الذكرى الأولى لرحيل صالح الزغيدي .. الثائر العنيد
سنة مرت على رحيل صالح الزغيدي ففي مثل هذا اليوم أي 2 أفريل من عام 2018 شاع هذا الخبر الأليم بين التونسيين قبل أن تكتسح التدوينات والبيانات مواقع التواصل الإجتماعي معددة مناقب الرجل وخصاله، لكنها لم تخل للأسف الشديد من تعاليق تحمل في طياتها شتائم حقيرة ومخزية في حق مدافع عنيد عن حقوق الإنسان وعن العلمانية.
كل من عرف صالح الزغيدي، من قريب أو بعيد، باستطاعته التأكيد على خصال رجل وشخصية عاشقة للحياة في أحلى مظاهرها وتجلياتها .. من لا يتذكر ذلك الرجل السخي في عطائه، النشط والحيوي، بابتسامته المعهودة ؟.. كلنا فقدنا ذاك المناضل الشرس ذي العطاء اللامتناهي في كل القضايا والصراعات المجتمعية منذ عقود، من أجل مجتمع متحضر وبلد متقدم وقد كسب في نهاية المطاف قضيته ومعركته ضد الظلاميين.
مسيرته النضالية، منذ ستينيات القرن الماضي، دليل قاطع على قناعاته الراسخة، فصالح الزغيدي كان يدافع بشراسة لا متناهية من أجل تحقيق العدالة الإجتماعية والمساواة بين النساء والرجال والحريات النقابية والسياسية وعن العلمانية دون شك.
بعد الثورة وارتقاء الترويكا إلى سدة الحكم، اتخذ الزغيدي من النهضة ومن الصعود القوي للإسلام السياسي، عدوه الأول .. كان في مقدمة أولئك المعارضين للإسلاميين، فقد كان يكشف وهو الأعزل إلا من قلمه، خبايا وخفايا خططهم، عبر تحذير الرأي العام مما قد يصيب تونس، إذا فسح الديمقراطيون المجال للإسلاميين.
طوال السنوات التي تلت الثورة، ساهمت مقالات وتحركات صالح الزغيدي في إثراء النقاش الساسي في البلاد واليوم يفقد الديمقراطيون التونسيون برحيله، مناضلا ومحاربا عنيدا وصلبا.
الحملة الوضيعة التي شنها ضده البعض قصد تشويه سمعته، فور الإعلان عن وفاته، تعكس الكثير عما كان يمثله الرجل من إزعاج لأصحاب القلوب المريضة .. لأنه كان يزعجهم ويقلق راحتهم بصراحته وشجاعة مواقفه .. هم حفنة من الرجعيين ابتهجوا لرحيله، غير عابئين بحُرقة عائلته ورفاقه، كاشفين بذلك عن الوجوه الحقيقية لأناس حاقدين وعنيفين لطالما حذرنا الفقيد منهم.
منذ الستينيات، قضى صالح الزغيدي حياته في الدفاع عن قناعاته وذلك إلى أيامه الأخيرة.. كلنا يذكر آخر ظهور علني مميز له بمناسبة المسيرة الوطنية الحاشدة من أجل المساواة في الميراث والتي انتظمت يوم 10 مارس 2018 أي قبل أيام فقط من تعرضه لوعكة صحية أصابته على مستوى الدماغ، ما استدعى نقله إلى المستشفى حيث فارق الحياة في سن ناهزت 77 عاما، وسط حالة من التأثر واللوعة على رحيله.
"رحل أبي محاطا برفاقه وذويه وبكم أيضا نساء ورجالا .. فلا تنسوا ابتسامته الجميلة وعشقه للحياة" .. بهذه العبارات المؤثرة أعلنت ابنته مريم الزغيدي عدّة عن وفاة والدها الذي برحيله طويت صفحة من تاريخ تونس الحديث.
صالح الزغيدي كان رمزا من رموز اليسار التونسي .. تم سجنه في 1968 مع الآفاقيين .. فضلا عن انتماءاته السايسية كان الرجل نقابيا محنكا صلب المركزية النقابية القوية، الإتحاد العام التونسي للشغل. كما ساهم في تأسيس الجامعة العامة للبنوك والمؤسسات المالية، مدافعا عن حقوق أعوان وعمّال هذا القطاع. كما كان عضوا في الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان .. مشهود له بحركيته ونشاطه صلب المجتمع المدني، أخذ عهدا على نفسه بأن يناضل من أجل القيم والمبادئ الإنسانية العزيزة على قلبه والثمينة لدى جيل يتوق إلى الحرية.
وبمناسبة إحياء الذكرى الأولى لوفاته سيتم تنظيم موكب "بسيط" بحضور رفاق دربه بفضاء التياترو يوم 8 أفريل الجاري على الساعة الخامسة مساء، لتخليد ذكراه، وفق ما أعلنت عن عائلة الزغيدي الذي رحل عنا وهو في أوج العطاء .. سنفتقد مسيرته وتجربته الواسعة في صراعات تتأهب تونس لمواجهتها، لكنه ترك إرثا كبيرا قوامه الفكر التفدمي والإلتزام غير المشروط بالدفاع عن القضايا العادلة والنبيلة .. رحل عنا لكنه ترك فينا ذكرى رجل يمقت الظلامية، متشبع بمعاني وقيم الحرية .. ذكرى ثائر عنيد.
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires