شُكري بلعيد، يرعبهم حيّا وميتـا
الشارع يوم 6 فيفري 2021، كان خيبة أمل كُبرى في مسار الثورة ورجوعا مُذّلا الى الوراء. رغم الفرح الصغير بتوحيد الأطراف التقدمية من نقابيين وأحزاب ونوّاب وشخصيات وطنية ومُواطنين حول قضية واحدة- فان مظاهر عسكرة الشارع والاعتداء على المتظاهرين ومحاولات سحل المُحامين واهانتهم هي ما رسخت في الذهن بعد أن انقضى اليوم وهدأت الشعارات.
نقاطُ تفتيش، ايقافات عشوائية، عسكرة مُقرفة للشارع، اعتداءات على المواطنين، سحل وتعنيف المُحامين أعضاء هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي: هذا الوجه الحقيقي المخجل الذي واجه به النظام مواطنيه السلميين، بعصاه الغليظة وطائرات الدرون المُلتصقة بوجوههنا تحفظ ملامح من تجرّأ على اتهام راشد الغنوشي بأنه اصل كلّ الشرور، وتذكير هشام المشيشي بأنّه أصبح سيستام مُناولة (هو الاخر) في خدمة مصالح الحزب الاسلامي. الاحتجاجات ورغم أنها ذاتُ مطلبية اجتماعية الا أنها لا يمكن أن تكون خالية من طابع سياسي يُحدد الأخطاء ويُحمّل المسؤوليات.
من حسن حظ الأجيال القادمة، أنه صار بالامكان محاربة معضلة الذاكرة المثقوبة، عبر وسائل التواصل الإجتماعي التي صارت شيئا فشيء تتخذ طابعا توثيقيا مُتخلّصا من سطوة الإعلام اللاتواصلي في فضاء تفاعلي يمنحه حرية إختيار المعلومة، ولو أنها الإشاعة قد تجد سبيلها للمرور أحيانا. اليوم ندين للشهيد بأن نكون مضادين للنسيان وأن نسعى لتحويل الذاكرة الضعيفة إلى ذاكرة حية ثائرة تُذكرنا بأنّ من اعتدى على المتظاهرين ليس قوات الأمن بل من أصدر لها التعليمات، رئيس الحكومة الذي نصّب نفسه أيضا وزيرا للداخلية.قد تكون أبرز الأسباب التي قادتنا إلى العودة لنقطة الصفر أن شعبنا الكريم له ذاكرة مثقوبة إنتقائية.
القتلة موجودون ومعروفون، تصريحاتهم التي هددت بالقتل ودعت إليه وباركته مازالت موجودة ولن يكلف الأمر الشعب سوى سفرة في الذاكرة لفترة غير بعيدة الى فترة حكم النهضة - ذلك السم الذي تسرب في مفاصل الشعب، أوهنه وزرع فيه فتنا لا تحصى. أرعبهم شُكري وهو حيّ، ولا زالوا يخشون حضوره حتّى في الذاكرة. اليكم محطات صنعت زعيما، حتى لا ننسى.
ولد الشهيد شكري بلعيد في 26 نوفمبر 1964 بجبل الجلود في عائلة بسيطة. زاول دراسته بالمدرسة الابتدائية بنهج سكيكدة ثم انتقل إلى المعهد الثانوي بالوردية وهناك انطلقت حياته السياسية وتم إيقافه سنة 1984 على خلفية مشاركته في انتفاضة الخبز وتم الاحتفاظ به لمدة شهر .بعد حصوله على شهادة الباكالوريا انتقل إلى كلية العلوم شعبة فيزياء كيمياء لكن ثقل الأعباء السياسية و التنظيمية منعته من التفرغ للدراسة بتونس.
أسس في هذه الفترة مع ثلة من رفاقه الفصيل الطلابي “الوطنيون الديمقراطيون بالجامعة” تم اعتقاله بعد حملة ملاحقات و تجنيد قسري ثم أحيل إلى معتقل رجيم معتوق .
انتقل شكري إلى العراق للدراسة حيث حصل على الإجازة في القانون كما تلقى تدريبا عسكريا حاز على إثره على شهادة “متدرب متميز” . وساهم في بناء علاقات متميزة مع عديد القوى الوطنية و التقدمية في الوطن العربي ثمعاد إلى تونس في أواخر سنة 1998 ليتعرض إلى مضايقات أمنية عديدة .قرر السفر من جديد و كانت الوجهة هذه المرة فرنسا حيث واصل دراسته القانونية في المرحلة الثالثة وتحصل على شهادة الماجستير في القانون . في نفس الفترة كانت له نشاطاته عديدة في مجالات متنوعة لاسيما نشاطات فكرية أهمها كتابة الشعر و المقالات… عاد إلى تونس ليمارس مهنته كمحام فكان حاضرا في كل المحاكمات السياسية و عرف خاصة محاكمات الحوض المنجمي ليتم اختطافه و إيقافه يوم 27 ديسمبر 2010.
بعد 14 جانفي ظل يناضل من أجل استكمال مهام الثورة مؤسسا حركة الوطنيين الديمقراطيين التي كان منسقها العام .عمل جاهدا على توحيد مختلف فصائل الوطنيّين الديمقراطيّين فأثمر هذا الجهد تأسيس حزب الوطنيّين الديمقراطيّين الموحّد الذي عقد مؤتمره التأسيسي في موفى شهر أوت وبداية شهر سبتمبر 2012 وانتخب شكري بلعيد أمينا عاما للحزب الجديد وأطلق خلال مؤتمره التأسيسي مشروع الحزب اليساري الكبير بالتوازي مع تثبيت بناء الجبهة الشعبية التي كان أحد أبرز مؤسسيها في اجتماع شعبي حاشد في قصر المؤتمرات يوم 07 أكتوبر 2012.
كان شكري سياسيا يتمتع بكاريزما و مكانة في قلوب التونسيين. امتدت له يد الإرهاب صبيحة يوم الأربعاء 06 فيفري 2013 بستة رصاصات حاقدة تلقاها بلعيد أمام منزله.
8 فيفري 2013 كانت لحظة فارقة في سردية الثورة، بأفق شعبي تلقائي باحث عن العدالة. جنازة شكري بلعيد كانت تشييعا مليونيا لمحام شعبي، ولم تكن تشييعا بروتوكوليا لسياسي متعال. يومها كان السؤال أثقل من الموت وأوضح من الشمس، "شكون قتل شكري''، لم تكن علامة استفهام واحدة تعلو الجنازة المليونية، بل كانت علامات الاستفهام تثقب هواء فيفري اللافح، من دار الثقافة بجبل الجلود وصولا الى مقبرة الجلاز.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires