المساواة في الميراث : إمتحان حقيقي لمدنية الدولة
اثارت المبادرة التشريعية لرئيس الجمهوية المتعلقة بالمساواة في الميراث جدلا واسعا في كلّ الأوساط ومع كل الفئات وذهب البعض إلى التلويح بإصدار فتوى لتكفير كل نائب يصوّت لهذا القانون. بمبادرة من رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ولد مشروع قانون المساواة في الميراث الذي ترفضه الجماعات الاسلامية و كافة التيارات الفكرية الرجعية و من المرجح ان يشهد يوم نقاش مشروع القانون خلال الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب المقرر عقدها في شهر جانفي 2019 جدلا واسعا و حالة تشنج قصوى .فمنذ 13 أوت الماضي تجندت جميع هذه التنظيمات و قامت بعديد الحملات و الإجراءات لعدم اعتماد القانون الذي يعتبرونه مخالفاً لمبادئ الإسلام وهو أمر خطير يهدد الاستقرار و السلم الاجتماعي و كذلك يخالف دستور الجمهورية التونسية الذي نصص على مدنية الدولة و علوية القانون و كذلك المساواة التامة و الفعلية بين المرأة و الرجل بالإضافة إلى حرية المعتقد و حرية الضمير.
أفاد أستاذ الفقه والمقاصد بجامعة الزيتونة إلياس دردور أن "شيوخ" محسوبين على الزيتونة يدرسون إمكانية إصدار فتوى تحرّم شرعا انتخاب أي نائب يصادق على مشروع قانون المساواة في الإرث في الانتخابات القادمة مضيفا خلال يوم علمي بحضور عدد من شيوخ جامعة الزيتونة ووزير الشؤون الدينية السابق نور الدين الخادمي ان كل إنسان يمس قانون الميراث يحرّم شرعا انتخابه في مجلس بلدي او مجلس نواب أو في أيّة مسؤولية مستقبلا سواء في قائمة مستقلة أو حزبية.
وهكذا تسمح هذه المجموعة من الشيوخ لنفسها بفرض أفكار الحلال والحرام و توظيف الدين للتأثير على السلوك الانتخابي للمواطنين في عملية سياسية مدنية مثلما نصص عليها الدستور. هؤلاء الأئمة والشيوخ يطلقون على أنفسهم المدافعين عن الدستور و القرآن إلا أنهم ينتهكون بوضوح أحكام هذا الدستور الذي ينص في فصله الثاني على أن "تونس دولة مدنية ، تقوم على المواطنة وإرادة الشعب و علوية القانون". و من خلال هذا الفصل لم يتحدث أحد عن الحق الإلاهي أو الشريعة أو الفتاوى بل على سيادة قانون الجمهورية التونسية الذي ينظم الحياة العامة للمواطنين كما ينص الفصل 6 من الدستور على أن الدولة هي الضامن الوحيد لحرية المعتقد والضمير كما يحظر نفس الفصل حملات الاتهام بالردة والتحريض على الكراهية والعنف.
يبدو أن هذه المجموعة من الشيوخ لم تكن تعرف كل هذه التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفارق لإصدار فتوى ليس لها قيمة قانونية لا يمكن فهمها إلا كنوع من الضغط الأخلاقي على النواب في المقام الأول والمواطنين ثانياً و كذلك ضمنيا يفهم من هذه الفتاوى انها شكل من اشكال الترهيب و الاتهام بالردة لكل من يدعم المساواة في الميراث بالإضافة إلى تحريض ضمني على الكراهية طالما أنهم يعتبرون المدافعين عن هذا القانون مجموعة من المرتدين الذين نبذوا قيم الإسلام.
مثل هذه الفتاوى تشكل خطورة كبيرة على النمط المجتمعي التونسي القائم اساسا على اسس التعايش السلمي بين المواطنين و يعيدنا إلى مربع العنف إبان الثورة و مطالب تنظيم انصار الشريعة الارهابي بتطبيق الشريعة و المساس من مدنية الدولة و كذلك تشرع ادعاءات المجوعات الارهابية بانها حامية حمى الدين و الشريعة لكي تتمكن من انشاء حاضنة شعبية في تونس لم تتمكن من كسبها و بقيت في جحورها بالمرتفعات الغربية.
مجددا يتسائل العديد عن هوية حركة النهضة بعد انخراط مجموعة من قياداتها على غرار نور الدين الخادمي الذي كان وزيرا للشؤون الدينية خلال حكم الترويكا في هذه الفتاوى و الدعوات الى اسقاط القانون و هل هي فعلا قد اصبحت حزبا مدنيا تونسيا ام بقيت في جبة التنظيم العالمي للاخوان المسلمين.
المرأة التونسية نموذج رائد في العالم العربي بما تمثله من تطور و رقي و قد حققت عديد المكتسبات من خلال نضالاتها و لذلك من واجب الدولة التونسية تطبيق الدستور و تغيير كل القوانين الرجعية من اجل تحقيق المساواة الفعلية بين المرأة و الرجل رغم كل خطابات الكراهية من مختلف الرجعيات و هذا القانون يمثل امتحانا كبيرا لمدنية الدولة.
أحمد زرقي
تعليقك
Commentaires