المهمة المستحيلة 2020 : لا أحزاب في حكومة الحبيب الجملي- ماذا الان؟
فرّقتهم الحملات الانتخابية، وجمعتهم طاولة الحبيب الجملي-ورُبما أباريق الشايّ. صورة راشد الغنوشي، محمد عبو، يوسف الشاهد، وزهير المغزاوي "الفرسان الأربعة'' يُجالسون رجل الحركة الاسلامية الحبيب الجملي بوجوه عبوسة غير راضية، "متشائلة" في أفضل الأحوال هي الترجمان الصادق لمادار في قصر الضيافة بقرطاج والذي تلاهُ انسحابات من المشاركة في حكومة 2020 بعد اعلان النهضة عن اتفاق مبدئيّ وتصريح راشد الغنوشي الذي استبشر فيه بنهاية تعثر مسار تشكيل الحكومة.
اليوم 23 ديسمبر، اجتمعوا مجددا الى طاولة رئيس الجمهورية قيس سعيد قبل أن يعلن الحبيب الجملي قراره الأخير.. لا أحزاب في حكومة 2020، بما في ذلك حركة النهضة. الجملي أرجع قراره الى تشبث الأحزاب بشروطها غير المعقولة، وقرر أن حكومته ستكون حكومة كفاءات وطنية مستقلة خالية من أي اعتبار سياسي. لنرى الأحداث التي سبقت هذا القرار.
"يرتاح ربّ الحرب يوم الاحد" في المقاربات الدينية التي انجرت عنها لاحقا مقاربات سياسية تتحكم بالدول والحكومات، لكن الأحد 22 ديسمبر 2019 كان ماراثونا سياسيا هرع فيه الجميع الى المجالس الوطنية لتحديد القرارات المصيرية الأخيرة. وبقدر مايبدو الأفق السياسي سلبيا ونحن على مرمى حجر من جانفي 2020 دون حكومة، الا أن الالية الاستشارية الديمقراطية التي أخرت تشكيل الحكومة، أي المجالس الوطنية، هي دليل على نضج قريب للطبقة السياسية التي لم تحد "أحزاب قادة" تتجمع حول قرار يوسف الشاهد أو محمد عبو أو نبيل القروي.. بل أضحت "أحزاب مؤسسات" تعترف بالتعديل الذاتي الداخلي وتترك القرار لهياكل الحزب.
من داخل المجلس الوطني للتيار، ووفق مصادر لبيزنس نيوز، يوجد موقفان مختلقان بين قياديين مُنفتحين نحو مشاركة فعالة من داخل الدولة عبر مسار كامل لمكافحة الفساد ينطلق من زاويتي القضاء والادراة العمومية، وموقف ثان يفضل المشاركة في السلطة عبر المعارضة الايجابية التي تكون قوة اقتراح قبل أن تكون قوة نقد، وهو الممكن خاصة بعد التحالف مع حركة الشعب وعدد من المستقلين وتكوين القوة البرلمانية الثانية، الكتلة الديمقراطية. في النهاية، انتصر الموقف الثاني الذي رفض التعامل مع شريك "غير نزيه" مثل الحركة الاسلامية التي تريد شركا في الحكم "تعلق عليها فشلها وفق تصريح عضو المجلس الوطني للتيار قصي بن فرج. التيار أعلن أمس اثر مجلسه الوطني أنه لن يكون في حكومة الحبيب الجملي التي وفق رأي مصدر من التيار لبيزنس نيوز هي حكومة راشد الغنوشي مع 60 بالمائة من "المستقلين" الموالين في الحقيقة للنهضة، التي تود الحفاظ على وزارة الداخلية تحد يدها بأي ثمن ممكن ولو افشال مسار التفاوض.
نفش الموقف يتشارك فيه قياديو وأعضاء المجلس الوطني لحركة الشعب الذين أعلنوا بدورهم بعد ساعات عدم مشاركتهم في الحكومة. رغم تصريح الحبيب الجملي وحركة النهضة بأنه تم اقتراح 5 وزارات على حركة الشعب، فان المجلس الوطني شدد على أن الحكومة ستكون حكومة مستقيلن اصر فيها الحبيب الجملي على عدم النقاش في عشر وزارات "تتبعه". المجلس انتقد جدية التفاوض في احالة الى أنه تفاوض شكلي لم يأخذ اقتراحات الحركة على نحو ايجابي بل كان تشاورا صوريا بادراة شخصية من راشد الغنوشي. مخرجات المجلس تضمنت حرصا مفتعلا من الحبيب الجملي على "تعويم" الحكومة بالمستقلين القريبين من النهضة حتى لا تتم مسائلتهم سياسيا ولا يقع فشلهم المحتمل على عاتق الحزب الاسلامي. من بين مقترحات الشعب على الجملي اثناء جلسة المشاورة، عدم التقويت في المؤسسات العموية ومراجعة عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والتي واجهها الجملي بالرفض.
تحيا تونس، كانت اخر المعلنين عن موقفها من المشاركة في حكومة الائتلاف الحزبي مساء أمس الأحد. بعد اللجوء لالية المجلس الوطني، قررت الحركة أنها لن تشارك في حكومة النهضة لعدم وجود الحد الأدنى من الضمانات اللازمة لنجاحها. الحركة اتفقت مع الشعب والتيار على ان الحكومة التي اقترحها الحبيب الجملي لم تكن حكومة ائتلاف أو مصلحة وطنية لأنها لم تقم على مبدأ الشراكة في احالة الى حرص الجملي على اقتراح اسماء "مستقلة" لأغلبية الوزارات. ماتختلف في تحيا تونس، هو نقطة في خاتمة بيانا اشار فيها المجلس الوطني الى أنه يُفوض ليوسف الشاهد، رئيس الحركة، مواصلة التفاعل مع الاقتراحات. تبعا لذلك، التقى الشاهد صبيحة اليوم راشد الغنوشي زعيم الحركة الاسلامية. لم يوضح أي من الطرفان طبيعة اللقاء أو مخرجاته، وبذلك لم تغادر الحركة ذات الطاولة تماما، علها تنجح بعد اللقاء الأخير في فرض شروطها.
مع انسحاب التيار والشعب وتحيا تونس، عاد قلب تونس ذو الكتلة الثالثة في تشريعيات 2019 الى المشهد عبر التلميح الى الانتقاح على عودة المشاورات. الحزب الذي بنى حملة انتخلبية على وعد عدم التحالف مع الحركة الاسلامية، وعد اثر اجتماع مكتبه السياسي عدم ترشيح أي من مسؤوليه أو قياداته الى أي مسؤولية في الحكومة القادمة. المكتب السياسي بين أنه لن يمنح ثقته سوى لحكومة كفاءات تكون فيها وزارات السيدة محيدة. بعد 24 ساعة من بيان المكتب السياسي لقلب تونس، تقرر الحركة الاسلامية النهضة وفق ما نقطة صحفية لها صبيحة اليوم نعدها بتقديم حكومة كفاءات وطنية. واذا كانت النهضة تعول على 109 نائبا هم مجموع نواب النهضة والكتلة الديمقراطية وتحيا تونس لمنح الثقة للحبيب الجملي، فان المشاركة المحتملة لقلب تونس لن تضمن لها سوى 92 صوتا تقل عن النصاب القانوني الأدنى. ائتلاف الكرامة الذي يضم 18 نائبا والدستوري الحر الذي يضم 17 نائبا قررا سالفا عدم منح الثقة لحكومة الجملي، مما يفتح الطريق الى مشاورات أخرى مع الاصلاح الوطني، الكتلة التي تضم 15 نائبا.
كل هذه الاحتمالات كانت مطروحة على الطاولة قبل مساء اليوم 23 ديسمبر. الان سيواجه الجملي الجميع دون أي سند سياسي في مجلس مكون من 95 بالمائة من الاحزاب والائتلافات السياسية، مما يجعل حصول الحكومة على الثقة رمية مستبعدة.
في نوفمبر الماضي قال رضا المكي لينين مدير الحملة الرئاسية لقيس سعيد في تعليق على مسار تشكيل الحكومة، انه من المبكر الحديث عن حكومة الرئيس، بعد اكثر من شهر من ذلك التصريح يبدو أن هذا البديل يقترب شيئا فشيئ، خاصة مع تصريح القيادي بالحركة الاسلامية عماد الحمامي أن النهضة "لا تخاف من إحتمال إحالة ملف تشكيل الحكومة على رئيس الجمهورية قيس سعيد في حال وجود تناغم وتجاوب مع رئيس الجمهورية في الخيارات." لنذكر، أنه في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب لحكومة الحبيب الجملي، يقوم رئيس الجمهورية قيس سعيد في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر واحد.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires