القضاة في تونس تحت التهديد ...
سجلت المحاكم التونسية قبل حتى انقضاء الثلاثي الأول من العام، ثلاثة اعتداءات على قضاة لتنضاف إلى سلسلة الإعتداءات الأخرى على ممثلي السلطة القضائية، سواء في السلك الإداري أو العدلي أو العسكري وكانوا كل مرة ضحية تهجّم المُتهمين أو أحد أفراد أسرهم عليهم.. هذا الوضع يتطلب مراجعة الحضور الأمني المكلّف بحماية القضاة والمحاكم.
آخر هذه الأحداث المؤسف جد أمس بمدينة الكاف حين اقتحم شخص مكتب قاضي التحقيق وحاول إضرام النار في جسده وذلك بعد أن سعى في مرحلة أولى إلى الإتصال بوكيل الجمهورية لإقناعه بالإفراج عن شقيقته التي قُبض عليها بعد أن اعتدت على أحد الموظفين.. بعد مغادرته مقر المحكمة اقتحم ذلك الشخص مكتب قاضي التحقيق قبل أن يهدد بإحراق جسده إذا لم يتم إخلاء سبيل شقيقته وكان قد سكب على ثيابه مادة حارقة.. حاول القاضي منعه من ذلك إلا أنه تعثر وسقط أرضا ليصاب ببعض الجروح وحينها تدخلت قوات الأمن وسيطرت على الوضع ليعود الهدوء من جديد.
هذا المشهد أصبح للأسف مألوفا في الوسط القضائي خلال السنوات القليلة الماضية إذ تم تسجيل اعتداءات مشابهة في مختلف المحاكم في تهديد صارخ لأمن القضاة وسلامتهم الجسدية.. منذ أسبوع مضى اقتحم عدد من الأفراد مقر المحكمة الإبتدائية المتفرعة عن المحكمة الإدارية بولاية الكاف أيضا وهم يحملون قوارير بنزين مهددين بإضراب النار في أجسادهم كما اعتدوا لفظيا على الأعوان العاملين بالمحكمة.. كان أولئك المواطنون يحتجون على قرار بلدي بهدم بناءات فوضوية قاموا بإنجازهم ويطالبون بإلغاء تلك القرارات.
الإعتداءان لم يمرا مرور الكرام فقد جاء الرد سريعا من نقابة المحكمة الإدارية التي أصدرت بيانا نددت فيها واستنكرت الإعتداء على سيادة واستقلالية المرفق القضائي .. كما دعت السلط العمومية إلى اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لتأمين حماية المحاكم والأعوان وملاحقة المعتدين قضائيا. وفي هذا الصدد تم تنظيم وقفة احتجاجية أمام المقر المركزي للمحكمة الإدارية وفروعها الجهوية.
وهو موقف ساندته فيها جمعية القضاة التونسيين التي عبرت عن تضامنها مع القضاة المعتدى عليهم، مطالبة السلط المعنية بملاحقة ومحاسبة منفذي تلك الإعتداءات وتجذير وترسيخ الإحترام تجاه مؤسسات الدولية ومساندة دور السلطة القضائية في حماية الحقوق والحريات وإرساء العدل. وقد اتصلت الجمعية بوزيري الداخلية والعدل لإحاطتهما بخطورة تلك الإعتداءات. كما أن اتحاد القضاة الإداريين دعا المجلس الأعلى للقضاة ورئيس الحكومة ووزيري العدل والداخلية إلى النظر في مسألة مراجعة المنظومة الأمنية للمحاكم.
وقد حمّلت جمعية القضاة المسؤولية للطبقة السياسية الحاكمة في هذه الأحداث وفي تدهور الوضع الأمني في المحاكم، داعية في هذا الإطار السلط المعنية بتجهيز المحاكم بمعدات إلكترونية متطورية وعصرية لحماية كل العاملين فيها من التهديدات المحتملة.. وهي مقترحات عاجلة لكنها تأتي في انتظار إطلاق جهاز أمني مختص ملحق بوزارة العدل وسيكون الإشراف على إدارته من مشمولات المسؤولين على المحاكم.
بدورها أدانت نقابة القضاة التونسيين تلك الأحداث، مستنكرة الإعتداءات الجسدية واللفظية التي تعرض لها أحد قضاة المحكمة الإبتدائية بقرنبالية منددة من جهة أخرى بالإعتداء اللفظي على قاضية الأسرة لدى المحكمة الإبتدائية بالمنستير خلال جلسة صلحية. وقد ذهبت النقابة إلى غاية التعبير عن استعدادها تعليق العمل بكل المحاكم التونسية إلى غاية اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة والعاجلة لحماية الإطارات القضائية. ودعت في هذا الصدد إلى فتح تحقيقات حول كل الإعتداءات المسجلة ومعاقبة مرتكبيها بكل صرامة، مجددة تمسكها باتباع كل الأشكال النضالية في سبيل حماية المؤسسات القضائية.
المحاكم العسكرية لم تكن هي أيضا بمعزل عن تلك الإعتداءات لعل أبرزها ما قام به العنصر الإرهابي المورط في قضية بن قردان، عادل الغندري الذي تهجم على قاضي المحكمة العسكرية الدائمة بتونس خلال الجلسة حيث تمكن المتهم من الإستحواذ على مطرقة القاضي قبل أن يصيبه بها على مستوى الكتف. وقد حكم النائب العام بالمحكمة العسكرية بسجنه مدى الحياة كما أصدر أحكاما بالسجن 20 سنة ضد خمسة متهمين آخرين شاركوا في عملية الإعتداء محاولين الدفاع عن الغندري.
لئن كان من البديهي اعتبار أي اعتداء بالعنف أمر مرفوض وغير مقبول سواء كان ضد قاض أو حتى موقوف، فإن الحاجة صارت ملحة وأكيدة جدا لتعزيز الحضور الأمني في المحاكم سيما في ظل تكرر الإعتداءات. كما يتوجب إحداث جهاز أمني جديد يكون مختصا لتبسيط التحقيقات والتسريع بالإجراءات القضائية، فضلا عن تطوير البنية التحتية لبعض المحاكم وتحسين ظروف عمل أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، إلى جانب الرفع من نجاعة وأداء السلطة التشريعية. قائمة مطالب أهل المهنة تتضمن كذلك النهوض بالوضع في الجهات الداخلية من خلال رصد اعتمادات إضافية لتطوير مرفق العدالة في هذه المناطق المهمشة.
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires