alexametrics
الأولى

جميع شخصيات وأحداث سبر الاراء هذا من وحي الخيال..

مدّة القراءة : 4 دقيقة
جميع شخصيات وأحداث سبر الاراء هذا من وحي الخيال..

ونحنُ ننتظُر أُفيون التسلية الكُرويّة مساء اليوم، ترافقنا التسليةُ السيّاسية الحلالْ للساعات القليلة في يومٍ رمضانيّ- نمطي- طويل. الفُكاهة للأمانة نوع دراميّ معقّد جدّا، لايقدر على مُجاراته أيّ كان، ولكن رغم خلّو شاشاتنا من عمل فكاهيّ ممتع، ينجح سياسيُو البلد كالعادة في الإضحاك- دون سيناريو أو إخراج! حين تمّ تسريبُ مقطعُ فيديو مفبرك لياسين العيّاري، النائب بمجلس الشعب، عن محادثة مزعومة بينه وبين "عشيقته"، كانت ردّة فعل العياري رصينةً، " أنا مهندس خبير في الحماية المعلوماتيّة". أي- أنا الخبير، أيها العامةُ من الشعب الذين لم تدرسوا أمن المعلومات. صكُّ التخصص العلمي جعل العياري يدركُ -بعين الخبير الأستاذ المهندس- أن مقطع الفيديو مفبرك والمحادثة مفبركة، رغم أن هذا واضح لأعيننا المجردة المتواضعة ولا يتطلبُ شهادة أكاديميّة.

 

ليلة أمس احتفى الخبير في حماية المعلومات، ياسين العياري، بأول ظهور لمبادرته حركة أمل في إستطلاعات الرأي رغم عشرات حملات التشويه. نشر سبر أراء قدمته شركة فرنسيّة تدعى "فيزاكتو -visactu" وأرفق الصورة بديباجة شكر وفخر واعتزاز بحركته وليدة الأمس. لكن للأسف، لم يدرك مُهندسنا أن سبر الاراء الذي نشره مزيّف، لصفحة مزيفة، سرقت هوية شركة انفوغرافيا فرنسية وقامت بنشر محتوى كاذب.. دعونا الآن نتعرف على مهنة أمن المعلومات: هو علم مختص بتأمين المعلومات المتداولة عبر شبكة الانترنت من المخاطر التي تهددها. مفارقة أليس كذلك! أن يكون المرءُ نجارًا ولا يدرك الفرق بين الخشبِ والحديد!

في تصريح لبيزنس نيوز، يون روبيك  أحد المدراء المسؤولين في مؤسسة visactu الفرنسية (الحقيقية) نفى  نشرها لإستطلاع رأي يخص الإنتخابات التشريعية و الرئاسية التونسية مؤكدا أن صفحة فايسبوك تعمدت إستعمال علامتها التجارية و إسمها. المؤسسة من جهتها نشرت بلاغا  داعية المرشحين للإنتخابات في تونس ووسائل الإعلام إلى توخي أقصى درجات اليقظة و التعامل فقط مع المعلومات التي تنشرها الصفحة الرسمية للمؤسسة. ولم تكتف بذلك بل نشرت تعليقا على صفحة النائب لتعلمه أن سبر الاراء الذي نشره مزيف.

 

مخطئون ان اعتقدنا أن انطلاق المسار الانتخابي رسميا أمر تعلنه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، انطلاق هذه الصفحات المزيفة في نشر الأكاذيب والشائعات والاخبار المفبركة هو صافرة الحكم لانطلاق السباق الى باردو وقرطاج. لم تكن هذه عادة متداولة في عمر انتخاباتنا القصير وتجاربنا القليلة، لكن يبدو أنها ستصبح قاعدة تهدد بمغالطة الرأي العام والتلاعب بالناخبين الذين من سوء الحظ (أو ربما من حسن الحظ) أنهم ليسوا مهندسين خبراء في حماية المعلومات.

 وضع سبر الاراء المزيف أسماء أخرى في صدارة نوايا التصويت، أسماء كنبيل القروي صاحب جمعية خليل تونس الخيرية التي تجهزه اجتماعيا وقناة نسمة التي تجهزه اعلاميا لسباق الرئاسية تصدر نوايا التصويت في بلد ما، لا ندري ماهو في وقت ما، لا ندري متى، بنسبة 19 بالمائة متغلبا على منافسيه في واقع مواز خلقته هذه الكذبة، يليه قيس سعيد ثم عبير موسي. وجود بعض الأسماء قد يعطينا لمحة عن الجهة التي فبركت سبر الاراء ونشرته للعموم، في صفحة حديثة لا يتجاوز عدد متابعيها 160 متابع تم انشاءها منذ 24 ساعة ولا تضع علامات اعجاب سوى على صفحة نبيل القروي وصفحة نسمة لايف ونسمة.

 

 

أما في جانب الانتخابات التشريعية، وضعت الصفحة المزيفة حركة النهضة في المرتبة الأولى في نوايا التصويت يليها الدستوري الحر حزب عبير موسي، ثم .. "حزب نبيل القروي" حزب لا وجود له سوى في قناة نسمة، دون اسم أو هوية أو مشروع أو وجود قانوني أو أعضاء، لكنه تصدر نوايا التصويت، حتى لا تقتصر التسلية النهارية على المسلسلات التركية المدبلجة.

 

هل القروي أذكى من الوقوع في فخ كهذا، وهو الذي يملك ماكينة اعلامية تعمل لصالح صورته السياسية، ماحاجته لسبر الاراء وصفحات الفايسبوك ؟ بل هل حركة النهضة ومكتبها الاعلامي الواسع وتمويلاتها الهائلة بحاجة الى  لسبر الاراء وصفحات الفايسبوك؟

 

تعيدنا هذه الحادثة الى مأزق سبر الاراء في تونس، فهذا القطاع هو قطاع فوضوي لا قواعد تنظمه ولا تشريعات تهيكله. مرد وقوع سياسيين واعلاميين في فخ حادثة فيزاكتو-   Visactu هو أنه يمكن لأي كان القيام بسبر اراء ونشره دون مراقبة أو محاسبة. اشكال غياب اطار قانوني ينظم هذا القطاع ويحاسب المتحيلين ومنتحلي الصفات هو في الواقع أكثر المازق تعقيدا في هذه الفترة التي ستكثر فيها الاخبار المزيفة وستتكرر فيها هذه الحادثة. فتوجه المشرع التونسي لم يتجاوز تنظيم عملية سبر الاراء خلاله الحملات الانتخابية. الفصلين 70 و172 من القانون الانتخابي يمنع "بث ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات، والاستفتاء والدراسات والتعاليق الصحفية المتعلقة بها عبر مختلف وسائل الإعلام، خلال الحملة الانتخابية أو حملة الاستفتاء وخلال فترة الصمت الانتخابي، إلى حين صدور قانون ينظم سبر الآراء".  الفراغ التشريعي دفع الغرفة الوطنية لمكاتب استطلاع الرأي الى تقديم مشروع  وطني لقانون تنظيم عملية سبر الآراء في 2017. تمت احالة نص المشروع على المجلس الوطني للإحصاء والهيئة العليا المستقلة للانتخابات ثم تم تقديمه إلى رئاسة الحكومة. يحمل القانون مشروع احداث هيئة وطنية مستقلة لسبر الآراء لم تر النور الى اليوم بعد سنتين اذ لم ينظر النواب في هذه المبادرة التشريعية لأن لهم أولويات أخرى كالثلب والشتم وتعطيل المبادرات العاجلة والغيابات والاستقالات مثلا..

 

نذكر بما نشرناه في مناسبة سابقة، بين 20 و25 شركة استطلاع رأي تقوم حاليا بنشر سبر الاراء حول مواضيع يغلب عليها الطابع السياسي الذي يشكك في مدى استقلالية هذه المؤسسات ومدى تورطها في التأثير على الرأي العام خاصة أنها لا تقوم بتبني مقاربة الشفافية المالية ولا تنشر تمويلاتها أو حساباتها المالية. فعل تأثيري جديد تفرضه اللعبة  الديمقراطية لكنه  لم ينضج كفاية كي يؤسس لقواعد علمية دولية أو ميثاق موحد تعتمده كل المؤسسات في مستوى اختيار العينات والأسئلة والمؤشرات، مما يوضح تضارب بعض النتائج الصادرة في نفس الفترة عن شركتين مختلفتين. سؤال المصداقية يتجاوز شركة سبر الاراء الى المحامل الاعلامية التي تقوم بمعالجة وتحليل ونشر هذه الارقام للجمهور الأوسع، في الواقع وسائل اعلامية كذلك قامت بنشر سبر الاراء المزيف دون تثبت من مصدره او شرعيته التي تحطمها الاخطاء اللغوية والحسابية في نظرة مقربة للرسوم البيانية المزيفة.  مسؤولية مشتركة هي اذن، يتحمل الصحفي أيضا عواقب عدم قدرته على التعامل مع الأرقام .  الكرة الان في ملعب السلطة الرابعة، هي القناة التي تمرر السم للناخبين وتساهم في عملية التضليل قصدا أو عن غير دراية.

 

للأمانة، يبدو أنها ستكون فترة انتخابية ساخنة، على مستوى الطقس كما الأحداث. سنحظى بالفرجة، فمساء يقع السياسيون في فخ الكاميرا الخفية، وصباحا وقعوا في فخ فيزاكتو، جميع شخصيات وأحداث سبر الاراء هذا من وحي الخيال. أي تشابه بينه وبين الواقع، هو من محض الصدفة..

 

عبير قاسمي 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter