أَذِلاَّءُ الكرامة..
يوجد على الأقّل ثلاثة نواب من ائتلاف الكرامة الاسلاميّ فارّون من العدالة ومطلوبون من السلطات ومكروهون من قبل المواطنين. هؤلاء نفسهم، هم من كانوا قبل ثلاثة أسابيع يعتقدون أنهم أفضلُ النواب والأكثر صدقًا وإخلاصًا بين الطبقة السياسية التونسية بأكملها.
أصدر قاضي التحقيق بالمحكمة العسكرية مساء أمس بطاقة ايداع بحق نائبي الكرامة عبد اللطيف علوي ومحمد العفاس. عضو آخر في هذا الائتلاف المُتطرف أُصدرت ضده البطاقة ذاتها، نضال السعودي. يُضاف إلى هؤلاء الثلاثة راشد خياري، المنتخب عن دائرة منوبة على قائمات "الحزب" نفسه والذي استقال منه بعد أشهر قليلة من الانتخابات. وسيُضاف إلى هذه الرباعية الأسبوع المقبل اسما سيف الدين مخلوف رئيس "الحزب" وماهر زيد.
وباستثناء راشد خياري -الأكثر تطرفا بين هؤلاء- فإن الإسلاميين الأربعة متورطون في قضية غزوة المطار. في مارس الماضي ، اقتحم هؤلاء المتطرفون مطار تونس قرطاج وسط هلع المواطنين والأجانب، في محاولة لإجبار شرطة الحدود على السماح لسيدة ذات شُبهة ارهابية بالسفر، مصنفة ضمن الاجراء الحدودي S17. هاجم النواب المطار لترويع أعوان الأمن بالمطار، محاولين اقتحام الحاجز الحدودي والاشتباك معهم ببلطجتهم المعهودة.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها فيها نواب الكرامة ارهاب وترهيب سلطات إنفاذ القانون ففي جويلية 2020 مُنع عضو في هذا الائتلاف من دخول البرلمان لأنه هو أيضًا مصنف S17 لنفس الاشتباه في تورطه في قضية إرهابية. تجمّع سيف الدين مخلوف وأعضاء كتلته النيابية أمام ضباط الحرس الرئاسي المسؤولين عن أمن البرلمان، لإهانتهم أمام الكاميرات والاعتداء عليهم ومعارضة تعليماتهم.
ليست تلك المرة الأولى التي يتواجد فيها نواب الكرامة في أماكن، لا ينبغي أن يكونوا فيها. فالنائب التكفيريّ محمد العفاس أراد المشاركة بالقوة في اجتماع لمسؤولي الصحة بمستشفى بصفاقس. على الرغم من أن المسؤولين أوضحوا له أنه غير مسموح له بالتواجد في الاجتماع إلا أن النائب رفض ذلك مما أدى الى تشابك جسديّ، والاسراع برفع النيابة العمومية قضية على الفور لسجن "المعتدين عليه من النقابيين" رغم مئات القضايا العاجلة الأخرى التي لم تنظر فيها النيابة...
إن الدافع وراء اعتداءات أعضاء الكرامة المتعددة هو اقتناعهم العميق بأن البلطجة تتنزل ضمن حقوقهم الأساسيّة، كما أنهم مدفوعون بإفلاتهم من العقاب والحماية التي يوفرها لهم رئيس البرلمان راشد الغنوشي، داخل المجلس وحتّى خارجه، في قصور العدالة. يكفي أن يقولوا في كل مرة إنهم نواب شعب وبالتالي يتمتعون بالحصانة البرلمانية رغم أنّ هذه الحصانة لا تغطي سوى العمل البرلماني. فحتى حين كانوا مُتلبسين، وقامو بأعمال عنف أمام عدسات الكاميرا ، واعتدوا جسديا على زملاؤهم وهاجموا مقرا سياديّا وروّعوا المواطنين.. أغمضت النيابة أعينها، وتم القاء القضايا جميعها في أسفل الدرج.
الصمت والتواطؤ لم يمنعا القوى الحية في البلاد من الرد على الكتلة المارقة، من نقابة الصحفيين التي قررت مقاطعتها اعلاميا، والنقابات والمنظمات والجمعيات التي أدانت أعمالهم الاجراميّة، وحتى رئاسة البرلمان التي ردت ببيان موجز يدين العنف الذي يمارسونه.
لطالما كان رد فعل نواب هذه الكتلة هو نفسه: مقاطع الفيديو والتدوينات التي تهاجم كل من ينتقدهم وتحرّض ضدهم. أكبر ضحايهم هم وسائل الإعلام و الاتحاد العام التونسي للشغل. لا يكاد يمر يوم دون أن يوجه أحد هؤلاء الخارجين عن القانون إهانة لصحفي أو نقابي ورمي الاتهامات الباطلة ضد الصحفيين بأنهم يتقاضون أجرا من فرنسا (لوسائل الإعلام الناطقة بالفرنسية) أو الإمارات (لوسائل الإعلام الناطقة بالعربية).
وبدلاً من النقد الذاتي لأنفسهم ومحاولة فهم أسباب هذ المقاطعة الاعلامية والنقد الشديد، ضاعف نواب الكتلة المارقة الإهانات والاستفزازات. لم يعودوا يشوهون شرف الصحفيين على وسائل التواصل الاجتماعي فقط بل أصبحوا الآن يهاجمونهم لفظيًا داخل حدود البرلمان في الجلسات العامة. دفعت هذه الهجمات المنتظمة على الصحافة منظمة مراسلون بلا حدود إلى خفض تصنيف تونس في مؤشر حرية الصحافة في أفريل الماضي مع التنصيص الى الهجمات المتكررة للنائب اليميني المتطرف سيف الدين مخلوف على وسائل الإعلام.
هذا التخفيض لم يجعل النائب يتراجع، بل العكس، فقد أكد حين صدور التقرير لجمهوره على أن الترتيب يعكس مستوى تراجع الصحفيين التونسيين.
إلى جانب الصحفيين والنقابيين والأمنيين ، يهاجم هؤلاء المتطرفون زملاءهم تحت قبة باردو تحت ضوء الكاميرات وأمام أنظار العالم.
أكثر من عانى من الهجمات اللفظية لهؤلاء النواب، هي بلا شك عبير موسي ، رئيسة حزب الدستوري الحر. لم يعد بإمكاننا إحصاء عدد مقاطع الفيديو التي تخلّد الشتائم ووصفها بالـ"زغراطة" والتحريض والتهديد والترهيب.
في 30 جوان وصلنا إلى الاعتداء الجسدي، عبير موسي تتعرض للصفع من قبل النائب صحبي صمارة (الكرامة سابقًا) قبل أن تتلقى ركلة عنيفة من سيف الدين مخلوف.
اكتفت رئاسة مجلس النواب ، وهي شريك دائم للاجرام وارهاب نواب الكرامة، ببيان سطحي وساذج لا يدين ولا يحمل المسؤولية رأسا للمجرمين.
عضوة أخرى في البرلمان تهاجم بانتظام من قبل نواب الكتلة المتطرفة ويصفها مؤلاء المتطرفون بال"العيّاطة" وهي سامية عبو المنتخبة التيار.
تعرضت السيدة عبو لاعتداءات جسدية من نواب الكرامة ، في ديسمبر 2020 حيث دفعت أرضا ورُكلت مما سبب فقدانها الوعي. في اليوم ذاته، وجه هؤلاء المجرمون قارورة من البلور الى رأس أنور بالشاهد وأمل السعيدي من الحزب ذاته ، مما خلّف جرحا غائر في وجه بالشاهد دفع الكتلة الديمقراطية إلى الاعتصام ثم الإضراب عن الطعام استمر عدة أيام لدفع رئاسة مجلس النواب للرد.
رد فعل أعضاء الكرامة كان خاليا من التعاطف مع زميلهم الذي شُوّه وجهه فوصفوه بسخرية بالـ"مخبش"، وطوال فترة الإضراب عن الطعام، استمتعوا بالسخرية من نواب التيار.
لم يكتف الإسلاميون الراديكاليون بجمع هذا العدد الكبير من الخصوم على الساحة السياسية-الإعلامية-النقابية ، فقد هاجموا قيس سعيد رأسا - في نظرهم هو عدوهم لأنه معادي لحركة النهضة وقريب من خصومهم من التيار والشعب.
على مواقع التواصل الاجتماع ، يتعرض الرئيس للسخرية والإهانة يوميًا. في الجلسات العامة في البرلمان، لم يعد بوسعنا إحصاء عدد المداخلات التي يشوه فيها نواب إسلاميون سمعة رئيس الجمهورية ويستفزونه.
ومع ذلك ، فإن الجائزة تذهب إلى راشد خياري الذي يتهم قيس سعيد صراحة بالخيانة العظمى وخدمة فرنسا. أطلق عليه الخياري لقب "بواس الأكتاف " لأنه قبّل أكتاف إيمانويل ماكرون. لم يمر يوم لم يذيع فيه راشد خياري منشورًا على فيسبوك أو مقطع فيديو يشوه فيه سمعة الرئيس ويهينه مُدّعيا أن لديه أدلة، لم يقدمها أبدا.
وقد أدت هذه الاعتداءات المتكررة إلى رفض نواب الكرامة من قبل شريحة عريضة من المجتمع. تظهر استطلاعات الرأي بانتظام أنهم في انخفاض حاد في نوايا التصويت التي يسخر منها سيف الدين مخلوف مشككين في مصداقيتها. وحتى على مواقع التواصل الاجتماعي يتم حذف التعليقات التي تنتقدهم، أما منذ 25 جويلية تم حذف خاصية التعليق تمامًا. لتبرير هذا العدد الكبير من التعليقات السلبية ، يزعم نواب إسلاميون أنهم مهاجميهم "روبوتات أو أشخاص دفعت لهم مصر والإمارات مقابل تشويه سمعتهم.
رغم أنّ هناك إجماع تقريبًا ضدهم من الجميع فهم يظلون في حالة إنكار. يعتقدون أنهم يتمتعون بالنزاهة وأنهم محلّ انتقاد لأنهم "تجرؤوا على مهاجمة فرنسا "...
لكن منذ جويلية كان من الواضح أن العنف الشديد والاستفزازات والشتائم والعدوانية التي اتسمت بها هؤلاء ، بدأت في التلاشي.
قبل 25 جويلية ، تفاخروا بكونهم الأكثر رجولة، والأكثر شجاعة. بعد 25 جويلية، اختفى راشد خياري هرباً من المحاكمة التي تنتظره.
عبد اللطيف العلوي ومحمد العفاس يتذمران ويستنكران غباء الناس الذين سمحوا لأنفسهم بأن يتلاعب بهم قيس سعيد. أما بالنسبة لسيف الدين مخلوف ، فيكتفي بنشر سور قرآنية ...
يجد نواب الكتلة المارقة الكرامة اليوم، بعد رفضهم واحتقارهم وإهانتهم ، في وضع ذل شديد. مختفون في مكان ما في رعب، وخوف من أن يتم القبض عليهم في أي وقت. فيما ينتظر سيف الدين مخلوف وماهر زيد اللحاق بقائمة المطلوبين للعدالة الأسبوع القادم.
إنهم يتصرفون، مثل "أسلافهم" الإسلاميين وأصدقائهم في المؤتمر من أجل الجمهورية الذين فروا من قضاياهم وتركوا رفاقهم في السجون بحثا عن اللجوء في فرنسا والمملكة المتحدة.
لا يستطيع الفارون من العدالة من نواب الكرامة اليوم حتى السفر إلى الخارج كما فعل إسلاميو النهضة في الماضي، لأنهم بدورهم مصنفون S17.
هذه النهاية التراجيدية هي النتيجة المنطقية والطبيعية لأي شخصية اعتقدت في وقت ما أنها قوية بالكامل واستخدمت قوتها لمهاجمة الآخرين دون حساب. إنه أيضًا تأكيد لما قاله ابراهام لنكولن: "يمكنك أن تخدع بعض الناس في كل وقت -وكل الناس في بعض الأحيان، لكن لا يمكنك أن تخدع كل الناس، طوال الوقت ".
من 6 بالمائة من الأصوات في الانتخابات الأخيرة ، يزن هاربو الكرامة اليوم 1 بالمائة فقط، وفقًا لآخر استطلاعات الرأي. هل يكفيهم اليوم النقد الذاتي وتعديل الخطاب؟ الجواب هو، لا فقد فات الأوان بالفعل.
تعليقك
Commentaires