تونس بين ازمة صحية و ازمة اقتصادية
يعيش الاقتصاد التونسي صعوبات عديدة بسبب غياب الإصلاحات الهيكلية للقطاع من جهة و بسبب انتشار فيروس كورونا من جهة أخرى، و يمكننا القول اذا ان الازمة الاقتصادية التي تعيشها تونس ليست نتيجة انتشار فيروس كورونا فقط كما يعتقد البعض انما هي نتيجة سياسات تنموية متعاقبة أدت الى تدهور المالية العمومية و الى تراجع النمو الاقتصادي.
تدهور الاقتصاد التونسي خلال ازمة كورونا
حسب تقرير افاق الاقتصاد العالمي لشهر أكتوبر 2020 توقع صندوق النقد الدولي انكماش نمو الاقتصاد التونسي خلال سنة 2020 ب7 بالمائة مرجحا ان يتعافى سنة 2021 و يبلغ 4 بالمائة، كذلك توقع صندوق النقد الدولي ان تبلغ نسبة التضخم في تونس 5.4 بالمائة سنة 2020 و ان يبلغ العجز 8.3 بالمائة و نسبة 8.7 بالمائة نهاية 2021.
دعا تقرير اتخاذ المزيد من الإجراءات لمعالجة مواطن الضعف الملحة في البلدان التي تعاني من ضيق الحيز المالي لضمان سلاسة التعافي والحفاظ في الوقت نفسه على استدامة الأوضاع الاقتصادية الكلية. ومن الإجراءات العاجلة أن يتم تأمين الوظائف وتوفير السيولة للشركات والأسر وحماية الفقراء ووضع خارطة طريق اقتصادية مصممة بدقة لتحقيق التعافي.
و فق البنك المركزي تراجع النمو الاقتصادي بنسبة 21,6 بالمائة خلال الثلاثي الثاني من سنة 2020 مقابل ارتفاع بـ 2,1 بالمائة في نفس الفترة من السنة الماضية. و بحسب بيان البنك المركزي الصادر يوم 30 سبتمبر 2020 يعود هذا الانكماش إلى تقهقر الإنتاج في جميع القطاعات باستثناء القطاع الفلاحي.
و بحسب ارقام البنك المركزي تراجع الاقتصاد التونسي بنسبة 11.9 بالمائة بالأسعار القارة خلال السداسي الأول من سنة 2020 مقارنة بنفس الفترة من السنة السابقة.
أيضا أشار بلاغ البنك المركزي الى تراجع نسبة التضخم، بحساب الانزلاق السنوي، إلى مستوى 5,4 بالمائة في شهر أوت 2020 و بحسب البنك المركزي يعود هذا التراجع الى للتباطؤ المسجل على مستوى نسق تطور أسعار كل من المواد المعمليّة والغذائيّة والخدمات. أيضا أشار البنك المركزي الى تراجع أبرز مؤشرات التضخّم الأساسي تراجعها لاسيما تضخّم المواد في ما عدا المؤطّرة والطازجة ليبلغ 5,3 بالمائة في أوت 2020.
تواصل تراجع العجز الجاري، خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2020، إلى حدود 5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وتعود هذه النتيجة إلى تواصل الانكماش الاقتصادي على الصعيد الوطني وعلى مستوى أهم البلدان الشريكة لتونس تحت تأثير تداعيات أزمة وباء الكورونا. وقد مكّن صافي تدفقات رؤوس الأموال الخارجية من تغطية العجز الجاري ودعم مستوى الموجودات الصافية من العملة الأجنبية التي بلغت21.127 م.د أو 141 يوم توريد بتاريخ 25سبتمبر 2020 مقابل17.892 م.د و101 يوم في نفس التاريخ من سنة 2019.
في نفس السياق أشار البنك المركزي في بيان نشره يوم 30 سبتمبر 2020 قرر البنك المركزي تخفيض نسبة الفائدة الرئيسية للبنك المركزي التونسي بـ 50 نقطة أساسية لتوفير الظروف الملائمة لدفع الاستثمار واستعادة نسق النشاط الاقتصادي مع المحافظة على الاستقرار المالي، لتصبح النسبة في مستوى6,25 بالمائة.
كذلك أظهرت ارقام المعهد الوطني للإحصاء انكماشا اقتصاديا خلال الثلاثية الثانية من السنة الحالية بلغ نسبة سلبية ب21.6%.
اثار الازمة الاقتصادية على المؤسسات الصغرى و المتوسطة
منذ الإعلان عن اول حالة إصابة بفيروس كورونا يوم 2 مارس 2020 و بعد الإعلان عن الحجر الصحي اعلنت رئيس الحكومة التونسية عن مجموعة من الإجراءات الاستثنائية لدعم المؤسسات الاقتصادية و التي تأثرت نتيجة إجراءات الحجر الصحي و تعلقت بعض الإجراءات بالمؤسسات الصغرى و المتوسطة و المهن الحرة على غرار : " تأجيل دفع الأداءات لمدة 3 أشهر انطلاقا من شهر افريل ، تأجيل دفع المساهمة في الضمان الاجتماعي للثلاثية الثانية لمدة 3 أشهر، تأجيل خلاص أقساط الديون البنكية والمؤسسات المالية لمدة 6 أشهر، جدولة الديون الجبائية والديوانية لمدة 7 سنوات ، وضع خط ضمان بقيمة 500 مليون دينار لتمكين المؤسسات من قروض جديدة للتصرف والأشغال و التمكين من استرجاع فائض الأداء على القيمة المضافة في أجل أقصاه شهر".
الا انه و رغم تعدد الإجراءات و الإعلانات لم تفي الحكومة بوعودها وهو ما أكده بشير بوجدي عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية في تصريح اعلامي لإذاعة شمس اف ام يوم الخميس 8 أكتوبر 2020 حيث أشار الى ان : " 35 بالمائة من المؤسسات الصغرى والمتوسطة تعيش حالة صعبة وهي مهددة بالغلق والاندثار " و أضاف عضو منظمة الأعراف ان إجراءات الحجر الصحي التي تم تفعيلها خلال الموجة الأولى من انتشار فيروس كورونا أدت الى : " خسارة 165 ألف موطن شغل و حتى القرارات الأخيرة للحكومة التي استبشرت بها المنظمة وكانت مشجعة على غرار جدولة الديون وتأجيل الاقساط البنكية والأداءات لم يتم تفعيلها وهو تفعيل دون المأمول ".
تراجع العائدات السياحية
يمثل القطاع السياحي 10% من الناتج المحلي و عرف هذا القطاع تراجعا هاما وصل الى نسبة 50% خلال أول خمسة أشهر من السنة الحالية ، مقارنة بنفس الفترة من 2019 و يعود ذلك الى اغلاق المطارات و الحدود البحرية و البرية خلال فترة الحجر الصحي و حتى بعد فتح المطارات لم يعرف القطاع السياحي أي تغيير بل تراجعت الإيرادات خلال الأشهر الأولى من سنة 2020.
يوفر القطاع السياحي 400 ألف موطن شغل بطريقة مباشرة وغير مباشرة و تراجعت إيرادات هذا القطاع بأكثر من 50 بالمئة خلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2019.
فمنذ بداية سنة 2020 والى حدود 20 اوت 2020 تراجعت العائدات السياحية بنسبة 60 بالمائة لتصل الى 1.3 مليار في حين بلغت الإيرادات السياحية في نفس الفترة من السنة الماضية و الى حدود شهر اوت 2019 ما يقارب 3,3 مليار دينار.
تعثر الاستثمارات الدولية
اكدت وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي تراجعت الاستثمارات الدولية المتدفقة على تونس، خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2020، بنسبة 4ر26 بالمائة كمؤشر على تأثر البلاد بتداعيات جائحة كورونا. وأشارت الأرقام التي نقلتها وكالة تونس افريقيا للانباء ان :" استقطاب تونس لاستثمارات بقيمة 6ر1506 مليون دينار (م د)، الى موفى سبتمبر 2020، مقابل 4ر2048 م د خلال الفترة ذاتها من سنة 2019
أيضا تراجعت الاستثمارات الدولية في المحافظ المالية بنسبة 1ر68 بالمائة و بلغت في موفى الثلاثية الثالثة من سنة 2020، حوالي 7ر47 م د مقابل 8ر149 م د، في 2019.
اما بالنسبة الى الاستثمار في مجال الطاقة فقد شهد تراجعا هاما بلغ نسبة 5ر23 بالمائة وفق وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي بلغت نسبة الاستثمار في مجال الطاقة مع موفى سبتمبر 7ر601 م د، مقابل 3ر786 م د سنة 2019، و يعود هذا التراجع بحسب الوكالة الى :" تدهور سعر برميل النفط الى أدنى مستوياته التاريخية خلال 2020 اضافة الى الاحتجاجات والاعتصامات التي شهدتها اغلب مناطق الإنتاج وتحديدا منطقة الكامور.
لا يزال الاقتصاد التونسي يشكو من صعوبات في ظل وضع صحي حرج و لا تزال الحكومة تعلن عن وعود لم توفي بها بعد و لا يزال المواطن التونسي في قائمة الانتظار.
رباب علوي
تعليقك
Commentaires