القضاء في خدمة السياسة: عادة لم تنقطع!
باستثناء الباجي قائد السبسي والرئيسين المؤقتين فؤاد المبزع ومحمد الناصر ، استخدم كل الرؤساء التونسيين أسلحة قضائية ضد خصومهم. وقيس سعيد ليس استثناءً.
في أيام بورقيبة وبن علي ، كانت هذه الممارسة شائعة. إذا اقتربت من السياسة ، يبنون لك دعوى قضائية من الصفر ويضعون تهمة على مقاسك لوضعك في السجن. لم يكن الأمر بدعة حصريًا تونسية، بل كان من المألوف في العديد من الدول.
ومن بين ضحايا السلطة التي تلجأ الى السلاح القضائي - نذكر العشرات ممن مروا بالسجن ، بدءاً بحمة الهمامي وأحمد نجيب الشابي ، مروراً بتوفيق بين بريك.هناك من ارتكب جرائما فعلية، مثل الإسلاميين. لكن بمجرد إطلاق "الماكينة" القضائية ، فإنها تسحق كل شخص في طريقها بما في ذلك من كان ذنبهم الوحيد المعارضة أو الانتماء لحزب غير مرخص له.
بعد الثورة ، كان من الضروريّ إقامة عدالة انتقالية لإلقاء الضوء على أهوال الأنظمة الديكتاتورية حتى لا تُرتكب هذه الجرائم مرة أخرى. كما كان هناك حديث عن مصالحة وطنية. لكن العملية شوهها الجشع والطمع والخداع- جميعهم أصبحوا ضحايا للأنظمة القمعية، فجأة...
على الرغم من الثورة ولقبها الغريب "الكرامة" ، استمر من استولوا على السلطة بعد 2011 في استخدام السلاح القضائي لإسقاط خصومهم السياسيين.
بدأ الأمر في فيفري 2011 بسجن العديد من "أزلام" النظام السابق، لتهدئة النزعة الانتقامية الشعبية. كان على عبد الوهاب عبد الله وعبد العزيز بن ضياء وعبد الله قلال وآخرين أن يقضوا أكثر من عام في السجن دون وجود أي تهمة ضدهم. صدرت أوامر الإيداع بجرة قلم، أحيانًا لشبهة حقيقية و غالبًا لتهم زائفة. بعد أحد عشر عاما، تمت إدانة عدد قليل جدا منهم فيما تمت تبرئة البقية.
بعد انتخابات أكتوبر 2011 ووصول منصف المرزوقي كرئيس للجمهورية ، كان من المعتقد أن الانتقام الشعبي سينتهي وأن تونس ستتجه لسيادة القانون. لكن لا، تبين أن الرئيس السابق للرابطة التونسية لحقوق الإنسان أكثر مرارة من أسلافه فوزع المرزوقي ألقاب "الأزلم" و "المعادين للثورة" و "الفاسدين" على كل من عارضه.
أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا عندما قرر المرزوقي استخدام السلاح القضائي بدوره. حتى أنه كان أول من استخدم المحكمة العسكرية لإسقاط خصمه. كان مستشار الاتصال الخاص به، أيوب المسعودي ، أول الضحايا.
استغل منصف المرزوقي واشباهه النزعة الانتقامية الشعبية ، أقسموا في عدة مناسبات على وضع عضو كمال لطيف في السجن. اتجهت ماكينة القضاء وقاضي تحقيق متواطئ الى وقف اللوبيينغ الذين مارسه لطيف لصالح المعارضين السياسيين لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحلفائه الإسلاميين. كاد ذلك أن ينجح لولا حشد الإعلام والناشطين السياسيين مثل حمة الهمامي وأحمد نجيب الشابي.
وصل الامر إلى حد إرسال الشرطة لاعتقال كامل لطيف في منزله مع الحرص على تمكين قناة الجزيرة القطرية من بث مباشر ، حتى يتمكن التونسيون من الاستمتاع بـ "المشهد" الانتقامي.
تم رفع قضايا ضد الصحفيين المستقلين الذين عارضوا الإسلاميين ومنصف المرزوقي. نستشهد على وجه الخصوص بزياد الهاني، نزار بهلول ، وزهير الجيس. المحاكمات التي لم تسفر عن شيء .. حيث رفض القضاة الانصياع لأوامر السلطة في ذلك وانتهت القضايا بعدم سماع الدعوى.
يوجد قضية ياسين العياري بسبب منشورات تنتقد الجيش. حكم عليه بالسجن، في عهد المرزوقي نهاية سنة 2014 ، قبل أن يمنح عفواً من الباجي قائد السبسي.
خلال فترة الراحل قائد السبسي( 2015- 2019) ساد الهدوء. وقد تم رفع عدد قليل جدًا من القضايا ضد "الوقحين" ولم يتم رفع أي قضايا ضد خصم سياسي. لا نستشهد إلا بقضية نبيل الرابحي. ث
وانتهى هذا الهدوء بوفاة رئيس الجمهورية في 25 جويلية 2019. وقد استخدم يوسف الشاهد رئيس الحكومة آنذاك كل قوته لإخراج خصمه السياسي نبيل القروي من المشهد السياسي. قامت الشرطة والحرس الوطني معا باعتقال المرشح الرئاسي ورئيس قلب تونس نبيل القروي في محطة مجاز الباب أثناء الحملة الانتخابية. كان عليه أن يقضي كامل الحملة الانتخابية في السجن ولم يُطلق سراحه إلا عشية الجولة الثانية من المناظرة الرئاسية.
مع وصول قيس سعيد إلى السلطة - كنا نأمل مرة أخرى في رؤية سيادة القانون في تونس. سمح ماضيه كمدرس قانون صادق ونظيف لنا بالتفاؤل.
لابد أن التونسيين أصيبوا بخيبة أمل، فقد تبين أن قيس سعيد مثل من سبقه تماما ، إن لم يكن أسوأ.
وهكذا، اعتقل المدون الشهير سليم الجبالي في جوان بأمر من النيابة العسكرية، بعد منشورات تنتقد رئيس الجمهورية. بعد أن قضى حكما بالسجن لمدة شهرين لمهاجمته القائد الأعلى للقوات المسلحة ، تم القبض عليه مرة أخرى في 7 أكتوبر وما زال يقبع في السجن.
مثله، تُقاضى المدونة أمينة منصور لنشرها تدوينة مسيئة ضد رئيس الجمهورية.
ومثلهما، يحاكم الصحفي الإسلامي عامر عايد من قناة الزيتونة غير القانونية ، أمام نفس المحاكم العسكرية بتهمة "الوقاحة" في برنامج تلفزيوني. رغم أنّ القانون في هذا المجال واضح، والتشهير والثلب يعاقبان بخطية فقط، كما هو الحال في جميع الديمقراطيات في العالم.
يكون التدخل بين العدالة والسياسة ملموس في حالة الحزب المتطرف الكرامة. أعضاء هذا الحزب متورطون في قضية غزوة المطار ويتم محاكمتهم بالفعل من قبل المحاكم المدنية. إلا أنه هنا بعد 25 جويلية وقرارات قيس سعيد هم الآن أمام القضاء العسكري الذي أصدر بطاقتي إيداع بحق اثنين منهم، سيف الدين مخلوف ونضال السعودي وثالثهم مطلوب للعدالة، محمد العفاس. نائب آخر يحاكمه القضاء العسكري، راشد الخياري، وهو أيضا مختبئ.
رغم أنّ الجميع يشهد على التحريض والتهديد والتكفير والعنف الذي يرتكبه هؤلاء النواب الا أنه من الغريب أن يُحاكم هؤلاء المدنيون أمام محكمة عسكرية في قضايا تتعلق جميعها برئيس الجمهورية. كان من الممكن محاكمتهم في محاكم مدنية دون أن يشكك أحد في استقلالية القضاء العسكري.
عبر هذه السلوكيات الرئيس قيس سعيد لا يخدم صورته كرئيس مستقيم ومحايد على الإطلاق، ويثير الشكوك حول تدخله في سير العدالة و استخدام القضاء لأغراض سياسية.
مترجم عن النصّ الفرنسي
تعليقك
Commentaires