المرأة التونسية بين ثورتها وتمردها لاثبات تواجدها
تبوّأت المرأة التونسية مواقع متقدمة في جلّ المحطات النضالية في الحياة السياسية ولطالما كانت في الصفوف الأولى مع الرجل وطبعت حياة هذه الأرض وأبت إلاّ أن تكون في الصدارة تأسيسا وفاعلية وتأثيرا.
مثلت مجلة الأحوال الشخصية منذ الاستقلال منعطفا هاما في حياة المرأة التونسية لرمزيتها في تمتيع المرأة بحريتها، حيث جاءت بحقوق مهمة للعائلة وغيّرت وضع المرأة وألغت بعض مظاهر التمييز المسلّط عليها بإرساء مجموعة من الإجراءات التي تنص خصوصا على منع تعدد الزوجات ومنع تزويج المرأة قسرا ومنح الزوجين الحق في طلب الطلاق والاعتراف بحق الرجل والمرأة في التعليم المجاني دون تمييز، وهو ما مثّل انطلاقة لتطوير العقليات السائدة والموروث التقليدي.
وبفضل استفادتها من اجبارية التعليم، اقتحمت المرأة التونسية العمل والسياسة والسلطة في شخصية جمعت بين الأصالة والحداثة فأصبحت مثالا تتطلع إليه المرأة في الوطن العربي وترنو إلى أن تستلهم منه مقومات وأسباب انطلاقتها وتحررها.
لطالما ساهمت المرأة التونسية منذ الاستقلال في الحياة السياسية وصولا إلى ثورة 14 جانفي ولا تزال تناضل لفرض نفسها وتساهم – ولو بصفة متواضعة- في الحياة السياسية حيث أثبتت وجودها من خلال أداء واجبها الوطني في الانتخابات وكان حضورها محترما وفقا للاحصائيات.
كذلك المحطات الانتخابية، فقد شاركت نساء تونسيات في الانتخابات البلدية والتشريعية، وترأست قائمات أمّا بالنسبة للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها لسنة 2019، فقد تمّ قبول 3 مترشحات من ضمن 6 نساء ترشّحن، وهنّ عبير موسي وسلمى اللومي وليلى الهمّامي.
عبير موسي هي رئيسة الحزب الدستوري الحرّ ذات الـ 44 ربيعا، قررت الترشّح للانتخابات الرئاسية وبعد أن أودعت ملفها لدى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أكّدت أن بعض الأحزاب التقدمية طلبت منها التراجع عن ذلك لفائدة عبد الكريم الزبيدي، مبيّنة أن هذه الأحزاب تتدعي الديمقراطية لكنها في الواقع أحزاب داعشية تكرّس التمييز على أساس الجنس، وكانت حجتهم لاقتراح الانسحاب أن حظوظها كامرأة مرشحة للرئاسة، ضعيفة.
سلمى اللومي هي وزيرة سابقة ومديرة سابقة للديوان الرئاسي، تبلغ من العمر 63 سنة تقدمت بترشحها للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها لسنة 2019، عن حزب الأمل الذي ترأسه.
ليلى الهمامي هي الأخرى قررت المشاركة في السباق الرئاسي وقدمت ملف ترشحها كمستقلّة، هي أستاذة اقتصاد وعلوم سياسية وكانت قد ترشحت للانتخابات الرئاسية سنة 2014.
المرأة التونسية اليوم –وأكثر من أي وقت مضى- لا تقبل التراجع عن مكتسباتها التي انطلقت تدعّم شيئا فشيئا بتركيز نظام المناصفة بين الرجل والمرأة في القائمات الانتخابية وتزعّمها بعض الأحزاب السياسية، أضف إلى ذلك دعوة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي إلى مراجعة مجلة الأحوال الشخصية بما يحقق المساواة في الإرث والسماح للتونسيات بالزواج بغير المسلم، وهو ما يعتبر مكسبا تاريخيا يعزّز حقوقها ويحدّ من التعرّض لانتزاعها.
أصبحت المرأة ركيزة أساسية في المجتمع تسعى لاثبات وجودها في جميع الميادين والأصعدة محاولة تحقيق ذاتها لتنافس الرجل في شتى الأنشطة.
هي الكادحة المناضلة الصابرة على قسوة الحياة وبالرغم من خوضها كافة المجالات مع التألق فيها فإنها ماتزال تواجه تحديات كبرى أمامها خاصة في مجال صنع القرار مقارنة بالرجل، فبعد أكثر من نصف قرن على صدور مجلة الأحوال الشخصية لم تصل إلى اليوم المرأة التونسية إلى رئاسة الحكومة ولا إلى وزارات السيادة كالدفاع والداخلية أو الخارجية بل بقيت أغلبها تترأس وزارات ذات صبغة اجتماعية متصلة سواء فيما يتعلّق بالعائلة أو الأطفال أو النهوض الاجتماعي.
تحتفل غدا الثلاثاء 13 أوت المرأة التونسية كسائر نساء العالم، باليوم العالمي للمرأة أمام ما حققته من إنجازات وما بلغته من مكانة بالرغم من التحديات التي تعيقها والنقائص التي ماتزال تواجهها، خاصة مع شبه اختفاء أصوات الأحزاب والطبقة السياسية المطالبة بمزيد من الحقوق والحريات في وقت ترتفع فيه نسبة البطالة والفقر عند النساء ويتعرضن لكل أشكال الاستغلال الهش في العمل إضافة إلى محاولة البعض إعادتها إلى موقع المكمّل للرجل عوضا أن تكون في موقع المساواة.
هنّ نصف المجتمع والنصف الآخر يتربى في أحضانهنّ وبالرغم من تصدرها مراتب متقدمة عربيا ودوليا إلاّ أن المرأة التونسية ماتزال تعاني من الفوارق بسبب وجود قوانين تمييزية واستمرار هيمنة العقلية الذكورية في مجتمع يعتبر ذكوريا.
مروى يوسف
تعليقك
Commentaires