صندوق للزكاة - محاولة النهضة البائسة للاستثمار في الفقر
حركة النهضة تقترح اطلاق صندوق للزكاة
مشروع قانون الماليّة 2020 : إسقاط الفصل المتعلّق بإحداث صندوق زكاة
سيف الدين مخلوف: حسبنا الله ونعم الوكيل في من لم يصوّت لصندوق الزكاة
الغنوشي: الترويكا أكثر حكومة عملت من أجل الفقراء
حركة النهضة صاحبة المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية والمتحصلة على رئاسة البرلمان، تحاول منذ فترة كسب ود التونسيين وحصد ما تيسّر من الرضا بشتى الطرق أمام ما تشهده من صراعات داخلية أثرت على صورة الحزب خارجيا.
منذ شهر سبتمبر وتحضيرا للحصول على قاعدة انتخابية هامة في الانتخابات التشريعية، فالظاهر أن حركة النهضة لم تتحمل الخسارة المدوية التي حققتها في الانتخابات الرئاسية وبعد أن فقدت قاعدتها الشعبية، وجدت أن الخطابات الشعبوية قد تعيد لها قاعدتها و"تنصفها" في الانتخابات التشريعية، فاختارت أن توظّف مفردات تحاول من خلالها أن تقترب من الشعب باقحام الدين في السياسة علّها تسترجع ما يمكن استرجاعه من منخرطيها. فقد كتب رئيس الحركة راشد الغنوشي وقتها تدوينة على صفحته الرسمية فايسبوك، أكّد فيها أن حكومة الترويكا كانت من "أكثر حكومة عملت من أجل الفقراء والمناطق الداخلية المهمشة وأقرّت في أحد مجالسها الوزارية إنشاء صندوق للزكاة حتى تمكن الفقراء من حقهم الذي "حرموا" منه إلا أن بعض الأطراف "المؤدلجة" رفضت تمريره وقالت "نحن نقبل أن نستدين من الخارج على أن نقرّ صندوقا للزكاة".
اليوم وبعد وصولها إلى البرلمان كأكبر كتلة، تقدمت حركة النهضة بمقترح إحداث صندوق للزكاة ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2020 تحت عنوان "الزكاة والتبرعات". وستخصص مداخيل هذا الصندوق لفائدة الطلبة والتلاميذ والعائلات المعوزة والأيتام وفاقدي السند وأعلنت الحركة عن بعث هيئة وطنية لتسيير هذا الصندوق تضم ممثلين عن رئاسة الحكومة، وزارة المالية، وزارة الشؤون الدينية ووزارة الشؤون الاجتماعية، كما يضم هذا الهيكل الذي سيشرف على الصندوق كلا من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ديوان الافتاء، جامعة الزيتونة، دار المحاسبات، الجمعية الوطنية للزكاة ودار المحاسبين، وتتوقع حركة النهضة أن تتجاوز مداخيل هذا الصندوق بـ 2 مليار دينار.
توالت ردود الأفعال بعد ذلك بين مؤيد ومعارض بين مرحّب ومشجّب بين مؤيد لفكرة المشروع وبين الرافض لهذا المقترح لما فيه من خلط بين الجانب الديني والمدني.
نور الدين البحيري رئيس كتلة حركة النهضة صرّح لراديو موزاييك أف أم بأن مقترح الكتلة بإحداث صندوق زكاة يأتي بهدف تلبية احتياجات الطبقات الفقيرة في ظلّ عجز الدولة عن توفير احتياجات هذه الفئة ومكافحة مظاهر الفقر والتسوّل والوضعيات الهشة ووضع حدّ لمعاناتها عبر هذا الصندوق. وأكد البحيري أنّ ''صندوق الزكاة'' لا يشبه في اي شيء صندوق 26/26 الذي تم إحداثه خلال عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي والذي حاد التصرف في أمواله عن الأغراض المخصّص لها.
رئيس كتلة ائتلاف الكرامة بمجلس نواب الشعب، سيف الدين مخلوف أوضح أن الكتلة ستصوّت لفائدة مقترح حركة النهضة المتعلق باحداث صندوق للزكاة الذي اعتبره حل جذري للقضاء على معضلة الفقر. مخلوف بيّن أن رفض هذا المقترح من بعض الأطراف كان بسبب اسمه "الزكاة".
أحزاب أخرى كان لها رأي مخالف، وكانت رافضة لهذا المقترح شكلا ومضمونا، رئيس كتلة قلب تونس حاتم المليكي أكّد أنهم سيصوّتون ضدّ انشاء صندوق للزكاة وبيّن في تصريح لراديو شمس أف أم أن الصيغة التي قدمتها حركة النهضة ليست واضحة إن كان صندوقا للزكاة أو للتبرعات وأن تركيبة الهيئة التي ستشرف على الصندوق فيها جانب ديني وجانب مدني وهذا خلط بين الجانبين.
بعض الوجوه السياسية كذلك أبدت رأيها في هذا الموضوع، حيث أشار وزير المالية الأسبق حسين الديماسي أن بعث صندوق للزكاة هو محاولة من حركة النهضة لإحداث دولة موازية للدولة المدنية وهولا يتماشى والدولة المدنية الحديثة المتعارف عليها. وشدّد الديماسي على أن صندوق الزكاة ليست له جدوى اقتصادية وان أرادت الدولة إعطاء بعض من أموال الأغنياء للفقراء فبإمكانها سن قانون عادي يفي بالغرض. وأن تقديم هذا المقترح ليس حبا في العدالة الاجتماعية بل توجد وراءه غاية سياسية.
فكرة صندوق للزكاة بالرغم من مزاياه التي تسوّقها له حركة النهضة، إلا أن الشارع التونسي يرفضه وعلى ما يبدو فإن من اهم الأسباب لهذا الرفض هو اقترانه بصندوق 26- 26 الذي أحدث في عهد زين العابدين بن علي وكان واجهة لسرقة المال العمومي وأنه في الظاهر يكون اراديا وبصفة عفوية لكنه تحوّل بعد ذلك إلى صيغة إلزامية وفي بعض الأحيان يعاقب من لا يدفع.
لهذا السبب ولغيره تمّ اليوم الثلاثاء 10 ديسمبر 2019، اسقاط الفصل المتعلق بإحداث صندوق للزكاة في الجلسة العامة التي حضرها رئيس البرلمان راشد الغنوشي ووزير المالية رضا شلغوم مع الوفد المرافق له بمجلس نواب الشعب، بـ 93 صوت ضدّ، مقابل 74 موافق و17 متحفظ.
واجهة أخرى من واجهات النهضة في الاستقطاب أرادت الاستثمار فيها عن طريق محاولتها الاهتمام بالفئات المفقرة والمهمشة، لكن التونسي لن يطبّع مرة أخرى مع هذه الأشكال وخاصة ما كان له علاقة بالصناديق المدافعة في ظاهرها عن قوته اليومي ورفعه درجات بعيدا عن خطّ الفقر، لكن في باطنها هي محاولة لللعب على الذقون واستغلال المال العام وعدم الشفافية.
حركة النهضة التي تحكم المشهد السياسي منذ ما يزيد عن 8 سنوات وصاحبة المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية والمتحصلة على رئاسة البرلمان، بكل ما لها من هيمنة ونفوذ سياسي وبقدر تمسكها بدواليب الدولة إلا أنها تجد نفسها عاجزة عن تمرير مقترحها وتفشل في تحصيل اجماع برلماني بأغلبية الأصوات لصندوق زكاتها.
رفض النواب المصادقة على مقترح انشاء صندوق للزكاة تقف وراءه عوامل عدّة، أهمها أن التونسي أصبح له حساسية مفرطة تجاه ما يسمى بالصناديق "الخيرية" والبعض الآخر لم يقبله فقط لأنه مقترح حركة النهضة، تعددت الأسباب لكن الغاية واحدة وهي رفض كل ما يقترن بالفساد والضبابية.
مروى يوسف
تعليقك
Commentaires