alexametrics
الأولى

حين يتجرأ رجل السياسة على الانسحاب - المرزوقي نموذجا

مدّة القراءة : 3 دقيقة
حين يتجرأ رجل السياسة على الانسحاب  - المرزوقي نموذجا


التنازل أو الاستقالة أو التخلي والانسحاب هي مفردات،  لا محل لها من الاعراب في مجتمعاتنا. حتى انها تعتبر فعلا مذموما  لا يأتيه إلا المنهزمون، وهي حالات قليلة خاصة في الساحة السياسية العربية، و لا يقاس عليها.


إذا كان تعريف الاستقالة هو الفعل الرسمي الذي يقوم به الشخص بالتخلي عن وظيفته أو منصبه، تكون الاستقالة إن قام شخص ما بترك منصب له أو عمل حصل عليه بالانتخاب أو بالتوظيف، فإن للاستقالة السياسية مفهوما يتجاوز ذلك ليؤشر إلى معنى الانهزام والانكسار في العالم العربي.

 تونس وككل البلدان العربية، ما زالت تعيش العبثية في تدبير الشؤون العامة للوطن، بالرغم من الإخفاقات الموروثة أبا عن جد وحزبا عن حزب وحاكما عن حاكم، وما يزال مفهوم التنازل عن المناصب والكراسي غير دارج في ثقافتنا التي ما فتئنا نسعى إلى تطويرها لكسر النمط السائد والحدّ مع توارثناه جيلا بعد جيل.

 

انعدام الشيء والرغبة في بلوغه يصبح في بعض الأحيان غير عاديا عند تحقيقه، يوم أمس الأحد 24 نوفمبر 2019، أعلن الرئيس الأسبق للجمهورية  منصف المرزوقي عن انسحابه من رئاسة حزب الحراك ومن الحياة السياسية على إثر نتائج الانتخابات الأخيرة التي أكّد أنه يتحمل كامل المسؤولية فيها، وأوضح أنه سيبقى ملتزما بكل قضايا الشعب وسيواصل خدمته في مجالات أخرى.

 

قبل ذلك بأسابيع قليلة يعلن رئيس حزب آفاق تونس، ياسين ابراهيم استقالته من رئاسة حزب آفاق تونس، قائلا '' إيمانا منا بمبدأ المسؤولية كركيزة اساسية من ركائز الحزب، أعلن اليوم أمام مناضلي الحزب والرأي العام استقالتي من رئاسة حزب آفاق تونس''. وأفاد أنّه سيبقى على ذمّة الحزب للمساندة والمشاركة في التفكير حول المراحل القادمة وآفاق التوجه الليبرالي الاجتماعي بصفة عامة في البلاد، وبيّن أنّ له ثقة تامة في مناضلي آفاق تونس وفي مؤسساته للقيام بالمراجعات اللازمة وإعادة الانطلاق في سبيل ترسيخ مشروعهم السياسي للمساهمة في إخراج البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 

ياسين إبراهيم بيّن أنّ حزب آفاق تونس لم ينجح في تحقيق أهدافه في هذه المرحلة وذلك لأسباب عديدة منها الذاتي والمتعلقة ببعض الخيارات السياسية و منها المتعلقة بالمناخ السياسي العام و صعود التيارات الشعبوية و الراديكالية في ظل الإخفاق المدوي لمنظومة الحكم على جميع المستويات و على رأسها المستوى الأخلاقي الذي اتّسم بممارسات مخجلة كتدفق المال الفاسد و شراء الذمم، لذلك اختار أن يستقيل ويترك مكانه لمن قد يكون أكفأ منه.

 

نعم لقد ظهر لنا منصف المرزوقي وياسين إبراهيم في صورة الأبطال الشجعان الذين جازفوا واختاروا طريقا لم يختره أمثالهم ممن أخفقوا في مهامهم في مجتمع يتعطّش لمثل هذه الممارسات المفروضة –الممنوعة- فنجد أنفسنا اليوم نقف اجلالا لسياسيين قاما بدورهما لكن حتى يكونا عبرة لكثير من السياسيين الذين دمّروا وخرّبوا وتواطؤوا مع الفساد حتى صاروا مفسدين ولكنهم متمسكين متشبثين بمناصبهم لما يسود في أذهانهم من عقلية الهيمنة والسيطرة والتسلط واعتبار الحاكم فوق كل المسؤوليات وبعيد عن جميع قوانين المحاسبة والمراجعة.

 

ولا يمكننا أن نتناول هذا الموضوع دون أن نمرّ بما يعيشه اليسار التونسي اليوم من صراعات سببها التفرّد والتمسّك بالأمانة العامة وبعض القوانين الداخلية فنجد ائتلاف الجبهة الشعبية اليساري المعارض والذي كان وجهة العديد من المواطنين والأحزاب بعد الثورة لأنه يدافع عن صوت الشعب وينتصر لحق المواطن التونسي بعيدا عن الصراعات السياسية، سرعان ما اهتزت وحدة هذه المكونات وأصابها انشقاق أدى إلى تصدّع الجبهة وانقسامها.

 

بعد سبع سنوات من النضال في صفّ واحد، والعمل على تحقيق أهداف موحّدة، مثّلت الانتخابات التشريعيّة الفارطة النقطة التي أفاضت الكأس وانكسرت بسببها وحدة مكوّنات ائتلاف الجبهة الشعبيّة، وفضحت تغوّل السياسيين أمام المراكز والمناصب، حيث قدّم تسعة أعضاء استقالتهم بسبب اختلاف المواقف والآراء حول من سيمثّل الحركة في الانتخابات الرئاسيّة، الناطق الرسمي باسم ائتلاف الجبهة الشعبية حمّة الهمّامي أم القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد منجي الرحوي، وخيّر الوطد  الخروج من كتلة الجبهة واعتبروا أنّ الهمّامي متفرّد بالرّأي والقرارات وهو يعتبر نفسه الوصيّ الرسمي على كتلة الجبهة الشعبيّة.

 

حزب الوطد اقترح منجي الرحوي مرشحا للانتخابات الرئاسية وفي المقابل الناطق الرسمي باسم ائتلاف الجبهة الشعبية حمة الهمامي قدّم ملف ترشحه كذلك للانتخابات الرئاسية، فتعمقت الأزمة بين الطرفين وصلت حدّ العداوة وتبادل التهم إلى أن وقع الإعلان عن النتائج النهائية وتحصلا كلاهما على 0 فاصل، وواصل كل منهما حياته السياسية بصفة عادية وظلّ الزعيم التاريخي الأبدي حمة الهمامي متمسكا بالأمانة العامة حتى بعد ما جناه على نفسه وعلى الجبهة بسبب الزعامتية وتضخم الأنا.

 

رغم النتائج الكارثية التي يحصدها جميع الفرقاء السياسيين، إلا أننا نظل نبحث ونتساءل عن غياب الاستقالات السياسية في مجتمعنا. الامر الذي يجعلنا نقف اجلالا واكبار أمام ثقافة الاستقالة في الدول الغربية مع مسؤولين وحكام يحترمون أنفسهم ووطنهم.

 

ورغم الإخفاق المتواصل لسياسيينا وبالرغم من رفض الشعب لهم، إلاّ أن حالات الاستقالة والانسحاب في مجتمعاتنا تبقى حالات نادرة لأن الشعب في بعض الأحيان يبتلع فشل من يحكموه بكل انصياع وخضوع، وهو ما فتح الباب أمام بعض الحكام للاستحواذ على جميع ثروات البلاد وتحويل عائداتها إلى حساباتهم الشخصية وسيطرة العائلة الحاكمة على دواليب الدولة ومزيد فرض نفوذهم.

مروى يوسف

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter