الحوكمة الرشيدة ضرورة ملحّة
لا يختلف إثنان في أن مكافحة الفساد وتمويل الإرهاب هما شأن كل الأطراف في البلاد ومن هذا المنطلق انكب الجهاز المالي وما يزال على هذا الملف من خلال مضاعفة الجهود لتركيز الممارسات الفضلى الكفيلة بالكشف عن الجرائم أو الممارسات الإحتيالية وإبلاغ السلطات المعنية عنها، إلى جانب تعزيز منظومة تشريعية.
في هذا الإطار نظمت الجمعية المهنية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية، اليوم الثلاثاء، بنزل الأكروبول بالعاصمة، بالشراكة مع الهيئة الوطنية لمكافحة ملتقى حول "الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد في القطاع المالي التونسي"، حضره بالخصوص وزير المالية، رضا شلغوم ورئيس الجمعية أحمد كرم، إلى جانب إطارات عليا في القطاع.
تواجه تونس منذ سنوات تحديات جديدة تتمثل في مكافحة الفساد وتمويل الإرهاب .. فمنذ الثورة تحوّل جزء هام من الإقتصاد الوطني إلى السوق الموازية، بما يعنيه ذلك من مخاطر جديدة لى البلاد إذ أن الأموال التي كانت خارج المسالك البنكية في 2010 قدرت وقتها ب5 مليارات دينار لتقفز في نهاية 2018 إلى 13 مليار دينار. هي الأموال الهائلة غير المراقبة تشكل خطرا حقيقيا على البلاد، عبر بوابة تبييض الأموال.
لم تنتظر تونس طويلا لتدفع ثمن ذلك فقد تم إدراجها في مناسبتين في القائمة السوداء ذات العلاقة بهذا الملف، من قبل مجموعة العمل المالي (غافي) ثم الإتحاد الأوروبي.. إلا أن تونس تمكنت سريعا من وضع حزمة من الإجراءات والقوانين لمكافحة هذه الآفة حتى وإن كان الوضع سيئا نسبيا على مستوى الممارسة الفعلية وهو من النقاط التي انتقدت البلاد من أجلها.
مع ذلك فإن محاربة تبييض الأموال مرتبطة بإجراء عملي يتم تطبيقه في كل أرجاء العالم وهو الإبلاغ عن شبهات الفساد والعمليات المشبوهة. فلئن انخرطت المهن المالية في هذا الشأن وضاعفت من جهودها لبلوغ المستويات المحققة على الصعيد الدولي لتطويق المال الفاسد، فإن المهن المالية كان له رأي مخالف بتعطيلها المصادقة على القانون، بداعي السر المهني وعدم دستورية ذلك القانون، بل إن أصحاب تلك المهن لم يتعهدوا بأي التزام على هذا المستوى.. وهو ما أثاره وزير المالية رضا شلغوم الذي ذكّر بدور القطاع المالي في بناء الدولة، مشيرا إلى مساهمة هذا القطاع في وضع الإصلاحات اللازمة في الوقت المناسب، من خلال اتخاذ الإجراءات الكفيلة لمكافحة الفساد وإرساء الحوكمة الرشيدة. كما أبرز الدور الهام للمهن غير المالية في الإبلاغ عن التمويلات غير القانونية بكل أشكاله.
وقد كان الملتقى فرصة لعديد المؤسسات المالية للتوقيع على اتفاقات مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، على غرار بورصة تونس للأوراق المالية وجمعية وسطاء البورصة والجامعة التونسية لشركات التأمين والديوان الوطني للبريد ووزارة المالية والبنك المركزي التونسي واللجنة التونسية للتحاليل المالية .. الهدف من ذلك حسب شوقي الطبيب رئيس الهيئة هو التصدي للجرائم المالية وخاصة عبر تبادل المعلومات بين الهياكل المعنية والتحقيق في شبهات الفساد التي تحوم حول بعض الكوادر.
من جهتهم أجمع المشاركون على إبراز أهمية التحلي باليقظة ورصد العمليات غير المألوفة والعمل المشترك على تبادل المعلومات للمضي قدما في الإصلاحات المزمع إقرارها في إطار تركيز منظومة ناجعة للتصدي لهذه الآفة الكونية.
أما أحمد كرم، رئيس الجمعية المهنية التونسية للبنوك والمؤسسات
المالية فقد اعتبر أن أساس مهنة العون البنكي هو احترام أخلاقيات المهنة وهو ما يحتم وضع الإجراءات المناسبة للحد من عدم التقيد بهذا المبدأ.. في هذا الإطار تم اتخاذ جملة من الإجراءات وهي الفصل بين الإدارة العامة ومجلس الإدارة، مع دخول إداريين مستقليين في هذا المجلس وإحداث لجان التدقيق الداخلي والتصرف في المخاطر. كما أن البنوك عززت خلايا المراقبة، فضلا عن تركيز منظومة لوجستية قوية رقمنة الجهاز المصرفي.
ماهر البوهاني، ممثل اللجنة التونسية للتحاليل المالية، أثار من ناحيته عديد المسائل منها بالخصوص تركيز منصة تحمل إسم حنبعل وتهدف إلى التنسيق بين القطاعين الخاص والعمومي سيما في مجال المراقبة الحدودية للعملة الصعبة.
ولدى تدخلها في إطار هذا النقاش، أشارت السيدة بن مصطفى المسؤولة ببنك الإسكان إلى أن 2019 هي سنة انتخابية وبالتالي فإن أموال ضخمة سيتم تداولها، داعية زملاءها إلى احترام أخلاقيات المهنة وعدم الرضوخ للضغوطات وإلى التحلي بروح التضامن في ما بينهم، بالنظر إلى الرهانات التي تواجهها البلاد.
لذلك فإن كل الجهود المبذولة يجب أن يكون لها هدف واحد وهو إشعاع تونس حتى لا تكون من هنا فصاعدا في أي قائمة سوداء, فبلادنا تعد مرجعا ومثالا يحنذى في المنطقة .. الأكيد أن الثورة ومسار الإنتقال الديمقراطي، ساهما في تأخير بعض الإصلاحات والإنجازات، لكن الوضع دقيق، فلا بد من استرجاع قيمة العمل واقرار الإصلاحات الضرورية حتى تستعيد تونس مكانتها المعهودة وهو ما يستوجب تضافر جهود الجميع دون استثناء.
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires