عنف، تحرش، شراء أصوات: التجاوزات الانتخابية صدمة ثانية بعد النتائج
لا شيء نهائي، في هذه اللحظات التي نتعافى فيها من صدمة نتائج التشريعيات، التي أزاحت للنسيان "العائلة الديمقراطية الوسطية" هذا التوصيف الذي أضحى مبتذلا لشدة ما تناقلته ألسن كاذبة. عاد الاسلام السياسي اللطيف- والأقل لطافة، والمتشدد الى سدة التشريع متمثلا تباعا في حركة النهضة، ائتلاف الكرامة وحزب الرحمة. سقط اليسار التقليدي من حسابات الناخبين أيما سقطة، متبوعا باليسار الاجتماعي الذي يمثله الاتحاد المدني الديمقراطي. لا نعلم الى الان، ان كان "قلب تونس" حزب المترشح للرئاسية الموقوف بتهم فساد، نبيل القروي، سيكون القوة الاولى ام الثانية في المجلس. لا شيء نهائي، الى أن تنظر الهيئة صاحبة الولاية على الانتخابات والقضاء الاداري في الطعون في نتائج التشريعية بناء على الخروقات الجسيمة المسجلة.
رصدت بيزنس نيوز أهم التقارير الواردة عن سير الانتخابات التشرعية، وأبرز ما جاء فيها من انتهاكات وخروقات لروح القانون الانتخابي.
تقرير رابطة الناخبات التونسيات يرصد عنفا سياسيا ضد النساء
شددت رابطة الناخبات التونسيات في تقريها الختامي لمراقبة مسار تشريعية 2019، أنها سجلت تعّرض بعض المترشحات للانتخابات التشريعية إلى مضايقات وتحرّش من طرف بقية الأعضاء المنتمين لنفس القائمة على غرار الدائرة الانتخابيّة جندوبة وهو ما يعدّ عرقلة عن ممارسة النشاط السياسي لهؤلاء المترشحات. رصدت الرابطة عدم نشر صور النساء المترشحات بعدد من القائمات المعلقة على الجدران والاكتفاء بترك الخانة فارغة في البيان الانتخابي أو واستعمال صور غير واضحة لمترشحات بقائمة مستقلة على غرار الدائرة الانتخابية ببنزرت ومدنين وبن عروس. رصدت الرابطة وجود خطابات سخرية من النساء المترشحات ومحاولة إحراجهن بعلاقة بطريقة اللباس أو المظهر وتمرير رسائل سلبية لهن ولا وجود في المقابل لأي اهتمام أو سؤال عن برامجهنّ و طرق تواصلهنّ في صورة الوصول إلى مراكز القرار . بينت الرابطة عدم التطرّق إلى مواضيع تتعلّق بحقوق المرأة وقضيّة المساواة بن الرجل والمرأة بالبرامج الانتخابيّة منها قائمات تترأسها نساء وردت برامجها دون أيّ نقطة تخصّ النساء، فمن بين 12 حزبا ترشّح في كافة الدوائر الانتخابيّة، نصفها فحسب تضمّنت برامجها حقوق النساء. شددت رابطة الناخبات التونسيات أنها لاحظت خلال مراقبتها للحملة الانتخابية للاستحقاق التشريعي استغلال الأطفال في توزيع أكدت الرابطة واستغلال أحزاب خيمات للدعاية يوم الجمعة بالقرب من المساجد ومحاولة استقطاب المصلين والمصليات على غرار الدائرة الانتخابيّة بمحافظة بن عروس.
لاحظت الرابطة وجود جريمة شراء أصوات من قبل مناصري حزب سياسي في سيارة أمام مركز الاقتراع بالإضافة إلى حصول مناوشات بين أعضاء الهيئة وممثلي الأحزاب السياسية والقائمات الأخرى. عمليّة الاقتراع شهدت إقبالاً ضعيفاً للنساء والشباب، عموماً، أكدت الجمعية أنه تم تسجيل محاولات للتأثير في الناخبات من قبل المرشّحين من جهة أخرى، لاحظت الرابطة أن هيئة الانتخابات لم توفر الظروف المريحة لذوي الإعاقة الذين لم يتمكنوا في عدد من المراكز، من أداء واجبهم الانتخابي نظراً لعدم توافر ممرات خاصة لهم.
عتيد ترصد حالات عنف
أكدت الجمعية التونسية من اجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات "عتـــيد" في بيانها الختامي على وجود حالات عنف بين اعوان الهيئة وممثلي القائمات المترشحة نتيجة لتواصل الحملات الانتخابيّة في كلّ من حي النور وحي الحبيب بمدنين، الحناية بزغوان، مركز الأمل قابس، مركز حي الشباب بدوار هيشر. كما رصدت المنظمة عنفا شديدا بين أنصار قائمات في كل من الحامة والبرج بقابس، ورشق مركز اقتراع السعادة بسوسة بالحجارة من طرف مجهولين مما اوقف سير الاقتراع، وأعمال عنف وتهشيم بكل من قفصة والرديف. في السياق ذاته، المركز المتوسطي التونسي رصد 12 حالة عنف جسدي، فيما اكدت رابطة الناخبات وصول حالات العنف في بعض الدوائر الى الاعتداء على رئيس مركز الاقتراع.
وشهد يوم الاقتراع تواصل الحملات الانتخابية والتأثير المباشر على الناخبين إما بتوزيع قصاصات تحمل أرقام وصور القائمات المترشحة بكل من أريانة النخيلات للقائمة عدد 50، تونس حي الزهور، والمرسى القائمة 51 ، بنزرت حي الواحة، الناظور، الكرنيش للقائمات عدد 22 و35 أو حملات دعائية في محيط المراكز بكل من الحناية بزغوان، النخيلات باريانة للقائمة عدد 09، منزل تميم نابل 1 للقائمة عدد 29 و01، مركز شارع بورقيبة والنراسنيّة ببن قردان، مركز كدية مالك بسوسة، حي الهدى سيدي بوزيد، سليانة أو نقل منظم للناخبين للقائمة عدد 19 بمركز سوق السبت مع العلم انّ الناخبين المعنين بالأمر قد توجهوا مباشرة إلى مكتب الاقتراع عدد3.
مراقبون تؤكد خرق الصمت الانتخابي
بينت شبكة مراقبون أن معلقات عديد القائمات وبرامجها وصورها لم تتم ازالتها من جدران بعض مراكز الاقتراع، وهو ما يمثل خرقا للصمت الانتخابي، وكان من المفروض إزالتها قبل منتصف ليلة الجمعة احتراما للصمت الانتخابي. وأكدت المنظمة شراء أصوات ناخبين بمقابل مادي بمركز أولاد سالم بنفزة. ورصدت، محاولات التأثير في الناخبين عبر توزيع بعض الأوراق عليهم تحمل اسماً محدداً لانتخابه في العديد من الدوائر. مراقبون أوضحت أن التجاوزات والاخلالات تتعلق بالتأثير على الناخبين خاصة في محيط مركز الاقتراع وخرق الصمت الانتخابي وهي مخالفات إنها تواترت بشكل هام يوم الاقتراع. المنظمة أكدت في تقريرها أنها سوف تقوم بالتتبع القضائي للمخالفين .
المركز التونسي المتوسطي يفضح شراء أصوات
بينت تقرير المركز التونسي المتوسطي في بيانه الختامي، أنه شهد تدخل أمني لفض نزاعات عنيفة في مراكز اقتراع في كل من توزر، قفصة، القصرين، وسيدي بوزيد. وأوضج التقرير شراء ذمم تاخبين بمبالغ مالية أو وعود بتقديم مبالغ مالية أو بطاقات شحن للهاتف بكل من توزر وسليانة. ورصد المركز حالات نقل جماعي للناخبين من أجل التصويت لقائمات معينة، والنقل الجماعي لنساء ب 13 مركز اقتراع وتوجيههن لانتخاب قائمة معينة. من جهة أخرى، بيان حزب قلب تونس الصادر بتاريخ 6 أكتوبر أكد رصده لحالات شراء ذمم من قبل "حزب كبير" مؤكدا أنه توجه للقضاء، نفس الشيء أكده الأمين العام لتحيا تونس سليم العزابي الذي كان حزبه سباقا الى تقديم طعن في نزاهة الانتخابات.
اتحاد الشغل يدعو الى تطبيق الفصل 143
دعا اتحاد الشغل في بيان ختامي صادر عن خلية مراقبة الانتخابات التشريعية الى الاسراع بتطبيق الفصل 143 القاضي بتثبت" الهيئة من احترام الفائزين لأحكام الفترة الانتخابية وتمويلها. ويمكن أن تقرّر إلغاء نتائج الفائزين إذا تبيّن لها أن مخالفتهم لهذه الأحكام أثّرت على نتائج الانتخابات بصفة جوهرية وحاسمة وتكون قراراتها معللة. وفي هذه الحالة يقع إعادة احتساب نتائج الانتخابات التشريعية دون الأخذ بعين الاعتبار القائمة أو المترشح الذي ألغيت نتائجه، وفي الانتخابات الرئاسية يتم الاقتصار على إعادة ترتيب المترشحين دون إعادة احتساب النتائج."
رصد اتحاد الشغل عدم التثبت من استقلالية رؤساء مراكز الاقتراع الذين يشتبه في انتماء بعضهم الى أطراف سياسية، عنف وترهيب وحالات عنف في مراكز اقتراع، عدم توفر مستلزمات ونقائص تنظيمية في العديد من مكاتب الاقتراع، تعنيف مراقبين وطردهم، تشنج تجاه المراقبين، وعدم تشريك الملاحظين في عمليات الفرز.
هيئة الانتخابات تمرر المخالفات للنيابة العمومية
عقد مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أمس 8 أكتوبر، اجتماعا للنظر في تقارير المخالفات المتعلقة بالانتخابات التشريعية التي وصل عددها إلى 1592 مخالفة، منها 238 مخالفة خطيرة. وأعلنت الهيئة أن عدد المخالفات التي تمت إحالتها على النيابة العمومية بلغت 118 ملف مخالفة.مجلس الهيئة يدرس احتمال إسقاط أصوات أو مقاعد بالنسبة لبعض القائمات، في حالة توفر الأدلة والتعليلات المقنعة وارتباطها بتجاوزات خطيرة، مثل خرق الصمت الانتخابي، وشراء الأصوات، والتأثير على الناخبين وغيرها، وفي تلك الحالة يفترض إعادة عد الأصوات في الدوائر المعنية. لن تؤثر التعديلات في ترتيب القائمات الفائزة، حتى في صورة حذف أصوات.
مركز كارتر والبعثة الاروبية لمراقبة الانتخابات
أما الاطراف الدولية التي قامت بمراقبة التشريعيات عن كثب، فكان رأيها مختلفا. أشاد مركز كارتر الأمريكي بحرفية تنظيم الإنتخابات التشريعية الا أنه سجل صعوبة لدى الناخبين خاصة من كبار السن في القيام بواجبهم في 11 مكتب إقتراع بسبب طول عملية البحث عن أسمائهم ومكاتب إقتراعهم نظر لطول وحجم قائمات السجل الإنتخابي المعلقة بمراكز الإقتراع كما أن ذوي الحاجيات الخصوصية وجدوا صعوبة في الولوج إلى مكاتب الإقتراع والقيام بواجبهم الإنتخابي في 49 مكتبا. من جهة أخرى أورد المركز أن إنشغال وسائل الإعلام بقضية نبيل القروي أضر بالتعريف بالمرشحين للتشريعية وأن سقف تمويل الإنتخابات التشريعية يعتبر ضعيفا ولاحظ المركز أن أن تثقيف المواطنين حول الانتخابات التشريعية وتوفير كل المعلومات المتعلقة بها كان ضعيفا. من جهة ثانية أشادت بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات التونسية بنجاح الانتخابات التشريعية وحسن سير العملية الانتخابية، لافتة النظر إلى أن الإعلام والحملات الانتخابية التزما بالضوابط المطلوبة. رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات فابيو ماسيمو كاستالدو، أكد لرئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد إن تونس تمثل نموذجًا ناجحًا في الديمقراطية في شمال إفريقيا وفي الشرق الأوسط، إلا أن هناك بعض النقاط التي يجب العمل على تحسينها وتنظيمها، ومن أهمها مسألة تمويل الأحزاب.
حصيلة مراقبة سلبية في مجملها أوضحت العديد من السلوكات الأقرب الى التخلف والجهل منها الى الالتحاق بركب العالم الديمقراطي، حتى لا ندع بريق ممارسة الحق الانتخابي في منطقة عربية لا تعرف الانتخاب الا في نشرات الاخبار، يعمينا عن شراء الذمم والعنف المسجل بمراكز الاقتراع في 24 ساعة فقط. ممارسات قد يرتقي بعضها الغى جرائم انتخابية سينجر عنها حذف أصوات وفق ما يقتضيه القانون الانتخابي، ولذلك لا يمكن أن نقر فعليا بمكونات المجلس النيابي القادم الا بعد استيفاء الطعون.
ختاما، لا ننسى أن المؤسستين الأمنية والعسكرية كانتا بطل هذه الانتخابات، بهدوء، بعيدا عن ضوضاء المنتصرين وغوغاء الخاسرين الذين ينادون منذ الان.. "فليسقط البرلمان القادم".
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires