بين الرفض والتنازل، النهضة تتودّد للتيار علّه يكون عصفورها النادر المفقود
التيار يُعلم الجملي برفضه لمواصلة المشاورات لتشكيل الحكومة.. الأسباب
هشام العجبوني النهضة عبرت عن امكانية اسناد وزارة العدل للتيار الديمقراطي
هشام العجبوني: عرض جديد من حبيب الجملي للتيار الديمقراطي
جوهر بن مبارك: لو تمّ التحالف بين النهضة وقلب تونس لوقعت كارثة
من الواضح أن مسلسل تشكيل الحكومة أوشك على النهاية وبدأت خيوط اللعبة تتضّح بعد أن تبيّنت الأطراف المشاركة فيها في انتظار ما ستفرزه الحلقة الأخيرة من حقائب وأسماء قد ترضي البعض وتغضب أطراف أخرى. ماراطون مضني دام أكثر من شهر خاض فيه رئيس الحكومة المكلف من قبل حركة النهضة، الحبيب الجملي، مفاوضات مع كل الأطراف الفاعلة والغير فاعلة في الساحة السياسية حاول تشريكهم والاستماع إلى وجهات النظر المختلفة علّه يصل في وقت قياسي إلى ضالّته وتكون حكومته جاهزة في فترة وجيزة.
بعد عدة جولات من المشاورات مع الأحزاب السياسية بدأ مسلسل تشكيل الحكومة يصل إلى منعطفات حاسمة وبات يعرف في كل الأوساط تقريبا، مكونات هذه الحكومة وهو نتيجة طبيعية بعد أن عدلت المشاورات عن انحرافها عن منهجيتها المفترضة، وقبلت حركة النهضة ومرشحها الحبيب الجملي بتنازلات.
18 نوفمبر 2019، انطلق رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي في أولى جولات تشكيل حكومته ولطمأنة كل الأطياف الحزبية لم يقم الجملي باقصاء أي جهة. التقى الجملي بحزب التيار الديمقراطي صاحب 22 مقعدا بالبرلمان الذي أكّد أن مشاركته في الحكومة ستكون بشروط وهي الحصول على وزارة العدل والإصلاح الإداري والداخليّة، وضرورة بناء دولة قانون ومؤسسات والقطع مع الفساد السياسي حتى لا تدخل الدولة في أزمة اقتصادية ودعا الجملي إلى أن لا تكون وزارات السّيادة في خدمة أطراف معينة، وأن التيار الديمقراطي ضدّ تشكيل حكومة محاصصة حزبية، ولا يريد أن يكون حزب قلب تونس والحزب الدستوري الحرّ مشاركا في الحكومة.
حركة النهضة الفائزة في الانتخابات التشريعية والتي رشحت الجملي لرئاسة الحكومة، أرادت أن تفرض هيمنتها وتمسك بزمام الأمور آملة في نجاح مقترحها وكسب حزام برلماني واسع، فعبرت عن رفضها لشروط التيار الديمقراطي على أمل أن تكسب ود بقية الأطراف في تشكيل الحكومة. بدأ الخناق يضيق خاصة مع انتهاء المهلة الدستورية الأولى وعدم توصل الجملي إلى تشكيلة نهائية لحكومته، فكرت النهضة في بديل ولكنها لم تجد إلا أن ترضخ وتتنازل للتيار.
التيار الديمقراطي بعد أن تم رفض شروطه ظلّ متمسكا بضماناته وأعلن انسحابه رسميا من المفاوضات ومن المشاركة في حكومة الحبيب الجملي، انسحبت بدورها حركة الشعب صاحبة 15 مقعدا بمجلس نواب الشعب لأنها تتفق وحزب التيار الديمقراطي في نفس الشروط. اختلطت أوراق اللعبة مرة أخرى وطلب الجملي من رئيس الجمهورية قيس سعيّد تمكينه من مهلة ثانية ليشكّل حكومته ويعلن عن تركيبتها في أقرب الآجال بعد أن تعذّر عليه ذلك في الفترة الدستورية الأولى.
الثلاثاء 17 ديسمبر التيار الديمقراطي يعلن عن تلقيه عرض جديد للرجوع إلى المفاوضات وصرّح القيادي هشام العجبوني بأنه تم منح عرض جديد لهم يتمثل في تمكين التيار من وزارتي العدل والإصلاح الاداري بكافة صلاحياتها والحاق سلك الشرطة العدلية بوزارة العدل، إضافة إلى اختيار شخصية محايدة على رأس وزارة الداخلية. بهذا الاقتراح قرّر الحزب استئناف المشاورات في تشكيل الحكومة مع مناقشة العرض الجديد والنظر في إمكانية المشاركة في الحكومة من عدمها. بعدها يؤكد القيادي غازي الشواشي بأن التيار الديمقراطي قبل بوزارة العدل والإصلاح الإداري وتنازل عن وزارة الداخلية شرط تسمية شخصية ذات كفاءة واستقلالية.
عضو المكتب السياسي للتيار الديمقراطي حافظ اليحمدي أوضح في راديو اكسبراس أف أم أن التيار دخل للمشاورات بضمانات ويريد أن يكون جزء فاعل في عملية التغيير ويفرض وجوده في الحكومة. وبين أن أطراف من حركة النهضة تدخلت وقدمت مبادرة بإعادة المشاورات بخصوص الضمانات التي قدمها التيار وهي من قامت بالرد على هذه الشروط بالموافقة على أن تكون الضابطة العدلية تابعة لوزارة العدل والموافقة على وزارة الإصلاح الإداري وأن تكون شخصية مستقلة على رأس وزارة الداخلية. اليحمدي أشار إلى أن حركة النهضة تفاجئت بقبول التيار لعرضها وارتبكت، مشددا على أن التيار لن يدخل حكومة يكون فيها حزب قلب تونس ومشاركته سيكون رهن تواجد كل من حزب تحيا تونس والنهضة وائتلاف الكرامة وغير ذلك فإنه سيكون في المعارضة في صورة دخول أطراف أخرى.
بعد استحالة تكوين فريق حكومي في ظلّ الصراعات التي تشق الأحزاب وتمسّك كل طرف بشروطه، في فرصة أولى، وفي ظلّ ضغط الآجال الدستورية حظي الحبيب الجملي بفرصة ثانية قد تكون المنقذة له ولحركة النهضة التي رشحته للحصول على أغلبية الأصوات خاصة مع تنازلهما لحزب التيار الديمقراطي ليضمنا ما أمكن من الأصوات لأنه بات من الواضح أن حركة النهضة غير قادرة على تشكيل الحكومة وعلى فرض شروطها على شركائها ما دفعها إلى تغيير خطابها.
أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك والناشط السياسي الحبيب بوعجيلة أطلقا مبادرة سياسية لعبت دور الوسيط بين مختلف الأحزاب السياسية التي ستشارك في الحكومة. بن مبارك التقى اليوم الجمعة 20 ديسمبر برئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي وصرّح اثر اللقاء بأنه سيتم الإعلان عن تشكيلة الحكومة بداية الأسبوع القادم. مبادرة الوساطة شملت كل من حزب النهضة وتحيا تونس وحركة الشعب وائتلاف الكرامة والتيار الديمقراطي وقد تدخّل بن مبارك لاقناع الأحزاب التي أعلنت خروجها من المفاوضات وتم اعداد مناخ سياسي جيد ليتمكن الجملي من تحقيق نجاح في تشكيل الحكومة، كما تمّ الاتّفاق على إخراج القوى السياسية المحسوبة على الفساد والاستبداد من تشكيل الحكومة والدخول إلى السلطة.
وبعد الوساطات والتنازل من جهة النهضة وعودة التيار إلى طاولة المفاوضات كتب النائب عن حركة النهضة عماد الخميري تدوينة فايسبوكية أكّد فيها أنه تمّ الاتفاق مبدئيا على تشكيل حكومة ائتلافية من التيار وتحيا تونس والشعب والنهضة. وبيّن أن الحركة بذلت "جهود كبيرة" في التفاوض و"مرونة" في التعاطي مع طلبات الأطراف السياسية.
عودة التيار الديمقراطي إلى المفاوضات قد تضمن لحكومة النهضة حصولها على أغلبية الأصوات خاصة وأن حركة الشعب تتوافق مع التيار سواء في المشاركة أو في الانسحاب، لكن الواضح أن المشاورات تدور بالأساس حول تحالفات المرحلة وبعيدة كل البعد عن رهانات الواقع التونسي اقتصاديا واجتماعيا في وقت تقف فيه البلاد على حافة الإفلاس وتنتظر حلولا للأزمة الخانقة.
مروى يوسف
تعليقك
Commentaires