تونس و ليبيا : افق واعدة لانتعاشة الاقتصاد التونسي
تعول تونس على السوق الليبية من اجل استعادة انتعاشها الاقتصادي بعد مرور سنة صعبة على الاقتصاد الوطني و الذي تفاقم بسبب الازمة الصحية و التي أدت الى تراجع نسبة النمو ب 8.8 بالمائة و تسجيل الميزانية لعجز ب 40.11 بالمائة و في الوقت الذي تنتظر فيه بلادنا نتائج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تعمل السلطة التنفيذية من رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة على تنشيط الديبلوماسية الاقتصادية من خلال زيارات خارجية و لقاءات ميدانية .
و كانت تونس قد انطلقت منذ شهر ماي الحالي في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي من اجل انقاذ اقتصادها المرهق حيث تحول وفد حكومي يقوده وزير المالية علي الكعلي و محافظ البنك المركزي مروان عباسي الى واشنطن من اجل إيجاد حل للتغطية نفقات الميزانية و لتوفير موارد للميزانية ، فالاقتصاد التونسي بحاجة الى 18.7 مليار دينار سيعمل على الحصول عليها عن طريق القروض الداخلية والخارجية عن طريق القروض الداخلية و الخارجية : القروض الداخلية 5.6 مليار دينار و القروض الخارجية 13.1 مليار دينار، و تسعى تونس الى الحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي يتم تسديده على ثلاث سنوات حسب رئيس الحكومة هشام المشيشي .
و في انتظار رد رسمي من صندوق النقد الدولي كان تصريح مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا إيجابيا و ذلك في المراسلة التي وجهتها الى رئيس الحكومة هشام المشيشي يوم الجمعة 23 أفريل 2021، و التي قالت فيها ان صندوق النقد الدولي سيظل شريكا موثوقا به لتونس ، لكن تبقى هذه الثقة رهينة التزام تونس بالإصلاحات الاقتصادية و تنفيذها لتوصيات صندوق النقد الدولي خاصة فيما يتعلق بإصلاح المؤسسات و تحسين مناخ الاستثمار و دعم الشراكة بين القطاع الخاص و العام .
و تعمل تونس عن طريق شركاءها الاقتصاديين الى استعادة نشاطها الاقتصادي و تعد ليبيا احد الأسواق الهامة فالشقيقة ليبيا هي الشريك الثاني لتونس بعد الاتحاد الأوروبي اذ يصل رقم المبادلات التجارية بين البلدين الى حدود 3.5 مليون دولار لكن هذا التعاون الاقتصادي تعثر خلال السنوات القليلة الماضية الامر الذي أدى انخفاض رقم المبادلات بين البلدين .
و تراجعت الصادرات بين تونس وليبيا بسبب الأوضاع الأمنية و غلق المجال الجوي سنة 2014 و أيضا بسبب الازمة الصحية فمنذ سنة 2010 انخفضت الصادرات التونسية الى ليبيا بحوالي الثلثين ، و نقلا عن تصريح مدير مقاربة الأسواق بمركز النهوض بالصادرات عماد حفيظ لموزاييك بتاريخ يوم السبت 10 أفريل 2021 تجاوزت نسبة صادرات تونس الى ليبيا 1.2 مليار دينار تونسي سنة 2020 و سجلت بذلك تراجعا بحوالي 20 بالمائة مقارنة بالمعدل المسجل في السنوات السابقة وهو 1.5 مليار دينار تونسي ، و تحظى الصادرات التونسية الليبية بأهمية بالغة في دعم اقتصاد البلدين ف 70 في المئة من مجموع الصادرات التونسية تتجه الى ليبيا .
لكن يمكن القول انه و بداية من شهر فيفري 2021 بدأت بعض بوادر الانفراج بالظهور فبحسب نشرية المعهد الخاصة بالتجارة الخارجية ارتفعت المبادلات التجارية التونسية مع الخارج بالأسعار الجارية خلال شهر مارس من السنة الحالية مقارنة بشهر مارس 2020، وشهدت الصادرات ارتفاعا بنسبة 17.6 بالمائة لتبلغ قيمة 3996,1 مليون دينارا :" وتتجاوز للمرة الأولى مستواها المسجل في فيفري 2020، وذلك شهرا قبل تطبيق إجراءات الحجر الصحي الشامل و شهدت الصادرات مع ليبيا ارتفاعا ملحوظا وصل الى حدود 148.1 بالمائة و يعود ذلك الى الاستقرار السياسي النسبي في ليبيا لعد تشكيل الحكومة الليبية الجديدة .
و تأمل الحكومة التونسية من زيارة المشيشي الى ليبيا لاسترجاع العلاقات الاقتصادية بين البلدين و هو ما تم التأكيد عليه في ندوة صحفية مشتركة عقدت يوم امس السبت 22 ماي ، لقاء اكد خلاله رئيس الحكومة هشام المشيشي ان مصير تونس و ليبيا مصير مشترك و عزمه كل الإجراءات الكفيلة لتحرير المبادلات بين تونس وليبيا وبتحرير التنقلات والتحويلات .
المشيشي الذي اكد انفتاح تونس و ترحيبها بكل المستثمرين اكد أيضا ان :" للمستثمر و المواطن الليبي مكانة خاصة" و اعلن في الكلمة التي القاها خلال المؤتمر الصحفي المشترك عن قراره رفع جميع القيود المفروضة على الاعتمادات عند دخول البضائع عبر الحدود البرية :" ليبيا ليست بالبلد الثاني للتونسيين بل هي بلد التونسيين. نعلن رفع القيود على الاعتمادات في دخول البضائع من تونس عبر الحدود البرية " ، و قال شدد المشيشي على التزام تونس بوضع كل الاجراءات الكفيلة بتحرير المبادلات التجارية وتحرير تنقلات الأشخاص ورؤوس الأموال.
من جهته أشاد رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة بالزخم الذي تعرفه العلاقات الليبية التونسية خاصة على مستوى التبادل التجاري وحركة الافراد وعودة نشاط الخطوط الجوية التونسية ، و يذكر ان الخطوط الجوية التونسية كانت قد استأنفت يوم الاثنين 17 ماي 2021 و بعد انقطاع دام 7 سنوات رحلاتها الجوية بين تونس و ليبيا وهي اول شركة طيران تقوم بافتتاح خطها الجوي مع ليبيا منذ سنة 2014 ، هذا و قررت تونس اعفاء الليبيين من إجراءات الحجر الاجباري والاكتفاء بتحليل PCR سلبي لا تتجاوز مدة إجراءه ثلاثة أيام و هو قرار يعبر عن نية السلطات التونسية تجاه الليبيين و عملها على تسهيل التنقل بين البدين .
و بالإضافة الى إجراءات الاعفاء و رفع القيود المسلطة على الاعتمادات عند دخول البضائع الليبية برا سيكون للمعرض والمنتدى الاقتصادي الليبي التونسي بطرابلس الذي تم افتتاحه اليوم الاحد 22 ماي و الى غاية الخميس 26 ماي 2021 اثر على افاق التعاون الاقتصادي بين البلدين هذا المعرض يشهد مشاركة 1200 تونسي من أصحاب مؤسسات و ممثلي علامات تجارية تونسية في مجال السياحة و البناء و المواد الغذائية و سيسمح بالتعريف بالمنتوجات التونسية في ليبيا ..
و للتذكير سبق و ان زار رئيس الجمهورية الشقيقة ليبيا يوم 17 مارس و كانت زيارة سياسية بالأساس وهي :" تبرهن على عمق ومتانة الروابط التاريخية بين تونس وليبيا، وعلى أن مستقبل العلاقات بينهما سيكون بقدر عراقة هذه الروابط" وفق رئيس الجمهورية ، و التقى قيس سعيد حينها رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي ، لقاء تم الاتفاق خلاله على إعطاء دفع جديد للنشاط التجاري ووضع خطة عمل لتفعيل الجانب الاستثماري عبر تسهيل إجراءات العبور بين البلدين وتيسير الإجراءات المالية بين البنك المركزي التونسي ومصرف ليبيا المركزي
أمضت تونس مع الشقيقة ليلبيا على اتفاقية منطقة التبادل الحرّ في 14 جوان 2001 و دخلت حيز التنفيذ بتاريخ 22 فيفري 2002 و هي اتفاقية تنص على إعفاء جميع المنتوجات ذات المنشأ التونسي او الليبي من المعاليم الديوانية و الأداءات ذات الأثر المماثل وعلى تطبيق مبدأ المعاملة الوطنية ، لكن هذه الاتفاقية و رغم أهميتها لم يتم تفعيلها الى اليوم و يبقى التحدي الذي يتنظر البلدين هو احياء هذه الاتفاقية و تطبيقها على ارض الواقع من اجل انعاش التبادل التجاري بين البلدين ، لكن التحدي الأكبر يمكن بالأساس في التصدي الى ظاهرة التهريب و الذي ما فتأ ينخر الاقتصاد التونسي .
رباب علوي
تعليقك
Commentaires