القطيعة بين الإتحاد الوطني الحر ونداء تونس أسرع من إجراءات الإندماج
عشية الإنتخابات التشريعية والرئاسية، مازال المشهد السياسي في حالة تشكل وتغيّر مستمر، آخر التقلبات التي شهدتها الساحة السياسية تمثلت في القطيعة بين الإتحاد الوكني الحر وحركة نداء تونس بعد اندماج لم يعمّر طويلا.. هذا التحالف لم يصمد أمام الإمتحانات والمحن مما جعله يحتضر منذ ولادته.
منذ يومين أعلن الوطني الحر عن استئناف أنشطته كحزب مستقل، واضعا بذلك حدا للإتفاق الذي أبرمه مع النداء. هذا القرار الذي أيدته سميرة الشواشي، عضو المكتب السياسي للإتحاد الوطني الحر، سينجر عنه عودة التنسيقيات الجهوية والمحلية للحزب، إلى جانب عودة نوابه الذين سيستقيلون من الكتلة البرلمانية لنداء تونس والتي تحتل اليوم المرتبة الثالثة في البرلمان من حيث عدد المقاعد، ب41 نائبا، ليشكل أبناء الوطني الحر، كتلتهم الخاصة بهم.
وضع حد للإندماج مع نداء تونس والذي انطلق في أكتوبر 2018، كان أمرا متوقعا في مثل الظروف الراهنة، سيما بعد استقالة الأمين العام الجديد لنداء تونس، سليم الرياحي، الأمين العام السابق للوطني الحر، من كل هياكل النداء، هذا الحزب الذي زادته الخلافات الداخلية والإستقالات المتتالية، اهتزازا وتصدعا، فضلا عن غياب أمينه العام الذي غادر البلاد منذ أشهر، بعد أن اتهم رئيس الحكومة، يوسف الشاهد وعديد المسؤولين الآخرين، بالتآمر من أجل الإنقلاب على الحكم، وهي استقالة اعتبرت الهيئة السياسية لنداء تونس أنها جاءت بعد تفكير معمق وهي خطوة جريئة ومسؤولة أخذت في الإعتبار مصلحة الحزب والبلاد.
هذا الموقف عكس بوضوح تغير موقف نداء تونس من سليم الرياحي، باعتبار أن قرار الإندماج كان يعتبر صلب النداء إضافة كبرى للحزب وحصنا أمام محاولة الإنقلاب والمسار غير الشرعي لوضع اليد على النداء، من قبل يوسف الشاهد، حسب الرياحي.
منذ البداية كان اندماج الإتحاد الوطني الحر في نداء تونس، غير مرحّب به من قبل طيف واسع صلب النداء وقد اعتبره البعض غير شرعي، خاصة بعد التحاق 15 نائبا من الإتحاد الوطني الحر بكتلة نداء تونس. على إثر هذه العملية، استقال عدد كبير من النواب، من حركة نداء تونس. كما أن النائب عن جهة القصرين، محمود القاهري، استنكر عدم تطبيق البرامج المتفق عليها قبل اندماج الوطني الحر والنداء، إلى جانب عدم وضوح الرؤية بخصوص عديد النقاط، ثم لحق به 5 نواب آخرين عن الإتحاد الوطني الحر وهم طارق الفتيتي ودرة اليعقوبي وألفة الجويني وعلي بالاخوة ورضا الزغندي.
هؤلاء النواب كان أرجعوا قرارهم بالإنسحاب، إلى خطورة تبعات الإندماج بين الوطني الحر والنداء، ملاحظين أن عديد النواب معترضون على هذا الإنصهار وكانوا مجبرين على القبول به.
ومثلما أن الإندماج بين الإتحاد الوطني الحر ونداء تونس كان أمرا غير طبيعي، فإن القطيعة بينهما كانت ذات فائدة للحزبين، بالنظر إلى كونها عززت الحضور البرلماني للنداء الذي تخطت كتلته الإئتلاف الوطني لتصبح القورة البرلمانية الثانية بعد كتلة حركة النهضة. كما أتاحت لسليم الرياحي لأن يصبح على رأس حزب في الحكم فاز في الإنتخابات التشريعية ومؤسس من رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي.
بعد القطيعة على مستوى كل العلاقات القائمة بين الوطني الحر والنداء، يبدو أن هذا الأخير أصبح أكثر هشاشة من ذي قبل، فالحزب ما زال في انتظار تنظيم مؤتمره الإنتخابي الذي تأخر عقده كما أن الأزمة الداخلية التي تشقه ما انفكت تتفاقم، بعد استقالة 8 أعضاء من لجنة إعداد مؤتمر نداء تونس والتي كانت تعد 12 عضوا صلبها. يذكر أن هذه المهمة أوكلت للهيئة السياسية للحزب بعد عديد الخلافات مع القيادة الحالية واتهامات بكونها المتسببة في تأخير انعقاد المؤتمر الإنتخابي.
فقد دخل بوجمعة الرميلي، منذ مؤتمر اللجان الجهوية في إطار الإعداد للمؤتمر الإنتخابي للنداء، في خلاف مع رئيس الهيئة السياسية، حافظ قايد السبسي، وهو أيضا شأن عبد الحميد لرقش وسناء غنيمة ولمياء الفوراتي والهادي الغضباني وآية الخياري ومنذر ونيش الذين اختلفوا كذلك مع قايد السبسي الإبن.
رئيس لجنة الإعداد للمؤتمر الإنتخابي، رضا شرف الدين، كان قدّم استقالته من خطته كما انسحب من كل هياكل النداء، أي من الحزب ومن كتلته البرلمانية، معتبرا أن العضوية في مجلس نواب الشعب هي مسؤولية كبرى لم يعد يستطيع التواصل في تحملها.. تحت الضغط، تخلى شرف الدين عن مكانه لسميرة بالقاضي التي تم تكليفها بالإعداد للمؤتمر الإنتخابي الذي حدد تنظيمه ليوم 6 أفريل 2019.
استقالات بالجملة وتحالفات مفاجئة تبرم ثم تتلاشى وأزمات تهز البيت الندائي، إلى جانب العديد من الإمتحانات الأخرى، كلها عوامل لا يمكنها إلا أن تزعزع أكثر فأكثر حزبا كان يشكل في لحظة ما، أمل كل التونسيين.. لكن مع ذلك مازالت أمام نداء تونس فرصة لإعادة ترميم أركانه وتوحيد صفوفه وذلك بمناسبة مؤتمره الإنتخابي.
فحركة نداء تونس ليست مدعوة فقط إلى منافسة النهضة لإحداث التوازن المنشود في الساحة السياسية، وإنما أيضا مواجهة الحزب الجديد ليوسف الشاهد والذي يتقدم بخطى حثيثة، هذا إذا كان الندائيون يرغبون في الإبقاء على حظوظهم قائمة في الإنتخابات التشريعية وخوض المحطات الإنتخابية وذلك عبر توحيد وتجميع كل مكونات العائلة الديمقراطية، الحداثية والتقدمية.
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires