الورقة البيضاء.. اختيار ثالث أم اختيار خاطىء!
35 ألفا في البلديات و24 ألفا في الرئاسية في دورها الأول هو عدد الأوراق البيضاء التي مارس اصحابها الانتخاب على طريقتهم، واختاروا جلب فعل الاحتجاج أبيضا الى الصناديق الشفافة دون علامات على وجه ورقة الاقتراع، كان الرفض هو العلامة ذاتها، التي لم تخطها أقلام مرغمة على الاختيار. في الدور الثاني من الرئاسية، وضعتنا الديمقراطية أمام خيارين في الاتجاه ذاته، بين اليمين واليمين. فيما جهز البعض حججهم لدعم مرشح دون غيره، يتجه سياسيون وأكادميون ومواطنون لخيار ثالث، الورقة البيضاء، التي ظهرت من الهامش كتعبيرة اعتراضية في أروبا القرن 19.
الدلالة السياسية، اللاموقف هو موقف
في ظاهر المشهدية السياسية، نتائج الجولة الأولى من الرئاسية هي نتيجة مباشرة لرغبة الشعب واختياراته المعلنة سلفا. في باطن الأمور، هذه النتيجة المخيبة للأمال بالنسبة للنخبة التي لا ترى في سعيد ولا القروي برامجا رئاسية تقدمية مقنعة، هي نتيجة فشل السيستام في ادارة الأزمة التي تخبط فيها لثمان سنوات، و ترجمة لعدم قدرة الطبقة السياسية على بناء الثقة التي تتطلبها لعبة الديمقراطية. فشل الماكينة، اضافة الى بداية حقبة الشعبوية والزواليزم وتراجع السياسة التقليدية الى خلفية المشهد مقابل بروز رؤوس جديدة صورت كبدائل، وضع البعض أمام خيارين فقرروا سلفا أنهم سيتجهون الى القرار الثالث الذي يسبح في فلك الصفر موقف، اللاموقف. ان مجرد رفض كلا المترشحين في الدور الثاني هو تصدي لمحاولة التطيبع مع فشل المنظومة واعادة انتاجها في شكل مختلف لكن مع وجه يميني محافظ في كلتا الحالتين لا يملك رؤية سياسية واضحة. الدلالة السياسية للورقة البيضاء هو المقاطهة الايجابية للانتخابات التي تختلف عن المقاكعة السلبية التي لا يمارس فيها المواطن الانتخاب اساسا بل يقاطع المسار باكمله، في حالة الورقة البيضاء المواطن مارس واجب/حق الانتخاب لكنه ايضا سجل موقفا سياسيا لا يكره فيه على الاختيار لمجرد أن النتائج أفضت الى طريقين لا ثالث لهما. الصوت الفارغ وهو صوت يبين ان الناخب غير راضٍ بالخيارات المطروحة أمامه .
ماذا يقول القانون عن الرفض الصامت
يفرق المشرع التونسي في القانون الانتخابي بين ورقة التصويت هي الورقة التي تعدها الهيئة لتضعها على ذمة الناخب يوم الاقتراع والتي يضمنها اختياره ثم يضعها في الصندوق. والورقة الملغاة وهي كل ورقة تصويت لا تعبر بشكل واضح عن إرادة الناخب او تتضمن ما يتعارض مع المبادئ المنصوص عليها بالفصل 2 القانون الانتخابي. الورقة البيضاء وهي كل ورقة تصويت لا تتضمن أية علامة مهما كان نوعها. تحتسب الورقة البيضاء ضمن الأصوات المصرّح بها، ولا تحتسب ضمن الحاصل الانتخابي وأخيرا الورقة التالفة وهي كل ورقة معدة للتصويت تعرضت لما جعلها غير صالحة، ويتم استبدالها قبل وضعها في الصندوق وفق ما تضبطه الهيئة.
اقترح مجلس نواب الشعب حذف عبارة "لا" من تعريف الورقة البيضاء ليصبح التعريف كمايلي:
"هي كل ورقة تصويت لا تتضمن أية علامة مهما كان نوعها. تحتسب الورقة البيضاء ضمن الأصوات المصرح بها و تحتسب ضمن الحاصل الانتخابي." لكن مقترح التعديل تم رفضه وبقي القانون على حاله في نسخة انتخابات 2019 أي أنها لا تحتسب ضمن الحاصل الانتخابي.
اختيار ثالث؟
من أبرز مؤيدي خيار الورقة البيضاء نجد أول رئيس للهيئة صاحبة السلطة على الانتخابات ووزير العدل وحقوق الانسان السابق كمال الجندوبي الذي يقول أن كلا من القروي وسعيد لا يملكان مشاريع سياسية ورؤية سياسية لتونس موضحا استيائه من الاسمين الموجودين في الدور الثاني. الجندوبي دعا الناخبين في تدوينة على صفحته الرسمية الى وضع ورقة بيضاء في الصناديق يوم 13 أكتوبر رفضا للطبقة السياسية برمتها. الجندوبي يعتبر ان نبيل القروي وقيس سعيد يفتقدان الى الشرعية ويهددان كلاهما بالرجوع الى الوراء. رغم ان تدوينة الجندوبي واجهت نقدا كبيرا فيما اعتبرها العديد سخرية من ارادة الناخبين، الى أنه ليس الوحيد الذي اختار هذا النهج من بين العديد من المسرحيين والناشطين بالمجتمع المدني والمواطنين الذي رصدنا تدويناتهم التي تبشر بانتهاج طريقة الصوت الفارغ احتجاجا على الوضع السياسي ورفضا للمترشحين الذين جلبتهم الأزمة السياسية "كبديل" عن الوجوه التقليدية.
من جهة ثانية، هناك من يعتبر أن الورقة البيضاء هي تعبيرة جبانة عن التردد لا غير، وبما أنها لا تحتسب وفق القانون الانتخابي فانها ستكون حتما في صالح احد المترشحين اذا ترك المقاطعون الفرضة لغيرهم لتحديد مصير البلاد. أطروحة هذا المعسكر ان المواقف الاستثنائية تسوجب اختيارات استثائية "للحد من الضرر" على الأقل اي عبر اختيار اقل المترشحين سوءا وتهديدا، وبالتاي ممارسة الديمقراطية وتقبل نتائجها بروح رياضية لأن الرئيس القادم مهما كان سيكون في مواجهة مؤسسات ودولة ورقابة برلمانية ومدنية ولن يستطيع تغيير النمط التونسي. حيرة كبرى، بين المقاطعة والاوراق البيضاء واختيار احد المترشحين، لا ندعها تغطي واقع ان مأزق التشريعية اكبر بكثير في حال تكرر السيناريو وتشتت الاصوات وعدم تحصيل أغلبية برلمانية وبالتالي أزمة دولة في تشكيل حكومة 2020.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires