alexametrics
الأولى

الذكرى الثالثة لملحمة بن قردان: هزيمة ''الإسلام الغاضب'' المتواصلة

مدّة القراءة : 3 دقيقة
الذكرى الثالثة لملحمة بن قردان:  هزيمة ''الإسلام الغاضب'' المتواصلة

 

'بلادي قبل أولادي .. وطني قبل بطني"  -والد سارة الموثق، شهيدة ملحمة بن قردان.  

 

هذه الجملة الوجيزةُ شكلاً، والعظيمةُ معنى، انطلقت من لسانِ والد سارة إلى الكونْ، مُعلنةً إنتصارنـا بنون الجمع ومتخطيّة حدود التجربة الفردية الضيقة، إلى ساحةِ التجربة الوطنيّة الجماعية، مختزلة دون تكلّف ملحمة بن قردان، متى أثبتت تونس أنّ أرضها كانت ولازالت مقبرة للغـزاة، متى برهن هذا الشّعب على فرادتهِ المركبة، متى أكد جيشنا الوطني مدى صلابة عقيدته الوطنية، متى أشرقت شمسُ 7 مارس 2016 من الجنوب.

  فجر يوم الإثنين، أول أيام ربيع 2016، تسرب إلينا الظلاّمُ عبر شريطنا الحدودي مع ليبيا: مجموعة إرهابيّة تبلغ من العدد حوالي 60 مقاتلا، تنوي إقامة إمارة داعشية بالجنوب تكون أول خطوات السيطرة على بقية تونس. أُذّن للفجر، ومع أول كلمات المؤذن انطلقت في سماء بن ڨردان أول طلقة نارية، وكلاهما وجهان لدين واحد مع اختلاف السياقات، نداءانِ لعباداتان، واحدة تعلن السلام، وواحدة تعلن الحرب. رافقت تكبيرات المؤذن "بالجامع الكبير" ببنقردان دعوات إلى الجهاد من مكبرّات صوت شاحنات جابت المدينة، تدعو إلى عصيان الدولة ''الكافرة وطواغيتها''.  بالتوازي، هاجمت مجموعة مسلّحة الثكنة العسكرية، وتوجهت عناصر ارهابية أخرى إلى مستشفى المدينة.

 

استيقظ أهالي بنقردان على حركة غير عادية في مدينتهم، المدينة التي تعني تسميتها ''حارس الحصن''  من الترجمة الفرنسية لكلمة  gardien. أطلوا من شرفات منازلهم، من النوافذ، من الأسطح، ليدركوا أن مدينتهم تحت هجوم داعشيّ لاحت راياتهُ السود بيّنة للعلن. ودون تدريب عسكري مسبق أو إطار قانوني يُلزمهم، نزلوا إلى ميدان المعركة، عُـزّلا، فُرادى، ليلتحموا بالجنود والأمنيين.

 

ومع ساعات الصبح الأولى، ازداد عدد المواطنين، معاضدين، داعمين لقوات الأمن والجيش الوطنيين دون أن تثنيهم طلقات "الآر بي جي" ودون أن يهابوا الوعيد بالسحل والذبح. كانوا جنب الى جنب على خطّ النار، وصنعوا معًا مجدا عسكريا وإجتماعيا فريدًا، تظافر فيه الجانب الإستراتجيّ والميداني، بلحمة إجتماعيّة غربية، صدّت الفوضى والرعب اللذان يجتاحان المدن في العادة مع كل هجوم إرهابي. لُحمة وتضامن كانا حجر الأساس في إدارة الصدّ بنجاح: لا يخفى أن الإرهابيين يراهنون على تهالك العزائم وعلى الحرب النفسية التي تسبق المواجهة والتي تجعل الإختراق أسهل. وفي هذا المثال الفريد، قامت إدراة الصد على جانبين، الأول كان نفسيّـا رفع المعنويّات وشحذ العزائم والثاني كان حرفية وسرعة قوات الأمن والجيش اللذان ردّوا الهجمة بالهجمة والصدمة بالصدمة، واختاروا الهجوم بدل الدفاع، فكانت الحصيلة القضاء على 36 إرهابيا في ذلك الصباح وحده، و55 إرهابيا في المجمل، مع إعتقال 11 منهم، والكشف عن مخابئ بها مئات الأسلحة والقنابل الذين كانوا يعدّونها عتادًا لفرض الشرع بالنار والحديد في إمارتهم الجديدة. يُمنى إذن تنظيم داعش بخسارة هي الأكبر في تاريخه القذر-القصير، في أقل من 24 ساعة.

لئن قدر إرهابيو داعش على إختراق الحدود وتسللوا تحت ستار الليل إلى أرض النار والنور حيث ٱحترقوا غير مأسوف عليهم، فإنهم لم يقدروا على إختراق الحاجز الأقوى والأبقى: زادنا البشري النوعي الذي نراهن عليه، نكران الذات الذي نظهره حين يتعلق الأمر بالوطن، إنتماؤنا ووطنيّتنا التي صنعت هذا النصر الذي تابعه العالم، وأضحى إستثناءً في التاريخ الحديث للشعوب، أن يشتبك المدني والعسكريّ على أرض واحدة في مواجهة التطرف. بالإضافة إلى أن هذه المناسبة أثبتت مدى تماسك أجهزة الدولة، ومدى حسن تدريب وإستعداد جيشنا الوطني الذي، أثبت ككلّ مرة وحدة هذا الشعب.

 

 

تجسدت الإرادة الشعبية والرسميّة لتحطم مخطط التمدد والتأسيس لما يسمّى بدولة الخلافة، انسحبت المأساة السورية والليبيّة على التفكير الجماعي للتونسيين، محذّرة من مصير مماثل إذا ماتركوا للتطرف مجالا بينهم، أو إذا ما تراءى للشاب التونسي الذي يواجه عراقيلا إجتماعيّة جعلته محبطا، أن معاداة الدولة وحمل السلاح لإشباع رغبة السلطة هو الحلّ. التمثل الشعبي الجماعي للتطرف صار الذبح والقتل والتنكيل، وهي صور يرفضها وعي التونسي المؤمن بالدولة، لذلك صار دون أن يدري متشبعا بحسّ التضامن والتظافر ضد عدو مشترك يهدد حاضره ومستقبله. لايمكننا أن ننكر أن الحرب ضد الإرهاب حرب طويلة النفس، أساسها الوقاية من التطرف ضمن المجتمع. فدون هذه الخطوة ينهار بقية المسار، والتونسييون في الطريق الصحيح ينبني المسار على أربع ركائز، هي الوقاية من التطرف، الحماية منه، تتبعه ثم الرد عليه. وهذا المسار في حد ذاته هو ترجمة لرؤية التونسيين في مواجهة الإرهاب كما تجلى في ملحمة بن قردان: ليست مهمة وزارة الداخلية وحدها، بل هي مهمة مجتمعية. الوقاية تمر عبر التيقظ من كل أشكال التطرف داخل الحلقات المضيقة كالأسرة، الجامعة، العمل وهذا هو الجانب المجتمعي الذي تعول عليه الدولة التونسية في إستراتجيتها لمكافحة الإرهاب، أي أن يكون الحل "من الداخل". أما الحماية هي تعزيز الدعامات القانونية والتشىيعية كقانون الإرهاب مثلا ثم التتبع والرد وهما عمل وزارة الداخليّة، أخر قلاعنا ضدّ هذا السرطان الذي تسرب إلى جارتنا الشرقية ليبيا وهدد ذات ربيع من سنة 2016 أنه سيقيم دولته الموعودة على أرضنا.

 

نعيش اليوم الذكرى الثالثة لملحمة بن قردان، الإنتصار هذه المرة، جاء تونسيا، كان درسًا في معنى الوطنيّة ومحاربة التطرّف.

 لقد أثبتت التونسي اتخذ موقفه النهائي من التطرّف، فلا هو "إسلام غاضب" ولا هم "أبناؤنا، ويذكروننا بشبابنا"، هو العدو لهذه الدولة الوطنية التي بنتها أجيال ونريدها أن تظل بِنا حرة مستقلة، مدنية، في كلّ مكان فيها.

 عبير سعيدي قاسمي

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter