المحكمة الدستورية المخاض العسير
ينص الفصل الأول من القانون الاساسي عدد 50 لسنة 2015 المتعلق بالمحكمة الدستورية على انه اعتبار: المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة ضامنة لعلويّة الدستور وحامية للنظام الجمهوري الديمقراطي وللحقوق والحريّات في نطاق اختصاصاتها وصلاحياتها المقررة بالدستور والمبيّنة بهذا القانون.
ويضبط الفصل 118 من الدستور تركيبة المحكمة وطريقة تعيين أعضاءها: المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة تتركّب من اثني عشر عضوا من ذوي الكفاءة، ثلاثة أرباعهم من المختصين في القانون الذين لا تقل خبرتهم عن عشرين سنة. يعيّن كل من رئيس الجمهورية، ومجلس نواب الشعب، والمجلس الأعلى للقضاء، أربعة أعضاء، على أن يكون ثلاثة أرباعهم من المختصين في القانون. ويكون التعيين لفترة واحدة مدّتها تسع سنوات.
الا انه ورغم التنصيص على ضرورة إرساء المحكمة في أجل أقصاه سنة من انتخابات 2014 أي في أكتوبر 2015 إلا أن البرلمان لم ينجح الى اليوم في انتخاب أعضاء المحكمة وذلك بسبب غياب التوافق بين الكتل البرلمانية.
التجاذبات السياسية اهم من المحكمة الدستورية
لم يتمكن البرلمان من انتخاب سوى عضو واحد (امرأة) في مارس 2018 من بين أربعة أعضاء اذ ينص القانون الأساسي الخاص بالمحكمة الدستورية على ان عضوية المحكمة تقتضي ان يحظى المرشح بأغلبية الثلثين من أصوات نواب البرلمان، 145 صوتا من أصل 217 وهو ما فشل فيه نواب البرلمان باستثناء مرة واحدة تم خلالها انتخاب مرشحة نداء تونس روضة الورسيغني بعد تحصلها على 150 صوتا.
تعددت التجاذبات السياسية وتباينت الآراء حول مرشحي الأحزاب منذ الإعلان على القائمة الأولى سنة 2018 حيث اعترضت كتلة حركة النهضة على ترشيح أستاذة القانون سناء بن عاشور واعترضت كتلتا نداء تونس والحرة على ترشيح حركة مشروع تونس للعياشي الهمامي.
منذ مارس 2018 الى غاية جويلية 2018 عقدت لجنة التوافقات 14 اجتماع توافقي لمحاولة تقريب وجهات النظر والدفع نحو إرساء المحكمة الدستورية في أقرب الآجال وهكذا تم الاتفاق على عقد جلسة عامة ثانية يوم 24 جويلية 2018 الا ان التوافق الذي برز داخل غرفة لجنة التوافقات غاب عن الجلسة العامة وفشل البرلمان مرة أخرى في تركيز المحكمة الدستورية.
اقترحت حكومة يوسف الشاهد في جويلية 2018 تنقيح الفصل الحادي عشر من القانون الأساسي الخاص بالمحكمة الدستورية لتغيير الأغلبية المطلوبة لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، على انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية بعد ثلاث دورات انتخابية مع الإبقاء على الاغلبية المُعززة لحصول أحد المترشحين على عضوية المحكمة الدستورية في الدورة الاولى فقط، لكن إذا لم يتحصل المترشح على ثلثي الأصوات يتم المرور الى الدورة الثانية ويتمّ التقليص من الأغلبية المطلوبة من الاغلبية المعززة الى الاغلبية المطلقة.
وبعد مرور دورتين انتخابيّتين وإذا لم يتحصل المترشّح على الاغلبية المُطلقة في الدورة الثانية يتم انتخاب العضوين الذين تمكنوا من الحصول على أكثر عدد من الاصوات في الدورة الثانية، هذا وتعقد دورة انتخابية ثالثة وهي الاخيرة يفوز فيها المترشّح الذي تحصل على أكثر عدد من أصوات.
الا ان لجنة التشريع العام حينها رفضت هذا المقترح وصادقت على اعتماد أغلبية الثلاثة اخماس لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية إذا فشلت عملية الانتخاب وتم اضافة فقرة في الفصل 11 تقتضي انه « إن لم يحرز العدد الكافي من المرشحين الأغلبية المطلوبة فيما بقي من نقص، يتمّ المرور إلى دورة جديدة يتمّ فيها انتخاب بقيّة الأعضاء بالاقتراع السرّي بأغلبية الثلاثة أخماس ».
وكانت جمعية القضاة التونسيين كانت قد أعلنت في افريل 2018 قد رفضت مقترحات تنقيح القانون الأساسي الخاص بالمحكمة الدستورية وأكد رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمادي على: ضرورة الالتزام بالتوافقات واحترام القانون الذي ينص على مبدأ انتخاب ثلثي البرلمان لثلث أعضاء المحكمة الدستورية، حتى تكون بمنأى عن التجاذبات السياسية والحزبية.
بعد مرور سنة من تاريخ عقد اول جلسة عامة خاصة بانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية عقد البرلمان جلسة عامة في ماي 2019 فشلت هي الأخرى في انتخاب الأعضاء الثلاثة المتبقين للمحكمة الدستورية حيث تحصل حينها العياشي الهمامي على 117 من الأصوات، سناء بن عاشور 85 صوتا عبد اللطيف البوعزيزي 92 صوتا وشكري المبخوت على 34 صوتا وهكذا لم يتمكن أي مترشح من الحصول على الأغلبية المطلوبة وهي 145 صوتا على الأقل.
اثر تعدد المحاولات لعقد جلسة عامة لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية و بعد مرور خمس سنوات على إرساء القانون الأساسي الخاص بالمحكمة تم الاتفاق على عقد جلسة عامة لاستكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية يوم 16 جويلية 2020 الا ان هذه الجلسة العامة كانت بالأحرى جلسة فوضى بعد قيام نواب الحزب الدستوري باعتلاء منصة رئاسة مجلس نواب الشعب للمطالبة بتمرير عريضة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي و هو ما أدى الى رفع الجلسة العامة.
شلل في المحكمة الدستورية وفي النظام السياسي
نشرت المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية اليوم الثلاثاء 11 اوت 2020 تقريرا خاصا بأثار غياب المحكمة الدستورية على النظام القانوني التونسي وأيضا على سير النظام السياسي بالبلاد، واشارت المنظمة الى ان غياب المحكمة الدستورية لم يمكن: من اجراء أي تعديل للدستور وسمح بدخول قواعد جديدة للنظام القانوني مع احتمال تضمنها لعيوب دستورية.
ويعد تعديل الدستور احد صلاحيات المحكمة الدستورية حسب الفصل 40 من قانونها الأساسي: يعرض رئيس مجلس نوّاب الشعب كل مبادرة لتعديل الدستور على المحكمة الدستورية في أجل أقصاه ثلاثة أيّام من تاريخ ورود مبادرة التعديل على مكتب المجلس ويعلم رئيس مجلس نواب الشعب كلاّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بمبادرة التعديل
كذلك أشار التقرير الى انه تم اقتصار الرقابة الدستورية المسبقة على مشاريع ومقترحات القوانين وهو ما أدى الى غياب مراقبة المعاهدات الدولية التي وافق عليها مجلس نواب الشعب: هذه الرقابة المسبقة لمشاريع ومقترحات القوانين والمسندة إلى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين اتسمت بالطابع الانتقالي وبهشاشة الهيئة ذكورة
كذلك غابت الرقابة الدستورية اللاحقة للقواعد القانونية و هي احد وظائف المحكمة الدستورية التي أن تقع تمارس بواسطة المسائل الأولية المعلقة بالدستورية و هو ما أدى الى وجود قواعد قانونية تشوبها عيوب دستورية في النظام القانوني.
اما بالنسبة للنظام السياسي، اكدت المنظمة ان غياب المحكمة الدستورية أدى الى انعكاسات سلبية على سيرورة الحياة السياسية في تونس فلم يتم البت في النزاعات المتعلقة باختصاص كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لان المحكمة الدستورية هي الطرف الوحيد الذي يمكنه البت في تنازع الاختصاص بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة
كذلك لم يتم معاينة حالات تعليق او توقف مهام رئيس الجمهورية وهو المأزق السياسي الذي جد حين وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي في 25 جويلية 2019 اذ ينص الدستور في فصله 84 من الدستور على أنه “…في حالة تقديم رئيس الجمهورية استقالته كتابة إلى رئيس المحكمة الدستورية، أوفي حالة الوفاة، أو العجز الدائم، أو لأي سبب آخر من أسباب الشغور النهائي، تجتمع المحكمة الدستورية فورا، وتقرّ الشغور النهائي، وتبلّغ ذلك إلى رئيس مجلس نواب الشعب الذي يتولى فورا مهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما .
تعطيل إرساء المحكمة الدستورية اظهر عيوب العمل البرلماني في تونس ، و رغم المحاولات المتعددة فشل نواب الشعب في إرساء محكمة للشعب قادرة على حماية دستورهم و ضمان تطبيق القوانين لحماية حقوقهم و حرياتهم.
رباب علوي
تعليقك
Commentaires