أيها التونسيون وأيتها الدول الممولة لتونس شاهدوا ديمقراطية قيس سعيد في صمت !
''هناك مشروع جاهز وستتم مناقشته وهو ضروري بعد ما كنت أعلنت عنه وهو أنّ المجلس الأعلى للقضاء قد تمّ حلّه وهنا أريد أن أطمئن التونسيّين وخارج تونس أنّني لن أتدخّل في القضاء أبدا ولم يقع اللجوء إلى الحل إلاّ لأنّه صار ضرورة ولأنّ الشعب التونسي يريد تطهير البلاد ''
كان هذا جزء من الخطاب المقتضب لرئيس الجمهورية قيس سعيد خلال لقائه مساء أمس الإثنين مع رئيسة حكومته نجلاء بودن ، حيث عاد على أسباب اتخاذه قرار حل المجلس الأعلى للقضاء بطريقة معلنة يوم السبت 5 فيفري الجاري.
قيس سعيد يؤكّد أنّه لن يتدخّل في القضاء ولا حتى في أيّ قضية ولكنّه في ذات الوقت أعلن الحرب على المجلس الأعلى للقضاء لأنّه لم يتمّ البتّ في قضايا متخلّدة تتعلق بسياسيين ومهربين ومنهم الإغتيالات السياسية حتى أنّه أكّد أمس الإثنين أنّه سيتعهد بقضية الشهيد شكري بلعيد.
هذا الإجراء الذي أعلن من خلاله أنّه استولى على السلطة القضائية علّله بأنّ القضاء مخترق من قبل أحزاب سياسية وربما يتفق البعض في هذه النقطة معه ذلك أنّ النهضة وضعت في عهد نورالدين البحيري يدها على وزارة العدل وساهمت في طمس العديد من الملفات والقضايا ولكن هذا في نظر البعض الآخر لا يمنح الحقّ للرئيس قيس سعيد بهدم السلطة القضائية والتحكم في أوصالها وفي تركيبة المجلس.
كما كان قد أفاد قائلا ليلة البارحة الإثنين '' يُقال أنّ رئيس الدولة يُريد أن يجمع السُلط ، لا أريد أن أجمع السُلط ، أريد أن يكون هناك دستور ولكن دستور نابع من الإرادة الشعبية وليس دستورا كاللباس أو كالحذاء على مقاس من وضعوه''، هنا يؤكّد قيس سعيد أنّه لا يريد أن يجمع الُسلط تحت قبضة يده ولكن في المقابل لم تبقى أيّ سلطة خارجة عن نطاق يده فهو أصبح رئيسا للسلطة التنفيذية والسلطة بما في ذلك رئاسة الحكومة ووضع حدا للسلطة التشريعية وآخرها حلّ السلطة القضائية، فماذا بقي له من السلط لم يتمكّن منها ؟ وفي حقيقة الأمر بالأمر الرئاسي 117 ، كان قيس سعيد قد أعلن أنّه المُتحكّم الأوّل والأخير في البلاد ومؤسساتها وهيئاتها الدستورية.
التونسيون تنوّعت مواقفهم وآرائهم إزاء حلّ المجلس الأعلى للقضاء بين مرحّب ورافض، كما أنّ ممثلي السلطة القضائية من جمعيات ونقابات عبّرت عن رفضها الشديد لهذا الإنتهاك. أيضا كلّ الأحزاب السياسية ندّدت بهذا الإختراق ولكن كلّ هذه المواقف وردود الأفعال لن تُلاقي صدى لدى الرئيس المتمسّك بقراراته ولن يحيد عن الطريق الذي يسلُكه.
ولكن الأمر الذي يأتي بتداعيات سلبية على تونس والذي سيُعمّق أكثر أزمتها الإقتصادية وبالذات المالية، هو موقف الدول والمنظمات الدولية المموّلة لتونس. لا يكفي أنّ الحكومة الآن لا تزال في شبه نقاشات مع صندوق النقد الدولي الذي طرح عدّة شروط لتمويل البلاد وليس هناك أيّ اتفاق مبدئي لتحسّن وضعية المالية العمومية في تونس بسبب عدم الإستقرار المؤسساتي الذي أحدثه الرئيس سعيد، بل زاد حل المجلس الأعلى للقضاء من تشويه صورة تونس وديمقراطيتها أمام العالم.
في هذا الإطار، عبر مسؤول السياسة الخارجية في الاتّحاد الأوروبي جوزيف بوريل، عن قلقه من قرار الرئيس التونسي قيس سعيّد المتمثل في حل المجلس الأعلى للقضاء مشدّداً على أهمية استقلال القضاء. نقلت نبيلة مصرالي المتحدّثة باسم بوريل "إنّنا نتابع بقلق تطوّر الوضع في تونس، بما في ذلك ما أعلنه رئيس الجمهورية أخيراً لجهة حلّ المجلس الأعلى للقضاء". وأضافت "مع كامل احترامنا لسيادة الشعب التونسي، نذكّر مجدّداً بأهمية الفصل بين السلطات واستقلال القضاء باعتبارهما عنصرين أساسيين لديموقراطية البلاد واستقرارها وازدهارها". وحذّرت من أنّ "إصلاحات جوهرية مماثلة، مهما كانت مهمة وضرورية، يجب أن تكون نتيجة لعملية شاملة وشفافة".
من جهتها ، الولايات المتحدة الأمريكية عبّرت عن قلقها العميق من قرار رئيس الجمهورية قيس سعيّد بحلّ "أعلى سلطة قضائية في البلاد" في إحالة للمجلس الأعلى للقضاء. وكان الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركي نيد برايس في نقطة صحفية له انتقد قيام قيس سعيد بإغلاق مقر المجلس الأعلى للقضاء مستخدما القوة العامة. وأكد أن الولايات المتحدة تدعو لحوار وطني سياسي تشارك فيه أطياف متنوّعة تمثّل الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والنقابات. كما دعا نيد برايس الحكومة الى تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة من أجل تحقيق استقرار الوضع المالي والتصدّي للتحدّيات الاقتصادية المتزايدة في تونس. وتابع إنّ "القضاء المستقلّ عنصر حيوي لديمقراطية فعّالة وشفّافة، ومن الضروري أن تحافظ السلطات التونسية على التزاماتها باحترام استقلال القضاء وفقاً للدستور".
سفراء الدول السبع، ألمانيا والمملكة المتّحدة والولايات المتّحدة الأمريكية والاتّحاد الأوروبي لدى تونس وإيطاليا واليابان و فرنسا و كندا ، أصدروا اليوم الثلاثاء، بيانا مشتركا عبّروا من خلاله عن قلقهم البالغ إزاء ما أُعلن عنه من نيّة لحلّ المجلس الأعلى للقضاء من جانب واحد. وأكّدوا في بيانهم أنّ المجلس الأعلى للقضاء تتمثل وظيفته في ضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاليته. وشدّدوا على أنّ قيام قضاء مستقلّ ذي شفافية وفاعلية والفصل بين السلطات ضروريّان لحسن سير منظومة ديمقراطية تخدم مواطنيها على أساس سيادة القانون وضمان الحقوق والحرّيات الأساسية.
بدورها، مفوضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، حثّت الرئيس قيس سعيد على إعادة العمل بالمجلس الأعلى للقضاء، محذرةً من أن حلّه سيقوّض بشكل خطير سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء في البلاد. وأعلنت باشيليت قائلة "من الواضح أنّه لا بدّ من بذل المزيد من الجهود الحثيثة كي تتماشى تشريعات قطاع العدالة وإجراءاته وممارساته مع المعايير الدولية المعمول بها، إلاّ أنّ حلّ مجلس القضاء الأعلى شكّل تدهورًا بارزًا في الاتجاه الخاطئ. فحلّه يعد انتهاكًا واضحًا لالتزامات تونس بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان".
وشددت المفوضة السامية على ضرورة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية أعضاء المجلس وموظفيه، وأكّدت أنّ المجلس الأعلى للقضاء هو هيئة مكلّفة بضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاله، ويُعنى بتعيين معظم المناصب القضائية في البلاد.
الديبلوماسي السابق أحمد ونيس، اعتبر أنّ قضية حل المجلس الأعلى للقضاء أثارت اهتمام جميع الشركاء التونسيين بما فيها دول العالم واستغرب ونيس هذه الخطوة خاصة أنها خرجت من صلاحيات الميدان التنفيذي والميدان السياسي والتي تمس ركن من أركان الدولة المعروف لدى الأنظمة الديمقراطية والتي لا يجوز التدخل فيه وهو ركن القضاء.
واكّد أن قرار رئيس الجمهورية لا يتصل بقضية معنية بل متصل بجهاز من أجهزة القضاء وهو ميدان جديد توسعت إليه الصلاحيات الرئاسية والذي آثار اهتمام خاص على اعتبار أنه يمس من مصداقية الانتقال الديمقراطي ويُهدد هذا المسار. وقال أحمد ونيس إن موقف الاتحاد الأوروبي يشير إلى درجة عالية من الانتباه يمكن أن يعود على تونس ببعض التحفظات في ميدان التعاون. أما الولايات المتحدة الأمريكية، كانت تشير أسبوعيا إلى الوضع في تونس حتى تبين أنها لم تغب عن الاهتمام الأمريكي لكن اللهجة الأخيرة تدل على التشدد وفق تعبيره في تصريح لشمس أف أم. واعتبر أحمد ونيس أن مصداقية الديمقراطية التونسية تعاني من خطوة أصعب من الخطوات السابقة مما سيؤثر في التعامل بينها وبين شركائها، مضيفا أن هذا الموقف سيؤثر بشكل مباشر على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي على اعتبار أن الضوء الأخضر لن نجده بسهولة من هؤلاء الشركاء حسب تقديره.
قيس سعيد الذي يؤكّد في خطاباته المقتضبة أنّه لا يريد أن يُسيطر على كلّ السلطات ، تبيّن بالكاشف أنّه وضع في قبضته كلّ السلطات ، تنفيذية وتشريعية وقضائية ومهما كانت ردود الأفعال الداخلية والدولية ، فإنّه لن يتراجع عن أيّ قرار اتخذه أو مشروع سيُنفّذه. لم يبقى للتونسيين وللدول الصديقة والمانحة لتونس سوى مشاهدة رئيس الدولة يخيط مسار تونس على هوائه ووفقا لإرادته فقط.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires