اليد الجديدة للإسلاميين لضرب قطاع الإعلام
أصدر الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي، أول هذا الأسبوع، بلاغا أكّد فيه أنه تقرّر تعليق خدمة البث الإذاعي على موجات التشكيل الذبذبي "أف أم"، لبرامج إذاعات كل من "كاب أف أم" و"كنوز أف أم" و"الرباط أف أم" و "المهدية أف أم".
وأوضح نص البلاغ بأنه تم اتخاذ هذا الإجراء التعاقدي، بعد أن تخلفت الإذاعات المذكورة عن تسوية وضعيتها إزاء مستحقات البث، وبعد استنفاذه لجميع السبل، وذلك في إطار حرصه على استخلاص هذه المستحقات باعتبارها أموالا عمومية مستوجبة. وسيظل قرار تعليق بث برامج الإذاعات الأربع ساريا الى غاية تسوية وضعيتها.
إجراء مشروع ومسموح به من مؤسسة عمومية تدير التشكيل الذبذبي أف أم وتؤجره لوسائل الاعلام. وبقدر ماهو إجراء مشروع فإنه يبقى غير عادل وغير متكافئ وظالم وضدّ الإنتاجية، فماهي الأسباب؟
الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي توجّه لأربع إذاعات متحصلة على رخص من الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري –الهايكا. هذه الإذاعات تمرّ بوضعية مالية صعبة، ارتبطت بالوضع الاقتصادي الكارثي الذي تمرّ به البلاد، فوجدت بذلك صعوبة في الوفاء بالتزاماتها ودفع مستحقاتها للديوان. وهنا يكمن دور الدولة المتمثل في الحفاظ على الشركات التي توفّر مواطن الشغل، وكذلك ضمانها لتعدد وسائل الاعلام، وبالتالي، المحافظة على الديمقراطية التي تعتبر الصحافة ركيزتها الأساسية.
فماذا عساه فاعل هذا الديوان تجاه المحطات الاذاعية والتلفزيونية التي تعمل خارج الاطار القانوني ودون عقاب؟ ولعلّى إذاعة القرآن الكريم خير دليل على ذلك خاصة وأن صاحبها سعيد الجزيري شخصية معروفة وتمّ انتخابه مؤخرا عضوا بمجلس نواب الشعب.
هذه المحطة الاذاعية شأنها شأن العديد من المحطات الأخرى في البلاد والتي تبث بشكل غير قانوني منذ سنوات دون تدخّل من الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي لتعليق نشاطهم. هناك الكثير من النقص من الديوان ومن الدولة كذلك حيث يستمر الجزيري في عمله وفي بث اذاعته في تحدّ صارخ للجميع. لماذا إذن يطبق الديوان الوطني للإرسال الإذاعي القانون على المحطات التي اختارت القانون منذ انبعاثها ويترك الأخرى المخالفة تتمتع بحريتها وتواصل تحديها للجميع؟
إن ما يمكن أن يفسّر ذلك هو أن السلطة حاليا بيد الإسلاميين والواضح أن الديوان الوطني للإرسال الإذاعي يسعى إلى تجنّب أي خلاف معهم لأن إذاعة القرآن الكريم على ملك واحد من جماعتهم.
الإذاعات الأخرى التي تعمل دون أي إجراء ردعي من ديوان الارسال هي الإذاعات العمومية. هناك 10 اذاعات على ملك الدولة، يبث بعضها في أنحاء العالم، هل يدفعون مستحقات الترددات التي يبثون عليها؟ الشكّ مسموح به في مثل هذه الحالات. هذه الإذاعات الحكومية تستفيد إلى حدّ كبير من التمويل الحكومي وتقدّم المساحات الاعلانية للمستشهرين وتتنافس مع باقي الإذاعات الخاصة من حيث الجمهور ومن حيث أرقام المبيعات وحجم المعاملات التجارية المتحصّل عليها.
هذا ما يطلق عليه بالمنافسة الغير عادلة بما أن الإذاعات التابعة للدولة تتحصّل على تمويل حكومي وتجلب المستشهرين لتتنافس مع الإذاعات الخاصة، فتجد هذه الأخيرة نفسها مهددة بالغلق بسبب نفس الوضعية التي تتطلب منها مبالغ هامة للذبذبات الهوائية. في هذه الحالة تكون الدولة هي الحكم والقاضي والأسوأ من ذلك فإنها تعطّل عمل القطاع الخاص وتشجع منتسبيها من الوسائل الإعلامية متجاهلة الوضعية الغير قانونية لبعضها، الامر الذي يعتبر مخالفا لقواعد المنافسة العادلة وللديمقراطية.
إذا أردنا محاربة الاعلام والتخلص من وسائله المعادية للإسلاميين فلن يكون أمامنا طريقة أخرى. العديد من النواب أعلنوا الحرب على الاعلام والوسائل الإعلامية والإعلاميين وتعهّدوا بذلك، وهاهو الديوان الوطني للارسال الإذاعي ينطلق في التنفيذ.
بيزنس نيوز كانت من الوسائل الإعلامية الأولى والسباقة في فتح مثل هذه الملفات وفي دعم حرية التعبير والوقوف جنبا إلى جنب مع الوسائل الإعلامية التي ما انفكت تتعرض إلى مظالم مقابل البعض الآخر المخالف للقانون والذي يحظى برضا من الجهات الرسمية المسؤولة على تطبيق القانون بالعدل.
بعد أن فتحت بيزنس بيزنس نيوز هذا الملف وانتقدت غلق 4 محطات إذاعية متحصلة على رخص قانونية لكنها لم تقدر على دفع مستحقاتها، ردّ الديوان الوطني للارسال الإذاعي ببرقية ممضية من مكتب الاعلام والاتصال وموجهة إلى موقع بيزنس نيوز. الديوان الوطني للإرسال الإذاعي طالب بحق الردّ وكان له ذلك وجاء في نص الرد ما يلي:
ما ورد بموقع "Business News" بتاريخ 26-11-2019 تحت عنوان: "الديوان : اليد الجديدة للإسلاميين لضرب قطاع الإعلام" مجانب للصواب ولا يمت للواقع بصلة .
إن الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي هو مؤسسة عمومية تقنية، تتولى بمقتضى ما يخوله القانون، بث البرامج الإذاعية والتلفزية على شبكاته الأرضية والفضائية لجميع القنوات العمومية والخاصة التي لديها ترخيص من الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري.
وإن قرار تعليق بث برامج بعض الإذاعات الخاصة على موجات التشكيل الذبذبي جاء على خلفية عدم خلاصها لمستحقات البث لفترات طويلة وهو إجراء تعاقدي مضمن باتفاقيات عمل ممضاة بينه وبين هذه الإذاعات.
وللتذكير فإن الحكومة اتخذت عديد الإجراءات التفاضلية لفائدة قطاع الإعلام عموما وبالخصوص الإعلام الإذاعي الخاص وذلك في إطار عدة مجالس وزارية انعقدت للغرض تم على أساسها تمكين الإذاعات الخاصة من تخفيضات على معاليم البث السنوية منذ سنة 2014 وتمكينها من جدولة للديون تصل إلى عشر سنوات وكذلك في إطار قانون المالية لسنة 2019 والذي بمقتضاه تم إقرار طرح نسبة 75 بالمائة من الديون السابقة إلى غاية 31 ديسمبر 2017 على الإذاعات الخاصة الجهوية والمتخصصة والجمعياتية.
إن الديوان بقدر حرصه على تنفيذ التزاماته في توفير خدمة البث للإذاعات حسب الشروط الفنية التعاقدية وتجسيد علاقة الشراكة التي تربطه بها، فإنه لن يتوان عن المطالبة باستخلاص مستحقاته باعتبارها أموال عمومية مستوجبة لفائدة الدولة إضافة وأن خلاص مثل هذه المعاليم سيساهم في تطوير الاستثمارات في مجال البث الإذاعي والتلفزي في تونس وتحقيق التوازنات المالية للمؤسسة العمومية.
تم إقرار تعليق البث على الأربع إذاعات الأولى وهي ''كاب'' و''كنوز'' و''الرباط'' و''المهدية'' حسب معايير موضوعية تأخذ بالاعتبار حجم الديون المتخلدة بذمتهاونسبة استخلاصها منذ تاريخ التعاقد، وعليه فإن الاعتبارات التي ذهب إليها صاحب المقال لا تمت للواقع بصلة حيث يبقى الديوان على نفس المسافة من جميع الإذاعات المتعاقدة.
أما بخصوص إذاعة القرآن الكريم، وباعتبارها إذاعة تبث على غير الصيغ القانونية، حيث لم يتم الترخيص لها من الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري ولا تستغل تردد مرخص فيه من الوكالة الوطنية للترددات وغير متعاقدة مع المشغل العمومي للبث ممثل في الديوان الوطني للإٍسال الإذاعي والتلفزي، فإن الديوان ليس من مشمولاته ومهامه معالجة وضعيتها بل تتم المعالجة من قبل الهيئات المختصة طبقا للتشاريع الجاري بها العمل.
أما بخصوص البث لفائدة مؤسسات القطاع العمومي، فإنه يتم في إطار قانوني يتم بمقتضاه تمويل كلفة البث مباشرة من ميزانية الدولة.
شيئا فشيئا منسوب الثقة في مؤسسات الدولة يتراجع وهجر المتابع التونسي للشأن العام، وسائل الاعلام بسبب عودة الممارسات السابقة من تضييق على حرية الاعلام وردع الصحفيين وتهديدهم بتصفيتهم ولعلى خير دليل على ذلك ما تعرض له الاعلامي محمد اليوسفي من النائب عن ائتلاف الكرامة يسري الدالي. ممارسات عدوانية أصبح من خلالها مستقبل الحريات الصحفية في خطر خاصة أمام غياب الارادة السياسية في تطبيق القانون وانقاذ القطاع وخدمة أجندات واطراف معينة.
مروى يوسف
تعليقك
Commentaires