حلم استرجاع النداء التاريخي في مواجهة الجغرافيا السياسية الجديدة
تسير الساحة السياسية في تونس نحو الاستحقاق الانتخابي المصيري في تاريخها، فالتوجه نحو الانتخابات هذه السنة بعيد كل البعد عن التقاليد التي عهدناها على مدى المحطات الانتخابية ما بعد 2011، خاصة بتراجع الأحزاب السياسية وصعود المستقلين وهو ما دفع نداء تونس (شق الحمامات) الحزب الفائز في الانتخابات الماضية لسنة 2014 لإمضاء وثيقة إنفاق تحالف وطني مع مشروع تونس كفرصة أخيرة لإنقاذ الحزب.
وقد تضمّن نصّ الإتفاق بين الطرفين على الانطلاق في مسار توحيدي بين نداء تونس وحركة مشروع تونس مع الانفتاح على ما أسموه بالقوى السياسية من العائلة الوسطية الديمقراطية والشخصيات الوطنية، فمنذ انشقاق الحزب بعد مؤتمر 6 أفريل 2019 وانقسام اللجنة المركزية إلى نصفين بين حافظ قائد السبسي وسفيان طوبال وبروز شقين اثنين، اختارت رئيسة نداء تونس (شق الحمامات) سلمى اللومي ترميم الحزب واسترجاع أعضاءه وإطاراته المستقيلة وهو سبب مغادرتها لقصر قرطاج، والتفرغ لتجميع لا الندائيين فقط، بل العائلة الوسطية الديمقراطية.
هذه العائلة التي لن تجتمع وحتى لو اجتمعت لن تكون أقوى من مرشح وحيد ومستقل وهو نبيل القروي الذي تحصل حسب سبر آراء سيغما على نسبة 29 فاصل 8 بالمائة في الانتخابات التشريعية دون وجود هذا الحزب أو تكونه إلى حد اللحظة.
سعت سلمى اللومي إلى استرجاع كل المغادرين وأكدت في مرات عديدة أن الحزب مفتوح لشق المنستير وقادت عملية التحالف مع حركة مشروع تونس أحد شقوق النداء ذو الكتلة النيابية في البرلمان.
وصرح نواب النداء والمشروع أن هذا التحالف يرمي إلى استرجاع النداء التاريخي ولحصر حركة النهضة، وهو ما أكده تصريح الأمين العام لمشروع تونس حسونة الناصفي بأن ميثاق التحالف الذي تمّ توقيعه بين مشروع تونس ونداء تونس شق الحمامات هو إحياء للنداء التاريخي، مشددا على أن هذا التحالف كان مطروحا منذ مدّة لكن المدير التنفيذي حافظ قايد السبسي آنذاك لم يرضى ورفض التحالف وتوقفت المشاورات، وعادت المفاوضات بعد مؤتمر النداء مع الأطراف التي لها رغبة بلم شمل العائلة السياسية الندائية.
وقد واجهت عملية التجميع وهذا التحالف السياسي الوطني عراقيل أصعب من مرحلة تأسيس النداء وفق تصريح الناصفي لأن الكثير من الأطراف عرقلته وواجهوا العديد من الصعوبات لكن رغم ذلك فقد تمكنوا من تجميع النداء التاريخي.
وأكد نواب المشروع أن الدعوة موجهة لكل الندائيين والعائلة الوسطية الديمقراطية "المؤمنة" بعملية التجميع لالتحاق بهم أحزابا كانت أو شخصيات، وبناء مستقبل سياسي أفضل بعيدا عن منطق الزعامات، مشددا على أن أبوابهم مفتوحة لكل التحالفات قبل الانتخابات وبعدها.
يبدو أن أحلام استرجاع النداء التاريخي ستصطدم بواقع الجغرافيا الانتخابية الجديدة، فالنداء الذي يهدف إلى التحالف مع حركة تحيا تونس بعد رفعه التجميد عن يوسف الشاهد ودعوته العلنية له للعودة للحزب لن يكون أمرا ممكنا فحسب المعطيات وبعض المؤشرات، فإن تحيا تونس ترفض الدخول في تحالف مع نداء تونس خاصة وأنها لا تستحق ذلك فهي تملك كتلة مهمة في البرلمان ودخلت في تحالف مع المبادرة الدستورية وهو ما يجعلها غير معنية بالدخول في تحالفات جديدة لا سيّما وأنها على خلافات حادة مع حافظ قائد السبسي ممثل شق المنستير، ولعل تحيا تونس يرفض مجرد التفكير في خوض مجازفة التحالف مع نداء تونس بمختلف شقيه تخوّفا ممّا قد يجنيه عليه ذلك، خاصة على مستوى العلاقة ما بين يوسف الشاهد وسليم العزابي القيادي الأول للحزب الذي غادر قصر قرطاج والتحق بالشاهد واتهمه حافظ السبسي بالعمل لحساب الشاهد ومحاولة الانقلاب على رئيس الجمهورية. خصوصا وأن هذا التحالف لن يجدي نفعا فحتى لو أقحمنا البديل ضمن التحالفات وهو المعني بها وقد توجه اليه الندائيين بذلك وعبرت قيادات تحيا تونس أيضا في عديد المرات عن انفتاحها على حزب البديل، فحتى لو تحالفوا جميعا سيبقى نبيل القروي الرقم الأول بنسبة فاقتهم جميعا في سبق سياسي لعلّه الأبرز منذ الثورة.
فحزب القروي الغير موجود إلى هذه اللحظة قفز بعيدا حتى عن أكثر الأحزاب تماسكا وهي حركة النهضة التي حظيت بنسبة 16 فاصل 8 بالمائة في تراجع كبير وملحوظ عن نوايا التصويت التي حظيت بها في 2014 ولربما مفاجأة الميركاتو السياسي الأخرى هي الصعود اللافت لعبير موسي والحزب الدستوري الحر وهو فعلا ما يعزي القول بالتوجه نحو الصوت العقابي فعبير موسي التي ترفض التحالف مع الجميع وتعتمد خطاب الإقصاء للجميع استطاعت بخطاب شعبوي استمالة شريحة مهمة بنسبة 11 فاصل 3 بالمائة وتحصل الحزب الذي خُيّل للكثيرين أنه ولد كبيرا وهو تحيا تونس على نسبة 8 فاصل 6 بالمائة.
بينما الحزب الذي اشتغل طيلة سنوات بعد مغادرته لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وهو التيار الديمقراطي رافعا شعار مقاومة الفساد والمحاسبة على نسبة 5 فاصل 8 بالمائة متجاوزا لعيش تونسي ببعض النقاط وهو الذي أحدث المفاجأة فبمجرد العمل المكثف طيلة الثلاثة أشهر الأخيرة تمكن عيش تونسي ومن ورائه ألفة تراس من استقطاب الجماهير ومنافسة الأحزاب بنسبة 5 فاصل 4 بالمائة وتحصل النداء على 5 بالمائة ما يعني أن حزب الصدارة في الانتخابات الماضية أصبح يحتل المراتب الأخيرة في نوايا التصويت.
وواصلت الجبهة الشعبية محافظتها على نسبها المتقاربة بنسبة 3 فاصل 4 وهي التي تشهد انشقاقات وخلافات كبيرة بين قيادات حزب العمال الشيوعي والوطد وفقدانها لكتلتها النيابية.
و تحصّل حزب البديل على 2 فاصل 2 بالمائة ومشروع تونس على 0 فاصل 9 بالمائة.
ولو نجمع النسب التي تمثل الأحزاب الوسطية كما يشاء للبعض تسميتها وهي نداء تونس وتحيا تونس ومشروع تونس والبديل فهي ستصل لنسبة 16 بالمائة تقريبا وهي نسبة تظل ضعيفة مقارنة ب 29 فاصل 8 بالمائة التي يمثلها حزب القروي الغير موجود.
ودون الخوض في تفاصيل وصول القروي وتصدره لنوايا التصويت وهو أمر معلوم للجميع وبعد أن بات واضحا أن هذا التوجه واقع أثبتته دراسات سبر آراء عديدة، علّنا نتبين حالة العبث التي بلغتها العملية الانتخابية التي لربما تفسر بمقومين اثنين وهما رغبة الناخبين في معاقبة الطبقة السياسية الحاكمة حتى من هم متيقنون أن القروي وعبير موسي وقيس السعيد لن يغيّروا في الوضع شيئا غير أنهم توجهوا نحو الصوت العقابي للطبقة الحاكمة المتأتي أساسا من ارتفاع نسبة عدم الثقة في الأحزاب وارتفاع السخط الشعبي على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
يبدو أن أحلام إحياء النداء التاريخي والصوت المفيد تصطدم بوقائع الجغرافية الانتخابية والسياسية الجديدة التي ستؤثث المشهد السياسي القادم بعيدا عن الدائرة الحزبية الضيقة ليكون الخطاب الجمعياتي والشعبوي رقما لا مفر منه ينافس أكبر الأحزاب على المناصب الأمامية بحظوظ وافرة وأسبقية مريحة لننتقل فعلا من مرحلة ال vote utile إلى مرحلة ال vote débile.
سناء عدوني
تعليقك
Commentaires