أيّهما سيكون المسيطر : قيس سعيّد أم الكُتل السياسيّة في البرلمان؟
أسدل الستار على الإنتخابات الرئاسيّة، وفي سابقة أولى فريدة من نوعها أنتُخب المرشّح المستقلّ قيس سعيّد رئيسا للجمهوريّة التّونسية بنسبة ثلاثة أرباع الشعب التونسي، بـ 72 فاصل 71 بالمائة انتصر قيس سعيّد على منافسه الّذي لم يتمتّع بجزء بسيط من القيام بحملته الإنتخابيّة، نبيل القروي، 27 فاصل 29 بالمائة. يوم الأحد 13 أكتوبر 2019، توافد المئات من التونسيّين إلى قلب العاصمة، واحتشدوا في شارع الحبيب بورقيبة، شارع ثورة الحريّة والكرامة، رافعين علم تونس ومردّدين لشعارات وطنيّة احتفالا منهم بانتصار رجل القانون قيس سعيّد، بعد فوزه بمنصب رئاسة الجمهوريّة.
المُتابع عن بُعد والمُشاهد لصورة شارع الحبيب بورقيبة تعُجّ بمئات الأشخاص، يخيّل له أنّ تونس حقّقت حريّتها فعلا وانتصرت لثورة الحريّة والكرامة، كما يتردّد لذِهنه أنّ التاريخ يُعيد نفسه، تاريخ ثورة أُستُشهد فيها الكثير من أبناء هذا الوطن، أريقت فيها دماء أمنيّين وعسكريّين، ثورة بعد الفرحة والعزّة بها أمام شعوب العالم، لُقِّبت بثورة الربيع العربي، تمّ إغتصابها وانتهاكها من قبل سياسيّين تركوا تلك الثورة وراءهم وجعلوا من تونس وجهة للإرهاب والإجرام والسياحة الحزبيّة، على امتداد تسع سنوات.
قلنا التّاريخ يُعيد نفسه، وهذا ليس بمحض الصدفة. اليوم الذين احتفلوا بقيس سعيّد ''إلاه'' النظافة والإنضباط والملتزم بالقانون وتطبيقه، وزيّنوا شارع الحبيب بورقيبة وكلّ الشوارع الواسعة في شتّى الولايات، بتجمّعهم وترديد شعارات العزّة والفخر بانتخابهم لرجل نظيف اليد، بعيد عن الفساد، رئيسا لتونس، ولكن مثلما تمّ التلاعب بثورة الربيع العربي، سيتمّ إدماج هذا الرئيس المستقلّ بالمنظومة الحزبيّة التي من غيرها لا يمكن له تسيّير شؤون البلاد ولا تشكيل رئاسة حكومة.
صحيح أنّ الكلّ يُجيد الكلام ويُتقن الوعود، وكان قيس سعيّد في خطابه للشعب التونسي بعد فوزه في الرئاسية، وعد بضمان الحقوق والدّفاع عن الحرّيات، ووعد الشعب بأن يكون هو الحاكم والمقرّر، وهذا ساهم في زيادة إيمان الشعب به، ولكنّ الإنسان المفكّر العاقل الواعي بقانون الحكم وسياسته، يفهم أنّ هذا الرئيس لا يمكنه الحكم بمفرده كما لا يمكنه أن يجعل من الشعب المقرّر والحاكم، وأكثر من ذلك منصب رئاسة الجمهوريّة لا تتجاوز أهمّيته منصب رئاسة مجلس نواب الشعب، ودور هذا المجلس في تسيّير البلاد ورسم مسارها.
بعد أيام يُباشر مجلس النّواب الحالي مهمّته الدّستوريّة الأخيرة، حسب النظام الدّاخلي لمجلس نوّاب الشعب في الفصل 152و153 و154، وحسب الفصل 76 من الدستور، إذ يقوم عبد الفتّاح مورو، رئيس مجلس نوّاب الشعب بالنيابة، بعد تَلقِّيه للقرار النهائي المتعلّق بالإنتخابات الرئاسيّة من قبل الهئية العليا المستقّلة للإنتخابات، في ظرف يومين بدعوة مكتب المجلس للإجتماع لتحديد موعد الجلسة العامّة المخصّصة لأداء اليمين من قبل رئيس الجمهوريّة المُنتخب، ويقوم رئيس المجلس بالنيابة بإعلام رئيس الجمهوريّة الجديد والرئيس المتخلّي، بموعد الجلسة، التي يفتتحها رئيس المجلس بكلمة مختصرة ثمّ يدعو الرئيس المُنتخب لأداء اليمين الدستوريّة.
رئيس الجمهوريّة المُنتخب من قبل شعبه، شدّد على مواصلة عمله في رئاسة الدّولة في كنف الإستقلاليّة، مُتناسيا سيادة مجلس نواب الشعب ورئاسة الحكومة. في هذا السياق حركة النهضة الفائزة في الإنتخابات التشريعيّة بأغلبيّة المقاعد في المجلس، 52 مقعدا، والتي ستشرف على اختيار رئيس الحكومة، أعلنت على دعمها لقيس سعيّد وأنّها ستسعى للتحالف معه وتكوين حكومة في أقرب الآجال، أيضا قال رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني في العديد من تصريحاته الإعلاميّة أنّه من مصلحة قيس سعيّد أن تكون للنهضة أغلبيّة في البرلمان، بالتي بفضلها لم يتم تمرير عدّة قوانين مثل قانون المساواة في الميراث والمصالحة الاقتصادية، أيضا أشار إلى أنّ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة هو المرشّح القانوني لرئاسة الحكومة.
حركة الشعب الفائزة بـ 16 مقعدا في البرلمان اقترحت الصافي سعيد رئيسا للحكومة، حسب ما أفاد به القيادي في الحركة، خالد الكريشي، وأشار في تصريح إعلامي إلى أنّ حركة النّهضة هي المكلفة بتشكيل الحكومة وإذا وافقت على تعيين الصافي سعيد رئيسا للحكومة كما أرادت حركة الشعب، فإن الحركة ستدعم هذا الخيار القائم فقط على البرنامج الذي يرتكز على سيادة القرارات الوطنية وعلى مقاومة التطبيع والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية الديمقراطية المدافعة عن حرّيات وحقوق الإنسان.
أما التيار الديمقراطي صاحب 22 مقعدا في مجلس النواب، كان من أوّل الأحزاب الذين عبّروا عن تهنأتهم لقيس سعيّد بفوزه، وأكّد محمّد عبو أمين عام الحزب أنّ التيّار سيكون في المعارضة، قائلا '' معارضة جدّية ومسؤولة''، ودعا غازي الشواشي القيادي بالتيار إلى ضرورة تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وشدّد التيّار على أنّه لن يتحالف مع حكومة حركة النهضة، واتّهم النهضة بالفساد وضلوعها في ملفات إرهابية وملفات إغتيالات سياسيّة.
وعندما تمّ اتّهام التيّار بالتهرّب من المسؤوليّة أعلن محمّد عبو عن إمكانية المشاركة في حكومة النهضة في صورة موافقة الحركة على إمضاء وثيقة أمام الشعب تمنح التيار القدرة على ضبط مواصفات رئيس الحكومة القادم الذي يجب أن يكون مستقلّ ونظيف اليد، ونزيه ورجل دولة، حسب قولها، أيضا تمكّنها من خلال هذه الوثيقة أن تدخل جملة من الإصلاحات على وزارة الداخلية ووزارة العدل، لأنّهما أساس الإصلاح في البلاد.
في ما يخصّ حزب قلب تونس الحائز على ثاني أعلى نسبة مقاعد في مجلس نواب الشعب، 38 مقعدا، بعد إعلان هيئة الإنتخابات عن النتائج الأوّليّة بفوز قيس سعيّد في الرئاسية، ، قام نبيل القروي بندوة صحفيّة عبّر فيها عن شكره لكلّ أنصاره الذين صوّتوا له، وقال أنّه لو لم يتمّ سجنه لكانت النتائج مختلفة، ولم يتوجّه في هذه النقطة الإعلاميّة بالتهنئة لمنافسه قيس سعيّد، وأكّد على أنّه تمّ التلاعب بالعدالة في تونس، كما بعث القروي برسالة تهنئة لسعيّد وهنّأه بفوزه في الرئاسيّة، ووعد منافسه أنه سيكون داعما له وأنّ قلب تونس سيكون مساندا لسعيّد، في كلّ ما فيه مصلحة الوطن وخير شعبها على حد البرقية.
أيضا قال حاتم المليكي الناطق الرسمي باسم حزب قلب تونس، أنّ حزب نبيل القروي لا يمكنه أن يتحالف إطلاقا مع حركة النهضة الاسلامية،وأكّد في تصريحاته الإعلاميّة أنّ قلب تونس يمكنه أن يتفاعل إيجابيا مع مقترح حكومة تكنوقراط لا ترأسها النهضة، على أن لا يكون أعضاء الحكومة مسيّسيين أو قريبين من النهضة.
ائتلاف الكرامة الحائز على 21 مقعدا في مجلس نوّاب الشعب، ساند بقوّة قيس سعيّد في رئاسيّة الدّور الثاني، وأكّد أمين عام ائتلاف كرامة سيف الدّين مخلوف أنّ الإئتلاف لن يكون في الحكومة الجديدة، وأشار في تصريحاته الإعلاميّة أنّه لن يشارك في الحكومة من خلال أي منصب مُحتمل، وأنّ ائتلاف الكرامة لن يصوّت على حكومة الكفاءات، أيضا كن مخلوف قد أفاد أنّ ائتلاف الكرامة لا يرى مانعا في التحالف مع حركة النهضة، وأنّ الإئتلاف لن يتسرّع بإعلان إنضمامه للمعارضة، وأنّ هناك إمكانية لتشكيل الحكومة، مشترطا أن يكون الخطّ الثوري وتحسين حياة الناس هي القاعدة التي يجب اتباعها في تشكيلها.
الحزب الدستوري الحرّ الحائز على 17 مقعدا في البرلمان، أكّدت رئيسته عبير موسي أنّها لن تتحالف أبدا مع حكومة حركة النهضة ''الإخوانيّة''، اختارت موسي البقاء في المعارضة حتى أنّها دعت أنصارها إلى عدم التصويت للمرشّح قيس سعيّد في رئاسيّة الدور الثاني، وأشارت إلى أنّ حزبها لا يمكنه أن يدعم الإرهاب والفوضى، كما لا يمكنه دعم الأشخاص الذين لا يعترفون بالدّولة، والأشخاص الذين يهدّدون النظام الجمهوري ولا حتى الأشخاص الذين يهدّدون النموذج المجتمعي البورقيبي الحداثي المدني.
حركة تحيا تونس، فازت في مجلس نواب الشعب بـ 14 مقعدا، عبّرت عن تمنياتها بالتوفيق لقيس سعيد في أداء مهامه، ودعته إلى أن يكون رئيسا لكلّ التونسيين، حافظاً لأمانة أصوات ناخبيه الذين عبّروا عن توقهم لتدعيم دولة عدل وعدالة تقطع مع الفساد وتفتح الآفاق رحبة أمام آمال شباب تونس، وأكّد القيادي بالحركة، مهدي بن غربية، إنّ فوز قيس سعيد برئاسة الجمهورية هو عقاب لكل الطبقة السياسية، وأعلن أنّ تحيا تونس اختارت أن تكون في المعارضة ولن تشارك في تشكيل حكومة إلا إذا كان برنامجها الإصلاح، مشددا على أن الحركة بحاجة إلى فترة ابتعاد عن الحكم.
أمّا حركة مشروع تونس، التي حازت على أربع مقاعد في مجلس نواب الشعب، قال رئيس الحركة محسن مرزوق إنّ حركة مشروع تونس لم تتصدر المواقع الأولى في نتائج الانتخابات، لذلك فلن تكون معنية بالحكم، وأنّها ستلعب دورها كمعارضة فاعلة، وستكون كلّ تحالفاتها مبنيّة على رفض التطرّف والخلط بين الدّين والسّياسة وستنحاز للخط الوطنيّ الشعبيّ الديمقراطيّ.
هذا المزيج الغير متجانس من الأحزاب السياسيّة، يبشّر بمجلس نوّاب غير منظّم وكلّه صراعات ومشاكل وبصعوبة تشكيل حكومة مستقبليّة، هاته الأحزاب التي لم تتفق في ما بينها على امتداد سنوات، كيف للمرشّح المستقل الخالي من أي تجربة سياسية، قيس سعيّد، أن يجاري هذه الأخيرة وأن يسيّر معها شؤون البلاد؟.
قيس سعيّد الخبير في القانون الدستوري، يجب عليه أن يطبّق هذا القانون على الكلّ دون استثناء، وأوّلهم أنصاره الذين اعتدوا على الصحفيين، كما يجب عليه أن يحسن التعامل مع الأحزاب وأن يتخلّى عن مبدأ أنّ الشعب هو المقرّر والحاكم، لأنّ الدولة لها مؤسّساتها الدستوريّة وقوانينها التي ترتكز عليها، لكي لا تقع تونس في نفس متاهة السنوات المنقضية يجب على الرئيس الجديد التفاعل مع كلّ القوى السياسية لإنقاذ تونس، وإنقاذ ديمقراطيتها، وأن يحسن التعامل مع الدول الأجنبية والعربيّة التي هنّأته بفوزه، وأن يوطّد العلاقات معها لما فيه المصلحة لتونس.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires