السلالة الهندية تُهدّد تونس بتسونامي إصابات ووفيات بكورونا

حالة من الرُعب والذُعر أصابت الشعب التونسي ليلة البارحة الأربعاء 23 جوان 2021، بعد إعلان وزارة الصحة التونسية أنّ مصالحها رصدت بعد سلسلة عمليّات من التقطيع الجينيّ الجزئيّ 6 حالات عدوى بالسلالة الهنديّة المتحوّرة لفيروس كورونا المستجدّ. ولازالت عمليات التقطيع الجينيّ متواصلة حتّى تصدر النتائج النهائيّة لحالات العدوى بالسلالة الهنديّة واجتمعت اللجنة العلميّة لمجابهة فيروس كورونا صبيحة اليوم الخميس للنظر في نتائج التقطيع الجينيّ ومختلف التدابير التي سيتمّ إقرارها تبعا لذلك.

وتزامنا مع خبر دخول السلالة الهندية إلى تونس، كشف وزارة الصحة أنّ عدد الإصابات اليومي بفيروس كورونا وصل إلى ذروته بعد أن تمّ تسجيل 3638 حالة إصابة يوم الثلاثاء 22 جوان الجاري. هذه المؤشرات الوبائية الخطرة زادت من مخاوف المواطنين خاصّة من السلالة الهندية التي خلّفت آلاف الضحايا في دولة الهند منذ أكتوبر الفارط في وضع صحي صعب تشهده كلّ ولايات تونس وارتفاع متواصل في عدد الوفيات وصفه الأطباء والخبراء بالتسونامي كورونا. 

السلالة الهندية " أو "بي.1. 617" ، هي سلالة من النوع الفرعي 2 (sous-type 2) تمّ التفطن لها لأوّل مرة في شهر أكتوبر 2020 في ولاية ماهاراشترا غرب الهند وتتميز هذه السلالة بسرعة انتشارها وسرعة نقلها للعدوى. تتشارك السلالة الهندية مع باقي السلالات في بعض الأعراض على غرار فقدان حاسة الشم والتذوق و تؤدي أيضا إلى صعوبة في التنفس لكنّها تتميز بوجود طفرتين  الطفرة أولى تدعى E484Q تشبه نسبيا طفرة السلالة البرازيلية والجنوب افريقية (E484K) والطفرة الثانية  L452R تم الاشتباه في وجودها في الولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد في ولاية كاليفورنيا. كما أنّ السلالة الهندية بدأت بالإنتشار في البلدان العربية بعد رصدها في المغرب والجزائر والأردن وأمام خطورة هذه السلالة وسرعة انتشارها فرضت دول عربية وهي  لبنان وعُمان والكويت والسودان والأردن والإمارات والعراق قيودا مشددة على القادمين من الهند ومن جهتها منعت أستراليا وصول المسافرين من الهند إلى أراضيها.

وكانت منظمة الصحة العالمية بتاريخ 10 ماي الجاري، قد صنّفت السلالة الهندية إلى قائمة السلالات ''المقلقة'' نظرا للمعطيات التي توفرت للمنظمة حول خطورتها وسرعة انتشارها. مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس كان قد تحدث في مؤتمر صحفي يوم 28 أفريل الفارط، قد وصف السلالة الهندية في الهند بعد تجاوزها لنسب الخطورة التي تم الإعلان عنها في عدة دول من العالم ''تسونامي الموت''.  و"دلتا" أو السلالة الهندية هي رابع سلالة تعتبرها منظمة الصحة العالمية "متحورا مثيرا للقلق" بعد "ألفا" التي اكتشفت للمرة الأولى في المملكة المتحدة و"بيتا" الجنوب أفريقية و"غاما" التي وجدت في البرازيل. وأصبحت السلالة معروفة علميا باسم "B.1.617" وصُنّفت مثيرة للقلق بسبب نموها السريع الذي وصل إلى 6 في المئة بالنسبة للعينات الإيجابية في الولايات المتحدة و91 في المائة بالنسبة لعينات المملكة المتحدة، بحسب ما نقلته شبكة "سي إن إن".

هذه السلالة الهندية ''دلتا'' الخطيرة والتي فتكت بالهند وبالعديد من الدول الأخرى، شهدت تحوّرا جديدا وفقا لما أعلنته الهند يوم أمس الأربعاء، حيث تمّ اكتشاف حوالي 40 حالة إصابة بطفرة جديدة تتبع سلالة "دلتا" من فيروس كورونا المستجد ويبدو أنها تجعله أكثر قابلية للعدوى. والمتحور الذي أطلق عليه "دلتا بلس"  هو سلالة فرعية لمتحور "دلتا" الذي تم اكتشافه لأول مرة في الهند واكتسبت السلالة الفرعية طفرة بروتينية تسمى K417N تم رصدها أيضا في سلالة "بيتا" ( B.1.351) التي تم اكتشافها أول مرة في جنوب أفريقيا. وتم رصد 197 حالة على الأقل لـ"دلتا بلس" في 11 دولة، منذ 16 جوان الجاري، وفق رويترز، وهي: بريطانيا (36)، وكندا (1)، والهند (8)، واليابان (15)، ونيبال (3)، وبولندا (9)، والبرتغال (22)، وروسيا (1)، وسويسرا (18)، وتركيا (1)، والولايات المتحدة (83).

أكدت خبيرة منظمة الصحة العالمية ماريا فان كيركوف يوم الإثنين الفارط، أنّ متحوّر ''دلتا''من فيروس كورونا المكتشف لأول مرة في الهند، تم تسجيله في 92 دولة حتى الآن. وقالت إنّ السلالة الهندية دلتا تُثير قلقا خاصا لأنه معدي بشكل كبير وينتشر بسرعة في جميع أنحاء العالم، وهذا يرجع أيضا إلى عدم الامتثال لتدابير الوقاية الاجتماعية والصحية في مختلف البلدان. وأشارت الدكتورة ماريا فان كيركوف، في مؤتمر صحفي بمقر المنظمة بجنيف، إلى دراسة حديثة بحثت في متحور ''دلتا'' وتؤكد أنّ اللقاحات مازالت فعالة ضد متحورات فيروس كورونا بما في ذلك متحور دلتا وتنتج الأجسام المضادة، معتبرة أن الحماية الكاملة تتوفر بحصول الشخص على جرعتي اللقاح، مشددة على ضرورة الحفاظ على التدابير الاحترازية للوقاية من الفيروس ومتحوّراته لأنّ لا أحدا يعرف ماذا سيحدث في المستقبل.

''تسونامي كورونا'' تعيشه تونس أمام انتشار السلالة الهندية ''دلتا'' وأمام منظومة صحية ضعيفة في كلّ الولايات على الرّغم من المجهودات التي تبذلها وزارة الصحة لدعم الجهات وعلى الرّغم من المساعدات التي يقدّمها المجتمع المدني ورجال الأعمال داخل تونس وخارجها. يوميا تنتشر على مواقع التواصل الإجتماعي صورا تُبرز حالات كارثية بالمستشفيات في القيروان وباجة وزغوان وفي عديد من الولايات الأخرى، صور تُبرز المرضى بكوفيد يفترشون الأرضية نظرا لعدم وجود أسرّة وحالات أخرى مغمى عليها. 

كما أنّ فيروس كورونا فتك بالأطفال في ولاية القيروان حيث سجّلت الولاية ثالث وفاة في صفوف الأطفال ويبلغ من العمر 9 سنوات ويأوي قسم الأطفال بمستشفى ابن الجزار حاليا 11 طفل من بينهم 3 رضع بالتنفس الاصطناعي. ووفقا لرئيس قسم الأطفال بمستشفى ابن الجزار بالقيروان حسين متجول، فإنّ قسم الأطفال يستقبل يوميا بين 3 إلى 4 أطفال داعيا الأولياء إلى توخي مزيد الحذر. وكان رئيس لجنة اللقاحات باللجنة العلمية هاشمي الوزير قد رجّح اليوم  أنّه من المُحتمل أنّ السلالة الهنديّة قد انتشرت في ولاية القيروان، مؤكّدا أنّ بعض العيّنات من القيروان كانت من السلالة الهندية وفق التقطيع الجيني. من مميزات هذه السلالة أنّها تصيب الفئات العمرية الشابة والأطفال، وتكون أعراضها خطيرة منذ بداية فترة حضانة الفيروس. 

اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا اجتمعت صبيحة اليوم الخميس، وعبّرت عن تخوفّها الكبير من تطوّر الوضع الصحي في البلاد إلى الأسوأ و انتشار سلالات جديدة متحورة، واقترحت مجموعة من القرارات الجديدة والتي سيتمّ رفعها للّجنة الوطنية في انتظار ما ستؤول إليه قرارات الحكومة. وقد أفصح الهاشمي الوزير  أنّ اللجنة اقترحت الحجر الصحي الكامل للمناطق اللي فيها انتشار سريع أكثر من 400 حالة في أسبوعين على مائة ألف ساكن، وتقديم توقيت حظر الجولان لمنع التجمعات الليليّة، والقيام بحملات تلقيح عاجلة في المناطق الموبوءة مُعلنا أنّ الحجر الصحي الشامل غير مقترح ومستبعد ويجب استهداف المناطق التي انتشر فيها الفيروس وليس جميع الولايات. وأكّد أنّ تونس تتوقع كميات منتظرة من فايزر (500 ألف) و مليون جرعة من منظومة كوفاكس، كاشفا أنه سيتم التلقيح قريبا في صيدليات القطاع الخاصّ من أجل رفع عمليات التطعيم.

الناطقة باسم اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا جليلة بن خليل، صرّحت اليوم أنّ نسبة سرعة انتشار السلالة الهندية من الفيروس التاجي تتجاوز 60 بالمائة مقارنة مع السلالات أخرى. وقالت بن خليل أنّه من غير المستبعد أن تكون السلالة الهندية  موجودة في القيروان بالنظر إلى عامل سرعة انتشارها وخطورتها. وأقرت الدكتورة  أنه كان من المتوقّع دخول هذه السلالة إلى تونس على غرار السلالة البريطانية، مشيرة من جهة أخرى إلى أن السلالة البرازيلية التي تم اكتشافها لدى شخص قادم من إيطاليا مازالت حالة معزولة. بدورها وصفت الأستاذة الجامعية الاستشفائية المبرزة في المناعة بمعهد باستور تونس، سمر صمود، الوضع الوبائي في تونس بـ ''الكارثي''، محذرة من خطورة السلالة المتحورة الهندية  "دلتا" (B1.617.2) وكشفت أنّها تمسّ الفئات العمرية الأقل سنا، وأشارت أنّ 65 بالمائة من سكان الهند ممن أصيبوا بهذه السلالة أعمارهم أقل من 45 سنة. وذكرت أن هذه السلالة تحمل 3 طفرات منها ما يمكنها من الهروب من الردة المناعية ومنها ما يتسبب في سرعة الانتشار. وتتمثل أعراض السلالة الهندية، في أوجاع في الرأس والعضلات والاسهال وفقدان حاستي الشم والتذوق وتكون أعراضها شبيهة بنزلة البرد، ولذلك أوصت المصابين بأعراض نزلة البرد أن يأخذوا حذرهم ويقوموا بالعزل الصحي الذاتي تحسبا لاحتمال الاصابة بكورونا.

وكانت وزارة الصحة اليوم الخميس قد كشفت عن قائمة  المعتمديات التي تشهد معدل إنتشار عدوى مرتفع جدّا (أكثر من 400 حالة على كل 100 ألف ساكن) إضافة إلى الولايات التي تفوق نسبة الحالات بها 400 حالة لكل 100 ألف ساكن (القيروان، باجة،زغوان، سليانة) والتي تم الإعلان عنها. فيما يلي قائمة المعتمديات التي تشهد معدل إنتشار عدوى مرتفع جدّا (أكثر من 400 حالة على كل 100 ألف ساكن) وهي كالتالي  ولاية منوبة معتمدية منوبة وطبربة وولاية نابل  وولاية بنزرت معتمدية جومين وولاية الكاف بمعتمديتي  الكاف الشرقية والكاف الغربية، بالإضافة إلى ولاية سيدي بوزيد في معتمديتي سيدي بوزيد والمكناسي السعيدة وولاية مدنين في  بن ڤردان ولاية تطاوين في رمادة.

بعد أن كانت ولاية القيروان تستغيث أصبحت كلّ ولايات تونس تستغيث بعد ثُبوت وجود السلالة الهندية في تونس، ''دلتا'' الهندية سريعة الإنتشار بنسبة 60 بالمائة وتُعتبر أشرس وأخطر انتشارا من السلالة البريطانية. في انتظار ما ستقّرره الحكومة من قرارات للحدّ من انتشار الوباء، يجب على كلّ المواطنين الإلتزام بالإجراءات الوقائية الصحية وعدم الهلع والخوف.

يسرى رياحي