تنظيف تونس مقبول .. تدنيس معالمها الأثريّة ممنوع
تحت شعار ''حالة وعي''، وشعار ''نحبّوا بلادنا نظيفة .. نحبّوا نعيشوا بلڨدا''، أطلقت مجموعة كبيرة من الشباب التونسي يوم الأحد 13 أكتوبر 2019، تزامنا مع فوز المرشّح المستقلّ قيس سعيّد بمنصب رئاسة الجمهوريّة، مبادرة وطنيّة تُعنى بالقيام بحملات نظافة في كامل ولايات الجمهوريّة.
انطلقت هذه المبادرة على صفحات موقع التواصل الإجتماعي ''الفايسبوك''، حيث دعا هؤلاء الشباب إلى تنظيف الشوارع التونسيّة، كما أطلقوا حملة ''إلغاء الحصانة'' على النوّاب بالبرلمان، بالإضافة إلى حملة ''استهلك تونسي'' التي لاقت رواجا كبيرا، وحملة ''مقاطعة الغلاء''، للتّخفيض في أسعار المُنتجات والمواد الغذائيّة، وحملة التوقّف عن ''الترسكيّة'' في وسائل النقل، كما أطلقوا حملة ''دينار دينار'' لمساعدة الفقراء وترميم الأماكن العموميّة.
مبادرة تنظيف الفضاءات العامّة والأحياء الكبرى تهدف في بعدها الرّمزي إلى تكريس مصلحة تونس وفيها دعوة للسياسيّين إلى ضرورة التعاطي من موقعهم من أجل تحقيق المصلحة الوطنيّة.
لاقت مبادرة حملة النظافة رواجا كبيرا في ''الفايسبوك''، واستحسنها مئات الشباب بالعديد من الولايات، وأصبحت هذه الحملة عبارة عن منافسة بينهم، وعمد الشباب بكلّ ولايات الجمهوريّة تقريبا، إلى جمع المال وقاموا بأعمال صيانة وترميم للعديد من الأزقّة وتنظيف الكثير من الشوارع وتزيّينها، وقاموا بتنظيف الشواطئ وتزيينها وزرع الورود ودهن الأرصفة ورسم ممرّات التلاميذ أمام المدارس وتزويق حاويات الفضلات وتخصيص كل حاوية لصنف معين من الفضلات، كما قاموا برسم مخطّطات وشعارات على الجدران.
وجعل هؤلاء الشباب، الفضاء الإفتراضي ''الفايسبوك''، مجالا لتبادل الأفكار والإقتراحات التي تساعد على إنجاح مبادرة النظافة، في الشوارع التّونسيّة وفي الفضاءات العامّة والأماكن العموميّة على غرار المستشفيات، كما قاموا في هذا الفضاء بالضغط على كلّ المواطنين لتوسيع حملة النظافة، وترسيخ ثقافة الإعتناء بالمدن وصيانة الأماكن العامّة، وتغيّير ''عقليّة التونسي''، وتبادل الشباب صور تجسّد حملة النظافة والصيانة التي قاموا بها في مختلف الولايات.
انتشرت هذه الحملة على أوسع نطاق، وكان لها صدى إيجابي لدى وزارة الشؤون المحلية والبيئة لتتفاعل معها، حيث دعت البلديات لتعبئة جميع الإمكانيات من آليات ومعدات وأكياس في سبيل معاضدة هذه المبادرة التطوعية المواطنية. ولاقت رواجا كبيرا على المستوى الدّولي، حتى أنّ وسائل الإعلام الأجنبيّة باتت تتحدّث عن هذه الحملة والبعض من هذه الوسائل الإعلاميّة ستقوم بتغطيّة حملة النّظافة الشاملة ، التي تمّ تحديد موعدها نهاية هذا الأسبوع، يوم الأحد 20 أكتوبر 2019، تحت شعار ''نظّف بلادك'' والتي ستشمل كامل ولايات الجمهوريّة.
حالة من الوعيّ أصابت الشباب والشعب التونسي بمختلف فئاته العمريّة، بين عشيّة وضحاها، إذ أصبح الكلّ يبادر بتنظيف الشوارع، كما اتّخذ البعض الآخر من مدارج المسرح البلدي بالعاصمة والمقاهي مكانا لقراءة الكُتب، هذا السّلوك الجديد يبدو غريبا، وهذا التغيّر المفاجئ جعل معظم الأشخاص يتسائلون في ماهية هذا التحوّل السريع وعلاقته بانتخاب رئيس جديد يعرف بنظافته وثقافته.
صحيح أنّ هذه الحالة إيجابيّة وتعود بالمنفعة والمصلحة لتونس، ولكن عندما تصبح حالة الوعيّ هذه ممزوجة بالقليل من اللاّوعيّ يسبّب ذلك أثرا سلبيا، وهو ما تجسّد في قيام بعض الشباب بتلويث وتشويه بعض المعالم الأثريّة، حيث قاموا بتلوين أرصفة أنهج المدينة العتيقة بتونس العاصمة، وبتلوين مدارج فسقيّة الأغالبة بولاية القيروان، أيضا تلوين أرصفة أحد المدن العتيقة الأخرى، هذه معالم أثريّة ولا يجب التدخّل فيها دون استشارة المعهد الوطني للتّراث الخاصّ بكلّ ولاية.
ندّد الكثير من المواطنين بهذا التصرّف اللاّمسؤول واللاّواعي، واعتبروا ذلك انتهاكا لحرمة المعالم الأثرية بتونس، وأطلق روّاد ''الفايسبوك'' حملة إستهزاء من الشباب الذي إتّخذ تلوين كلّ الجدران والأرصفة والأنهج بطريقة عشوائيّة مبادرة لتجميل المُدن، وفسّروا لهم أنّ طلاء أرصفة الشوارع باللّون الأحمر والأبيض تسبّب في خلق مشكلة لدى سائقي السيارات فهي تمنع الوقوف، ودعوا هؤلاء الشباب إلى طلاء الأرصفة بلون موحّد، أيضا اعتبر هؤلاء أنّ كثرة الألوان بين الأصفر والأخضر والأحمر، يندرج ضمن قلّة الذّوق وتشويه الشوارع.
وزارة الثقافة والمعهد الوطني للتّراث، قاما بإصدار بيان موحّد، اعتبروا فيه أنّ تلوين المعالم الأثرية هو تعدّي صارخ على التراث الوطني وتشويه له، كما أنّ مجلّة حماية التراث الأثري والتاريخـي والفنون التقليدية تمنع ذلك. وزارة الثقافة أكدت أنّها تتفهم حرص المواطنين على نظافة المدن وتجميلها لكن الجهة الوحيدة المخوّلة قانونيا التدخّل في المواقع والمعالم التاريخية هي المعهد الوطني للتراث.
وشدّدت الوزارة على صيانة حرمة المعالم التاريخية وعدم تشويهها أو إلحاق الضرر بها، داعية السلط المحلية التدخّل العاجل لمنع هذه الأفعال المخلّة بالذّوق العام والمهددة للتراث الوطني. وتدخّل أعوان المعهد الوطني للتٍّاث بتونس، وأعادوا تهيئة أزقة المدينة العتيقة التي تمّ دهنها مساء أمس الخميس، بألوان متنوّعة من قبل مجموعة من الشباب المتطوّعين.
أصبحت حملة النظافة والتزويق والصيانة محلّ سخريّة الكثير من النّاس، والسبب يعود إلى طلاء الأزقّة والأرصفة باللّون الأصفر والأحمر والأخضر، حتى أنّ البعض نشر صورة لخريطة تونس بهذه الألوان الثلاث فقط، حتى أنّ البعض خُيِّل لهم أنّ قصر قرطاج سيتمّ تلوينه أيضا بهذه الألوان، هذه الحملة لا يجب أن تخرج عن إطارها، ويجب أن تستمر تحت إشراف وزارة الشؤون المحليّة ووزارة الثقافة وبتدخّل المعهد الوطني للتّراث.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires