الحكومة التي أعطت التأشيرة لتأسيس ذلك الحزب، واعتبروا هذا بمثابة التحيّل القانوني والسياسي، واتّهموا محمد فاضل محفوظ بالتواطؤ مع قيادات حزبية في الوطد الموحد لإسناد تأشيرة الحزب الجديد كمرحلة أولى للاستحواذ لاحقا على اسم الجبهة الشعبية.
بالإضافة إلى ذلك دخلت قائمات ائتلاف الجبهة الشعبية وعدد آخر من المناضلين في اعتصامات في معظم الدوائر الانتخابية بما في ذلك المقر المركزي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس العاصمة، يوم أمس الإثنين 22 جويلية 2019، وبباقي الدوائر الإنتخابية بكامل ولايات الجمهوريّة، احتجاجا على ملاحظة "تطابق أو تشابه في التسمية مع حزب مكوّن قانونيا، معتبرين منح التأشيرة لحزب الجبهة الشعبيّة تحيل سياسي قامت به حكومة يوسف الشاهد في إطار صفقة وصفوها بـ ''القذرة'' مع بعض العناصر اليمينية المنشقّة عن الجبهة بهدف إلحاق الضرر بها، وطالب المعتصمون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالتدخل للحيلولة دون الاستيلاء على "تسمية الجبهة ورمزها" عملا بأحكام القانون الانتخابي وخاصة ما يتعلق بتلافي ما من شأنه بثّ الضبابية وإرباك الناخبين، مؤكدين على أنّ ما أقدمت عليه حكومة الشاهد وخاصة فاضل محفوظ وزير حقوق الإنسان والعلاقة مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني إنما هو تمهيد للتلاعب بمقومات العملية الانتخابية والمسّ من نزاهتها وشفافيتها وتزوير لإرادة الناخبين. وقام ائتلاف الجبهة الشعبية بتقدّيم قائماته التشريعيّة يوم 22 جويلية 2019، في 19 دائرة داخل تونس وخارجها.
محمد الفاضل محفوظ يردّ على اتّهامات حمّة الهمّامي
قال الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، محمد الفاضل محفوظ، اليوم الثلاثاء 23 جويلية 2019، أنّ الحزب السياسي الجديد ''الجبهة الشعبيّة''، ، تمّ إحداثه والموافقة عليه بعد أن إستوفى كلّ الشروط القانونيّة للملف من بطاقة عدد ثلاثة، وبطاقة التعريف الوطنية ويتضمّن القانون الأساسي ومحضر يؤرّخ لهذا الملف، وتاريخه يوم 11 جوان 2019 وتمّ إيداعه يوم 13 جوان من نفس السنة، وبيّن أنّ القانون يمنعه من عرقلة نشاط أي حزب سياسي قانوني، وأكّد أنّه لا يحمل أي ضغينة أو مشكل إظاء الناطق الرسمي باسم ائتلاف الجبهة الشعبيّة حمّة الهمامي، وأفاد أنّ اتهامات الهمامي له لم يتوقّعها منه، خاصّة وأنّ الهمامي تعمّد اتهامه دون إستناد منه على أدلّة وحجج تدعّم موقفه.
ائتلاف الجبهة الشعبية، الذي يعد أكبر ائتلاف حزبي يساري في تونس، تشتّت ودخل في صراعات ومناوشات أدّت إلى إنشقاقات داخله وكلّ شقّ يسابق الآخر من أجل التمركز في الإنتخابات التشريعيّة والرئاسيّة، هذه عيّنة عن باقي الأحزاب التي إنشغلت بتشكيل قائماتها الإنتخابيّة والصراع من أجل تقلّد مناصب الحكم داخل مجلس النواب الذّي لم يقدر إلى هذا اليوم أن ينتخب أعضاء المحكمة الدستوريّة ولا حتى أعضاء الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد.
بين غياب المحكمة الدستوريّة وعدم إمضاء رئيس الجمهوريّة على تعديلات القانون الإنتخابي، تعيش تونس حالة من الغليان السياسي الذّي تشهد نتائجه حالة من الضبابية والغموض وفي هذه الفوضى أضاع المواطن التونسي البوصلة وتغيّرت إختياراته وتلوّنت نتيجة تشنّج الأحزاب السياسية المتقلّبة.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires