alexametrics
الأولى

حمّى اليسار التونسي

مدّة القراءة : 3 دقيقة
حمّى اليسار التونسي

لا أحد ينكر الحضور التاريخي لقوى اليسار في تونس بتشكيلاتها المختلفة حدّ الصراع والتناقض وبالرغم من تكتّل الأحزاب اليسارية ضمن ائتلاف موحّد يسمّى "الجبهة الشعبية"، فذلك لم يحجب الخلافات العميقة بين هؤلاء اليساريين والتي تتلخص في قضايا عدّة أهمها الزعامة والخلافات الفكرية والخط السياسي.

 

علمت بيزنس نيوز يوم أمس الثلاثاء 28 ماي أن رئيس كتلة الجبهة الشعبية بمجلس نواب الشعب أحمد الصديق قدم استقالته لمكتب المجلس مع 8 أعضاء ينتمون لحزب الوطنيين الديمقراطيين وأعضاء مجمدين من حزب العمال الشيوعي التونسي وذلك بسبب الخلاف بشأن قائمات الاستحقاقات الانتخابية القادمة، اذ أن حزب الوطد ما يزال يصرّ لغاية الان على ترشيح منجي الرحوي للرئاسية بينما أصدرت بقية مكونات الجبهة بيانا لتعلن ترشيح حمّة الهمامي.

 

لم يتم النظر في قبول الاستقالات من عدمه الى غاية الان، لكن قبولها يعني حل الكتلة البرلمانية فيما تزال المفاوضات لسحب الاستقالات جارية، وقد يحتاج حل الكتلة الى قبول الاستقالات من طرف مكتب المجلس ومرور خمسة أيام دون سحبها. وستجري مفاوضات خلال هذا الأسبوع وربما تفضي إلى قرارات جديدة بخصوص الشخصية التوافقية المرشحة للرئاسية.

 

يوم 4 مارس، حزب الوطنييّن الديمقراطيين الموحد ينشر بيان لجنته المركزيّة ليعلن أنّ منجي الرحوي، النائب في مجلس الشعب عن الجبهة الشعبية، هو مرشّح الوطد للانتخابات الرئاسية 2019. جملة يتيمة واحدة، كانت كفيلة بإشعال الجدل التاريخي عن زعامة الجبهة، والصراع القديم-الجديد بين الوطد وحزب العمال، الذي كان ينوي -آنذاك- تزكية الزعيم الأوحد حمة الهمامي، الأمين العام للحزب، الناطق الرسمي للجبهة، مرشح رئاسية 2014، اليساري الأخير الذي يبدو أن حزب العمال لا يملك عنه بديـلاً.

 

أسبوع بعد ذلك يصرّح الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي أن ترشيح حزب الوطنيين الديمقراطيين (الوطد) لمنجي الرحوي مثّل إحراجا للجبهة الشعبية، مشددا على أنه لا يمكن وضع الجبهة أمام الأمر الواقع والفيصل هو المجلس المركزي.

تصريح يحمل في طياته الأزمة التي يعيشها اليسار اليوم بدء بقيادييه وصولا إلى منخرطيه، حيث تشهد مواقف أحزاب اليسار حالة من التذبذب تكشف عن افتقادها لرؤية استراتيجية واضحة ولعلى خير دليل على ذلك قرار المجلس المركزي للجبهة الذي أعلن عقب اجتماع لمختلف المكونات والأمناء العامين للجبهة الشعبية عن ترشيح حمة الهمامي للانتخابات الرئاسية بعد أسابيع من الأخذ والرد داخل الإئتلاف اليساري خاصة مع اختيار حزب الوطد لمنجي الرحوي مرشحا.

 

أزمة الثقة بين قوى اليسار تتعاظم فيما بينها ووصلت حد الإقصاء وهو ما تجسّد في تصريح النائب عن الجبهة الشعبية أحمد الصديق الذي أكّد أن القيادي بحزب الوطد منجي الرحوي يقوم بحملة انتخابية موازية مشددا على أن حزب الطليعة العربي يدعم ترشح حمة الهمامي وليس منجي الرحوي.

 

بهذه الصراعات فشلت قوى اليسار في أن تتحوّل إلى قوّة شعبية فعلية وظلّت في غالبها مجرّد قوى نخبوية تمارس عملا نضاليا دون قدرة على تنزيل برامجها إلى الشارع وإلى المواطن البسيط، الأمر الذي تعكسه الأزمة الراهنة خاصة بين الوطد وحزب العمّال.

 

بدأ الشرخ بين الهياكل اليسارية يتوسّع وأصبحت الهزيمة واضحة ومدوية حتى بعد محاولة بعض القوى اليسارية اجراء إصلاحات داخلية من أجل تلميع صورتها، على سبيل الذكر الغاء حزب العمال الشيوعي لفظة شيوعي من اسمه ومحاولة حركة الوطنيين الديمقراطيين توسيع دائرة منخرطيها لتنجز مؤتمرا توحيديا يفرز اسما جديدا هو حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد.

 

قد تكون الصراعات في السبعينات والثمانينات وصولا إلى التسعينات في الجامعة والاتحاد العام التونسي للشغل بين الوطد وحزب العمال بقيت متواصلة إلى يومنا هذا ولم تأخذ بعين الاعتبار التطوّر والتغييرات التي شهدها المجتمع التونسي وأصبحت مقولاتها رهينة قوالب جاهزة منذ السبعينات والدليل على ذلك أنه رغم الوضع الاقتصادي والاجتماعي الرديء فان اليسار لم يقدر على تعبئة أوسع الجماهير التي نراها الان ملتفة حول أحزاب ليبرالية يمينية كحزب النهضة أو تحيا تونس أو حزب عبير موسى أو النداء في الوقت الذي كان من المفروض على اليسار أن يستميل الفئات والشرائح الفقيرة والشعبية.

 

لطالما عرف اليسار التونسي بموقفه الرافض للدكتاتورية ومقاومة الاستبداد في عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة وبن علي وخاض معارك نضالية جعلته عرضة للإقصاء مع تعرض قيادييه إلى الاعتقال والتعذيب في مرّات عدّة، لكنه ظلّ عاجزا عن تطوير ممارساته السياسية نحو مزيد من التجذّر في المجتمع.

 

وبالرغم من تميز القوى الحزبية المشكلة لليسار التونسي بطبيعتها الاحتجاجية وبحضورها الواضح في النقابات وفي المنظمات الحقوقية، ومع هذا الحضور النشيط فإنها تفتقر إلى الكادر التقني القادر على إدارة شؤون الدولة لأن تسجيل المواقف والاحتجاج على الحكم يختلف عن ممارسة السلطة وتقديم الخدمة العامة للناس.

 

فشلت قوى اليسار في أن تتحوّل إلى قوّة شعبية فعلية، حيث ظلت في غالبها مجرد قوى نخبوية تمارس عملا نضاليا دون قدرة على تنزيل برامجها إلى الشارع وإلى المواطن البسيط.

 

لا يزال اليسار التونسي في حالة من التيه يجترّ خيباته ولا يعرف كيف يمكنه الخروج من أزمته ما يحتّم على التيارات اليسارية المختلفة، تحيين قراءتها للواقع السياسي وتأصيلها فعليا بدل الإصرار والمواظبة على الوفاء للايديولوجيات.

 

مروى يوسف

 

 

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter